للحراك الرياضي الذي يشهده نادي الوداد البييضاوي، طبيعة هي من جنس موروثه التاريخي وهي من أصل معاملته لكل الفترات الصعبة التي مر منها الفريق منذ تاريخ التأسيس في ثلاثينيات القرن الماضي وإلى اليوم، الفترات التي تشبه لحظات الإنصهار البركاني، ما يحدث في الجوف من اشتعال الأحجار البركانية قبل أن تقذف الفوهة بالحمم الحارقة. لذلك وإن استبد القلق بجماهير الوداد، وإن هاج بهم الغضب وفريقهم يخرج من موسمه خالي الوفاض، وإن ضاقت بهم الأرض بما رحبت، فإنهم لا يفكرون أبدا في إضرام النار في البيت الأحمر، لأن لا أحد من الوداديين يريد أن يرى بيته الأحمر مجرد رماد وقد أحرقته نار الغضب الساطع، فإن كان الأمر يفرض ترجلا للرئيس سعيد الناصيري من منصبه كرئيس، فسيفعل بلا مزايدة وبلا محاككة، لأنه في قرارة نفسه يعرف أن جمهور الوداد إن رأى في رحيله جزء من الحل، فسيذعن لإرادة هذه الجماهير التي تتوارث جيلا بعد جيل حب الوداد المحفوظ في سويداء القلوب، سيغادر الرئاسة لينضم لصف المناصرين. بعد الخروج الصاغر أمام الأهلي المصري من نصف نهائي عصبة الأبطال الإفريقية، الذي أعقب اكتفاء الفرسان الحمر بمرتبة الوصافة في البطولة الإحترافية والتنازل عن لقبها للغريم الرجاء، كان هناك اشتعال للحزن والألم ومضى كل واحد يبكي وداده بطريقته، وبل اختلف الوداديون في رصد من يكون الجاني المطلق، وعدا هذه الفورة الغاضبة التي لها ما يبررها عاطفيا، فما حدث بعد ذلك وقد هدأ الروع وخفت حدة الوجع، أن سعيد الناصيري سبق الجميع إلى إصدار ما أسميتها في حينها رسالة الغفران، والتي تعتبر نموذجا في تحمل تبعات الإخفاق وفي احترام القاعدة الجماهيرية واحترام مشاعر الودايين، الأمة التي تناصر الأحمر وترفعه لعنان السماء. قال الناصيري في رسالته التي هي تقرير بشأن حالة، أكثر ما هي استعطاف وتلمس للأعذار، أنه سيفتح الباب على مصراعيه من أجل حوار هادئ يليق بإرث الوداد الفكري والرياضي، ينتبه لكل المعطلات الموجودة هيكليا وتدبيريا، وإن كان حل الأزمة في أن ينزل هو من سدرة الرئاسة، فإنه سيفعل بلا أدنى تردد، حقنا لأحاسيس ومشاعر ودادية، الأولى أن تتوجه إلى صناعة البديل. هذه الرسالة التقطها فصيل «الوينرز» وتعامل معها بكثير مما أعتبره ضبطا للنفس وابتعادا عن الشعبوية الرخيصة ونأيا عن الإستقواء، فجاء الرد محمولا على القيم الرياضية والأخلاقية التي أتمنى أن تتعامل بها الفصائل المناصرة للأندية الوطنية، حيث يكون الأجدى أن تفك عزلة الأندية وأن تكسر القيود التي بيدها بطريقة سلمية. اليوم هناك هامش زمني مقدر في شهرين لكي تتحرك العائلة الودادية في اتجاه صناعة الإنتقال الهادئ من وضعية لأخرى أفضل بطبيعة الحال، ليس القصد أن يمنح سعيد الناصيري المعتز أيما اعتزاز بردة فعل فصيل «الوينرز»، ستون يوما ليأتي لجماهير الوداد بالشمس ولكي ينفخ في روحها لتتمكن من القبض على كل الألقاب الممكنة، ولكن القصد أن يكون هناك تفكير جماعي وتحرك جماعي وإصرار جماعي على بناء المرحلة القادمة بشكل تشاركي. وعندما يكون الرهان الأكبر هو جعل الوداد بأكبر قاعدة من المنخرطين وبإيرادات قياسية ترفعه إلى مقام أغنى الأندية بإفريقيا بموازنة مالية تقترب من 20 مليار سنتيم، فإن ما يفهم من جعل هذا الأمر هو المحرك الأساس للقوى العاملة والمحبة للوداد، أن هناك قدرة لدى فصيل «الوينرز» على صناعة البدائل لا على افتعال الأزمات. قد يكون زمن الإستفراد بالقرارات الإستراتيجية قد ولى، وقد يكون الوداد بكامل الإستعداد فطريا للمرور بشكل هادئ وآمن للوضعية البديلة وللحقبة الجديدة، لكن المهم من كل هذا أن الجميع يوجد في منطقة واحدة، لا وجود فيها للأنانية ولا للغوغائية ولا لتشويه صورة وتاريخ الوداد، منطقة فيها كثير من الصفاء والوداد..