التأجيل مع النفاذ المعجل.. طوكيو تستسلم وتستجيب لضغط العالم خسائر مالية ضخمة والتأجيل يخلط الأوراق لرابع مرة عبر التاريخ الأولمبياد يسحب من موعده بعدما تأجلت أكبر البطولات العالمية والقارية للأندية والمنتخبات في عدة رياضات أبرزها كرة القدم بسبب جائحة كورونا، إتجهت الأنظار خلال الأيام الأخيرة إلى الحدث الكوني الضخم والمتعلق بالألعاب الأولمبية طوكيو 2020. الضغوطات تزايدت بشكل رهيب وتساقطت بسرعة فوق رؤوس اللجنة الأولمبية الدولية واللجنة المنظمة اليابانية، لتسفر عن قرار التأجيل المعجل مع إحتمال أن يكون العرس الكوني صيف 2021. الحروب وحدها تلغي الألعاب سبق للألعاب الأولمبية وأن إحتجبت ثلاث مرات منذ ميلادها عام 1896 بأثينا اليونانية، وذلك لأسباب قاهرة متعلقة بالأساس بالإستقرار الأمني والحروب العسكرية الدولية، حيث ألغيت دورة 1916 في برلين إبان الحرب العالمية الأولى، ثم غابت بعدها دورتا 1940 بطوكيو و1944 في لندن بداعي الحرب العالمية الثانية. وغير هذه الحالات الثلاث لم يسبق للحدث الكوني أن تضرر أو تدمر رغم العديد من المشاكل والأحداث التي عرفها العالم لأزيد من قرن، أبرزها الأزمة المالية سنة 1987 والتي تجاوزها المنظمون في سيوول الكورية بنجاح عام 1988، إضافة إلى حرب الخليج 1991 والتي لم تنل شيئا من إقامة نسخة برشلونة 1992 في موعدها. لكن الحرب الحالية ليست عسكرية ولا مالية وإنما حرب عالمية صحية وبائية تهدد سلامة سكان الكرة الأرضية، وسيشهد التاريخ أن وباء "كورونا" أجل لأول مرة دورة أولمبية سنة 2020، الشيء الذي لم يتحقق سنة 1918 مع جائحة الإنفلوانزا الإسبانية الخطيرة والتي قتلت أنذاك 100 مليون شخص، ورغم ذلك أقيمت دورة 1920 بأنفيرس البلجيكية. طوكيو إستقبلت الشعلة الحزينة وصلت الشعلة الأولمبية يوم 19 مارس الجاري إلى العاصمة اليابانية، في مراسيم عادية وبسيطة وفي غياب الجماهير، حيث سادت الأجواء الحزينة والإنتقاذات الدولية بسبب حرص اللجنة الأولمبية واللجنة المنظمة على تسلم الشعلة، رغم التغيير الذي طرأ في طقوس الإستيلام بعد عجز اليابانيين على السفر إلى أثينا لتسلم الشعلة من مهدها، كما دأبت على ذلك التقاليد والأعراف في كل الدورات السابقة. وتكلف ناوكو إيموتو ممثل اللجنة المنظمة للألعاب الأولمبية طوكيو 2020 بحمل الشعلة في مشهد بئيس لم يستقطب أنظار العالم، بسبب تفشي جائحة كورونا وإنكباب الجميع على مقاومة الفيروس والحد منه، وعدم الإنتباه إلى الحدث الأولمبي وبداية العد العكسي لإنطلاق التظاهرة الرياضية الأكبر في الكون. وأعلنت اليابان وعاصمتها حيث ستُقام البطولة جاهزيتها التامة لإستقبال الحدث في موعده المحدد سلفا وهو 24 يوليوز القادم، خاصة وأنها تستعد له منذ سنة 2013 وأنفقت عليه مبلغ 12 مليار دولار. إلغاء التربصات وتوقف التدريبات منذ إعلان إكتساح جائحة كورونا للقارة العجوز وشروع الدول في غلق حدودها وفرض حالات الطوارئ، إنقطعت التداريب وإنتهت التجمعات وأُلغيت التربصات الداخلية والخارجية، ولم يعد أي رياضي منهمك في تمارينه اليومية والإعتيادية، بقدر حرصه على تفادي الإختلاط والوقاية من الإصابة بالوباء. منع التجول وإغلاق كل الملاعب والقاعات وقطع أعصاب الحياة الطبيعية الرياضية وغير الرياضية، يذهب ضحيته الآلاف من الأبطال الذين كانوا بصدد التحضير للألعاب الأولمبية القادمة، خصوصا أولئك الذين شرعوا في الإستعدادات منذ أربع سنوات وبلغوا المحطة الأخيرة من التهيئ البدني والذهني. إنقطاع عن التداريب الجماعية وهجرة للملاعب والإنزواء في المنازل، والإكتفاء بالتمارين الخفيفة بمعدات بسيطة دون تأطير مباشر من المدربين، أربك كل أوراق الرياضيين والأبطال الأولمبيين الذين شعروا بالصدمة والإحباط، ورأوا أن ما تم التخطيط له من أحلام وأهداف بات بعيد المنال بسبب جرثومة غير مرئية شلت حركة العالم بأسره. 