لنترك التاريخ يدون ما سنعود إليه لاحقا، لنجعل منه قاعدة للحكي الجماعي، تأهلنا لأول مرة في تاريخ مشاركاتنا بنهائيات كأس إفريقيا للأمم بالعلامة الكاملة، أي بتحقيق الفوز في المباريات الثلاث ومن دون أن تنجح أي من المنتخبات التي شكلت معنا المجموعة المنعوتة أحيانا بمجموعة الموت، وأحيانا أخرى بالمجموعة الحديدية، في الوصول لمرمانا لما يزيد عن 270 دقيقة من اللعب. لنترك للحظة هذا الذي نسعد له، ومن حق جيل الأسود الحالي أن يفخر به، وننتبه إلى ما سيأتي في هذا المسير الإفريقي والذي يتنبأ كثير منا على أنه سيكون مسيرا خرافيا، إن لم يأت بنجمة أفريقية ثانية ليضعها على صدرونا، ويكرر ما كان سنة 1976 بأثيوبيا، فإنه من الممكن أن يكرر ما كان سنة 2004 بتونس عندما بلغ أسود الأطلس عتبة النهائي، وما سيأتي اعتبارا من يوم غد الجمعة، يستوجب أن يكون الفريق الوطني في تمام يقظته وفي قمة تركيزه، لأنه مع حلول لحظة الصفر بانطلاق مباراتنا أمام سناجب البنين، يوم غد الجمعة برسم أول ثمن نهائي لكأس أفريقيا للأمم، سيدعونا التاريخ لكتابة صفحة جديدة، لا مقارنة بينها وبين الصفحة التي كتبناها، والمنتخب يتمكن من تصدر مجموعة الموت بالعلامة الكاملة. عادة ما يقول الخبراء وكبار النقاد أن الأدوار التي تعقب دور المجموعات، هي أدوار الحقيقة، والقصد أن ما كان من هوامش الخطإ المتاحة في دور المجموعات، تضيق بشكل كبير عند المرور لأدوار خروج المغلوب، لذلك لن يكون من خيار للفريق الوطني، منذ يوم الجمعة عندما سيلتقي سناجب البنين في الدور ثمن النهائي، سوى تقديم الوجه اللامع والمحصن الذي لا شرخ ولا ندوب فيه، أي أن يكون الفريق الوطني في قمة الإنتشاء النفسي والتركيز الذهني لتقديم أجمل ما يملك فنيا وتكتيكيا فرديا وجماعيا، فإن نحن طلبنا من الفريق الوطني أن يطابق نفسه وممكناته، طلبنا أن يأتينا بنفس الأداء القتالي والرجولي الذي كان عليه في مباراة كوت ديفوار، والتي تعتبر مرجعا لما يمكن أن يصل إليه الأسود، من رقي وسمو في الأداء الجماعي والذي لا يبقى مكانا للإسفاف ولا للشوائب التكتيكية. ولعل أول ما يجب الإحتراز منه، هو أن يغششنا تصدرنا بالعلامة الكاملة لمجموعة الموت ومواجهتنا في دور ثمن النهائي لمنتخب حل ثالثا في مجموعته، فنصاب بداء الإستسهال، وبالتالي لا نحشد كل الملكات التقنية والأسلحة التكتيكية الموجودة بحوزتنا، لتدبير النزال القوي والضاري أمام منتخب البنين، أمام سناجب دلت المباريات الثلاث التي خاضتها في مجموعة ضمت منتخبات غانا، الكاميرون وغينيا بساو ولم تنهزم في أي منها، على أنها سناجب تجيد غزل خيوط العناكب لتطوق بها أعناق المنافسين، وعلى أنها سناجب لا تمت بأي صلة للسناجب التي واجهناها في دور مجموعات نسخة 2004 من كأس إفريقيا للأمم بتونس وهزمناها برباعية نظيفة. بالقطع فإن هيرفي رونار يملك في قاموسه التحفيزي والإنذاري من العبارات المدوية، ما به يهيج الأسود، فلا يتخيلون أنه سيكونون يوم الجمعة في رحلة قنص سهلة، وما به يقيهم شر أنفسهم، وما يدرأ عنهم وساوس تحجيم الخصم، والمؤكد أن الفريق الوطني، إن نحن جزمنا بأنه مؤهل فوق العادة لإسقاط السناجب لما يوجد من فوارق في الخامات التقنية وأيضا في فلسفة اللعب بين المنتخبين، دعوناه لأن يكون حذرا للغاية من انتفاضة سناجب بينينية ليس عليها أي ضغط من أي نوع، وكيف تكون مضغوطة وهي سعيدة بتحقيقها للتأهل للدور الثاني لأول مرة، ومدركة أن ما سيأتي من بعد سيدخل فعلا في عداد الخوارق.. الحذر الحذر يا أسود، فللسناجب مخالب طالت وزادت حدة بعد التعادلين التاريخيين أمام النجوم السود لغانا وأمام أسود الكاميرون.