ليس من السهل أن تقبل حكومة ألمانيا إعطاء الضوء الأخضر لاستئناف بطولتها وهي التي تعيش على وقع 176244 حالة إصابة منذ تفشي الوباء إلى غاية يوم السبت الماضي، في وقت تدنت الحالات في نفس اليوم الذي انطلقت فيه البوندسليغا إلى ( + 620 حالة و57 حالة وفاة). طبعا نستغرب لهذه الظرفية الإستثنائية لدولة أوروبية عظمى قررت وغامرت ونجحت في ترتيب الحدث الكوني لكرة قدم أريد لها أن تتغير بحكمة الوباء بكل طقوس الإحتراز والغرابة غير المسبوقة، ونستغرب أنه حتى في ضل الأرقام القياسية للإصابات والوفيات التي لا تقارن بما هو مسجل لدينا بالمغرب بأرقام نادرة لا تصل إلى حد 600 مصاب يوميا، ووفيات نادرة على غير الرقم الذي سجل بألمانيا (57 وفاة). ولكن هذه هي الحقيقة لأن ألمانيا في قصاصات أنبائها أعطت الضوء الاخضر لفتح مقاصفها ومطاعمها دون خوف من المخالطة. إلا أن الحكومة الألمانية وهي تستند إلى المعطيات والأرقام التي تتضاءل يوميا، إمتلكت الجرأة للإقرار بالموافقة المضمونة لاستئناف البطولة بشروط وقواعد صارمة في أغرب طقوس متغيرات الكرة التي تغيب الجمهور كداعم رئيسي لأفراحه، وترغم الإعلام التلفزي على النقل بأشكال مختلفة، وتفرض على اللاعبين والطاقم فواعد صارمة في تبني التباعد الإجتماعي وعدم المصافحة في تسجيل الأهداف وعدم البصق (مع أنه ظاهرة عفوية فوق أرضية الملاعب) وعدم الإحتكاك والتقبيل في أفراح الوصول إلى المرمى. فضلا عن قانون التبديلات الخمسة التي روعيت أطوارها في سبت مشهود لألمانيا وهي تنجح في أول خطو من دون إصابات ولا شكوى. وفي تلافيف استهلال البوندسليغا، تبددت المخاوف وكأن اللاعبين في كل رقعة المباريات التي إنطلقت في وقت واحد، قد اشتاقوا للعشب والجماعة بعد شهرين من الحجر الصحي عمته الكآبة والضغط النفسي، وهو ما بدا في جل المباريات من أن العودة وإن كانت منقوصة ومحرومة من الصيحات الجماهيرية، فقد مهدت على الإقل للدخول في المنافسات بنصف دعم وسار كل شيء كما هو مخطط له. صحيح أن البوندسليغا قدمت نفسها بطريقة غير مسبوقة على مستوى الصفوف الفارغة بالمدرجات، والكرات المطهرة والتباعد بين اللاعبين في بنك البدلاء، ولكن هذه الوقائع تعتبر سوريالية تعداها الأمر إن المدى الذي استوعب فيه اللاعبون الإتصال مع معجبيهم هو دليل على حقيقة أن المحترفين غادروا ما بعد صافرة النهاية نحو المدرج اليتيم و«الجدار الأصفر» الفارغ من أجل التحية الرمزية وكأنهم حاضرون في مشهد غريب يسجل لأول مرة في تاريخ الكرة المعاصرة. وإن كانت جل مباريات البطولة الألمانية قد أحاطت بقواعد الإحتراز والحماية اللائقة، فإن كشكول قمة الرور بين الجراد الأصفر بروسيا دورتموند والطوفان الأزرق لشالك، شكل زبد المشهد العالمي والكوني في تطبيق دروس وعبر الوباء في أرقى تجلياته دون الخروج على السياقات إلا في حالة ناذرة وقعت في مباراة حيث نسي مدافع هيرتا برلين “ديدريك بوياتا” قواعد وتدابير التباعد الإجتماعي خلال مباراتهم ضد هوفنهايم، حيث قبّل زميله ماركو جروجيك أثناء احتفاله بأحد أهداف فريقه خلال المباراة، وهو ما أثار جدلا عقب المباراة، ولا سيما في ظل عدم احترام لاعبي هيرتا برلين لتدابير فيروس كورونا والإحتفال وكأن شيئا لم يكن .، ولكن في مباراة ديربي الرور، احترمت الإخلاق السامية سيما بعد تسجيل هالاند الهدف الأول عندما ركض إلى المنطقة القريبة من الزاوية، واحتفل ضاحكاً مع زملائه دون مصافحة أو معانقة، بسبب قيود التباعد الصارمة التي عبّدت طريق العودة إلى الملاعب، وبدلاً من صراخ واحتفال الجماهير، خصوصاً في «المدرج الأصفر» المهيب، سُمعت أصوات الموسيقى الإحتفالية في الملعب كتعبير مهيإ له بديبلوماسية وضعت ألمانيا كأول دولة غامرت ونجحت وقدمت للعالم درسا في تأمين العنصر البشري وعدم الإستخفاف به في المشهد الرياضي الذي يعيش منه كشغل قار لعشرات الأسر. هذا الدرس الجريئ لألمانيا ربما وضع فرنسا وهولندا وبلجيكا في موقع الصدمة على اعتبار أن التسرع في القرارات التي قتلت أحلام بعض الأندية على مستوى المطامح والأهداف، مهد لازمات مالية ستغرق الأندية بالديون وعدم الوفاء بالإلتزامات، وهذه ألمانيا برغم الداء الخطير، راعت المحيط الكروي بالتعقل وحكمة اتباع القواعد دون أن يصاب أي لاعب بالعدوى بعيدا عن المخالطة وتحت الرقابة الصحية قبل وبعد نهاية أي مران واي مباراة رسمية. وأكيد أن هذه الدول التي تبنت الإلغاء النهائي للبطولات ستندم لكونها لم تقرأ السيناريوهات كما فاجأتنا بها ألمانيا. ومن يدري، كيف سنراعي نحن المغاربة والجامعة على هذا السبق التاريخي لدولة لا نتقاسم معها نفس الجرح ؟ وكيف ستتهيأ الجامعة لنقل نفس هذا النموذج على البطولة الإحترافية بقوى غاية في الإحتراس .؟.