43 بالمئة لم يحسموا بطاقات العبور كان مرتقبا أن يعرف شهر مارس وأبريل المراحل الأخيرة من التصفيات في مجموعة من القارات، حيث المسابقات الإقصائية النهائية لجمع ما تبقى من النقاط وحجز بطاقات العبور إلى طوكيو، خصوصا في بعض الرياضات الفردية كالملاكمة والكراطي وألعاب القوى والجيدو وغيرها. وبحسب الأرقام فإن 43 بالمئة من الرياضيين المشاركين لم يحسموا بعد بطاقات التأهل الرسمي، وما يزال يتوجب عليهم خوض التصفيات الأخيرة في الملتقيات والبطولات لضمان العبور النهائي والمحسوم، في مختلف الأصناف والأوزان وفي أكثر من قارة. ووجدت اللجنة الأولمبية الدولية نفسها في مأزق كبير في ظل تشبتها بإقامة الألعاب في موعدها المحدد بطوكيو، ومشكلة عدم نهاية الإقصائيات وعدم إكتمال عقد المتأهلين ومعه لوائح الأبطال والمشاركين في النهائيات، والذي يبلغ عددهم الإجمالي 11 ألف رياضيا يمثلون أزيد من 206 دولة. اليابانيون وباخ تحلوا بالعناد وقف اليابانيون من مسؤولين حكوميين ولجنة منظمة وشعب في جهة ومعهم رئيس اللجنة الأولمبية الدولية طوماس باخ، وفي الجهة المقابلة وقفت عشرات الدول وآلاف الرياضيين وملايين المشاهدين الرافضين لفكرة تثبيت التظاهرة في تاريخها الصيف المقبل. اليابانيون دافعوا بقوة وعناد عن عرسهم وأكدوا أنهم صرفوا عليه الملايير وجهزوا كل السبل لإنجاحه، ومن شبه المستحيل أن يتم إلغاؤه أو تأجيله لغياب البدائل وكذا حجم الخسائر المالية الفادحة المتوقع أن تنزل فوق رؤوس المنظمين، ورئيس اللجنة الأولمبية الدولية الألماني طوماس باخ ظل يصرح في جميع خرجاته الإعلامية أن الإلغاء غير مطروح والتأجيل هو آخر الحلول، معتبرا أنه يوجد الوقت الكافي لينتهي وباء كورونا وتحافظ الألعاب على موعدها متم شهر يوليوز القادم. وواجه باخ والمنظمون في أيام قليلة ضغطا شديدا وتحالفات يومية وإنسحابات متزايدة من اللجان الأولمبية الوطنية في كل القارات، وإنتقاذات لاذعة من الإعلاميين والرياضيين لدفعهم نحو خيار التأجيل. إستسلام سريع وتأجيل منطقي ردت اللجنة الأولمبية الدولية في بداية معركة شد الحبل والنقاش حول تأجيل دورة طوكيو 2020، أن الوضع الحالي الإستثنائي لا يحفز على الإلغاء أو التأجيل لحماية البلد المنظم والأبطال والشركاء والمعلنين، وأن الإلتزام يقتضي بضرورة البقاء على حذر والحفاظ على التداريب ولو بصورة فردية، مع التأكيد على وجوب تضامن الأبطال وتفهمهم لهذا الوضع والإكراهات. لكن مع تزايد الضغط الدولي وتفاقم جائحة كورونا في جميع أنحاء المعمور، إرتفع إيقاع الإتصالات والمشاورات بين هيأة طوماس باخ ومنظمة الصحة العالمية واللجنة اليابانية المنظمة، للنقاش والبحث عن حلول بناء على الأرقام والتوقعات والمستجدات الصحية، مع كشف وزراء اليابان آبي شينزو أن القرار النهائي سيتم إتخاذه متم شهر أبريل. إلا أن رياح الإنسحابات المتتالية والقوى الدولية الضاغطة سرعان ما عجلوا بالقرار، والذي أعلن عنه المسؤول الياباني الأول يوم الثلاثاء الماضي، والمتمثل في الإستجابة لمطالب التأجيل كأخف الأضرار وأحسن الحلول أمام القوة القاهرة، مع التنسيق ونيل الموافقة المبدئية من اللجنة الأولمبية لتنظيم طوكيو الحدث صيف العام القادم.