أعصابنا دمرت بما يكفي فقدنا ذاكرة الإنتصارات فضاعت هويتنا بين المنتخبات أسود عليلة، بوصلة ضائعة و ثقة في خبر كان!! أعدمونا... دمروا أعصابنا وتمادوا في حلقات التواضع التي لا تنتهي.. هكذا حصل الإجماع بخصوص الوضع الحالي للأسود، وهكذا نطقوا بلسان واحد عقب اللقاء الكارثي ضد منتخب إفريقيا الوسطى الذي كرس مسلسل تواضع لا تكاد صفحة تطوى منه حتى تفتح الثانية، فما الذي حكم على الأسود بأن يغيروا قناعهم على هذا النحو المريب، أن يتحللوا من كل تاريخهم المضيء صوب نفق مظلم غرقوا فيه زمنا طويلا ؟ 23 شهرا من الصيام عن الإنتصارات 8 مدربين متعاقبين في ظرف سنة واحدة في مشهد يعبر عن نفسه. أزيد من 70 لاعبا خضعوا للتجريب والإستهلاك دون فائدة وأخيرا جامعة تترجل وأخرى تتقدم و 14 شهر عدد أيامها كلها إخفاق في إخفاق، فما الذي جعل الأسود يفقدون الهوية ويدخلون منحنى الخطر بشكل أضر بالسمعة ؟ التواضع الذي أدمناه تاريخ 4 شتنبر 2010 ما هو إلا استمرارية وحلقة أخرى إضافية في مسلسل تواضع، إن نحن عدنا بالذاكرة قليلا للوراء سنصل للحقيقة التي تقود للقول أنه بدأ مباشرة ذات يوم من أيام شهر فبراير 2008 بالأراضي الغينية والخروج الصاغر من الدور الأول لأمم إفريقيا بحصيلة سلبية كارثية لم يكن الفوز المسجل بخماسية ضد ناميبيا ليحجب حقيقتها. بعدها وحتى قبلها يمكن القول أن المرحلة المفصلية أو الخط الذي يميز بين فترتين، الأولى مستمرة لغاية 2004 بتونس وحتى لسنة 2005 التي أشرت على الإقصاء من مونديال ألمانيا 2006، لكن بطريقة جد مشرفة تحكمت فيها مؤثرات وعوامل خارجية على حساب الرياضية الصرفة، والثانية استمرت لغاية موعد اللقاء سيء الذكر ضد منتخب إفريقيا الوسطى ليلة السبت المنصرم وهو ما يعني حوالي 4 سنوات من الأفول، من الإنكماش والتقهقر سنوردها تباعا برغم عديد المسكنات المرحلية وبرغم بعض الأقنعة التي لم تخف حقيقة الوجه المحروق والمشوه. ولم يكن للإنتصارات التي تحققت رفقة روجي لومير وجمال فتحي في المسار التمهيدي السنة الماضية قبل الدخول في صلب التفاصيل النهائية، لتخفي أيضا حقيقة الإفلاس الذي بلغناه، وحقيقة الضياع الذي أصبح عليه عرين الأسود، ضياع حكم على المنتخب الوطني بأن يتدحرج ويتقهقر ويتراجع في سلم التصنيف الدولي لمراتب غير مسبوقة بما يوحي أن السم فعلا قد نخر العظم، والسوس قد استوطن به ودمر نخاعه وخلاياه وحكم عليه بالوهن!!. أسود بأقنعة مزدوجة كما أجمع كل المدربون المغاربة وهم يحاكمون وضع المنتخب الوطني وكما يجمع الشارع أيضا، فإن ما يحدث حاليا داخل محيط الأسود هو حالة نشاز، حالة غير مفهومة، تشبه انفصام شخصية غريب وتشبه حالة شخص يعيش بهويتين مختلفين. لاعبون محترفون يمارسون ضمن أندية أوروبية وازنة ويبصمون على حضور قوي وموفق رفع أسهمهم عاليا وجعلهم تحت المجهر وفي دائرة الأضواء بأوروبا، ومتواضعون محدودو الإبداع والإضافة كلما حطوا الرحال بفضاء المعمورة أو تزامن تجميعهم مع مباراة تخص الفريق الوطني. لم يعد مفهوما ما معنى أن يقدم الحمداوي خوارقه رفقة الأجاكس نهاية كل أسبوع ويتمارض في الذي يليه وهو يرتدي القميص الوطني، ولا معنى أن ينجح الشماخ في حمل آمال فريق بحجم الأرسنال وفي بطولة خرسانية مثل البطولة الإنجليزية وتغيب شمسه رفقة الأسود، وزد عليه بوصوفة، بصير، الأحمدي، هرماش وغيرهم... وهو ما يقود أيضا للإستنتاج على أنه تمت أشياء غير طبيعية تحدث داخل الفريق، محيط غير نظيف، وعجز مطبق وشلل تام عن إحتواء الكل تحت مظلة واحدة، منصهرين كجسد واحد وقادرين على التكلم بنفس اللغة، وبنفس النغمة، إذن هي مسألة تأطير، مسألة دمج ومسألة خليط غير منسجم وهجين يعطي في نهاية المطاف وصفة بلا مذاق وبلا طعم ولا رائحة. تقارير تحدثت عن الإنشطار ما ليس مفهوما أيضا ولا هو مستوعب، هو ماذا قدمت الجامعة الحالية كإضافة للمنتخب الوطني؟ كيف تعاملت مع واقعة كأولوية وكمحور ذو أهمية استعجالية قصوى؟ وأي تدابير إصلاحية إتخذت وأية مناهج إحترافية طبقت كما تم التبشير به؟ لا هذا ولا ذاك، والوقائع تتحدث عن نفسها ودار لقمان ظلت على حالها، ما غيّر هو الطلاء فقط، أما القاع فهو ذاته، به أدران وأوساخ وعديد من المكدرات التي تصيب الجسد بالوهن والداء. انتظر الجميع أن يحدث ذلك التغيير الراديكالي مع أسماء طبعت المرحلة السابقة وارتبطت في ذاكرة الجمهور والمتتبع على أنها جلبت العار، على أنها وثقت للمهزلة غير المسبوقة وعلى أن زمنها الإفتراضي والإستهلاكي انتهى، لكن برغم كل ذلك وكأن الرحم التي أنجبتهم لم تنجب غيرهم، لم يحدث أي تغيير فظلوا محافظين على مكانتهم، ماسكين بها وغير غائبين بما يثار ولا يقال في حقهم، وتلك واحدة من أسباب التراجع والخمول في أدائهم. وانتظرنا أن تؤهل الجامعة عديد الأسماء التي قيل بأنها ستكون حاضرة لحمل القميص الوطني، تلك الوجوه التي قيل أنها ستدشن لميلاد جديد، ستوثق لشهادة نشأة أخرى، سيما وأن فترة 9 أشهر التي قضيناها في الفراغ والهدر الكروي كانت كافية للوفاء بالفرض، غير أن الذي حدث كان هو أنه لاشيء تغير ولا إضافة حدثت ومن يكذب يسأل (كارسيلا، قابول، أزواغ، وثلاثي مونبوليي)، إذن هو الإجترار للمرحلة السابقة، وحتى تقرير مومن الذي تحدث عن ضرورة تنظيف البيت من كل الزوائد والعوالق لم يتم الإهتمام به. التدبير الأرعن والفراغ القاتل «من يزرع الريح يحصد العاصفة» ومن يدمن الفراغ أكيد أن مآله الضياع، إذ لا يمكن تصور أن الراحة البيولوجية التي طالت والتي بلغت حوالي 9 أشهر، مجهولة الملامح، غامضة في كل تجلياتها، لا يمكنها إلا أن تنتج في خاتمة المطاف وضعا بمثل السوء الذي انتهينا إليه، فريق وطني يغيب عن التنافسية طوال هذه المدة، أكيد أن الإيقاع سيخون عناصره، سيشعرون بالغربة وهم يلتقون بعد ذلك، سيحسون بأن زمن طويلا ضاع وغيرهم سبقهم بمساحة زمنية معقولة يصعب تداركها لاحقا. لكن بإرجاع الأسباب لمسبباتها، بربط الأمور بمدبريها، هي الجامعة المسؤولة وهي المعنية بالحساب، لأنها بعد اللقاء الكارثي الذي قصم الظهر بإقصاء العار والفضيحة ضد الكامرون شهر نونبر 2009، لم تحسن التصرف ولم تتعاط بإيجابية مع الظرفية وركنت للبيات الشتوي وكأنها بانتظار واحدة من المعجزات التي انتهى زمانها. رحل لومير رحلت تركيبة الدهشة الرباعية بكل ما رافقها من سلبية واستهجان من طرف الرأي العام وكل المتتبعين، وبعدها أسيء تدبير المساحة وأسيء تكييف المرحلة مع أن الواقع الذي لا يعلو ولا يعلى عليه كان يقول بعودة مشروعة للزاكي، بعودة لا مشروطة انتصارا لما قدم وإنصافا لما أبداه وترجمة لآمال شعب بأكمله، قبل أن يصعق الكل بطريقة مبتدعة الإرتباط مع المدرب البلجيكي إيريك غيرتس بإعلان الزواج معه بشكل «مودرن» بالإشتغال عن بعد ومن قارة أخري بعيدة، رغم أن الظرف كان يقتضي حزما ودون ترك هوامش للخطأ، كان يقتضي إيجاد ربان في صيغة الطبيب المعالج النفساني الذي يقترب من هَمّ اللاعبين ويقدم الوصفات العلاجية المناسبة، لا مدرب يقدم وصاياه عبر جسر مساعده المفتقد أصلا للأهلية والكفاءة. ضاعت الإنتصارات فضاعت الهيبة بوصلة الأسود حاليا تائهة في صحاري الشك الموحشة، فريق وطني إن جاز (استخدام الوصف) طالما أنه لم نعد نحمل من خصائص المنتخب إلا الإسم، بلا هوية وبلا ذاكرة، خطوط ضائعة، عناصر مفلسة وقيمة في خبر كان، يجسدها ما أصبحنا عليه من تواضع وتقهقر حتى أمام أضعف منتخبات القارة وأضعف السواعد التي ما كانت لتتجرأ على مبارزة ومصاقرة الأسود داخل أحراشها وملاعبها، فما بالك الإستئساد هنا بميداننا، كما ترجمته صفعة الغابون، جرأة الطوغو، درس الكاميرون وعار إفريقيا الوسطى. لم ننتصر منذ اليوم الذي انتصرنا فيه على موريتانيا، وغذا سنعجز عن مجاراة منتخبات من هذا التصنيف ومن هذه القبعة ومن هذه الطينة، أعصاب الجمهور المغربي دمرت بما يكفي وجسور الثقة تحطمت والإحباط بلغ مدى يستحيل الخروج منه ما لم تلجأ الجامعة لخيار العقل، وما لم تركب صهوة الإجادة والإحترافية في تدبيرها القادم، أما إن هي عاندت وتركت الحبل على الغارب غير عابئة بما يجري فهو الإفلاس الكامل القادم لا محالة وهو الضياع بلا حدود. قريبا سنغازل المنتخبات تحت المئة إن نحن واصلنا بذات الإيقاع الهزيل، وقريبا سنفقد هيبة جاهدنا لأجل تشييد أسسها في سالف السنوات مع أجيال ذهبية ورجال حقيقيون، وقريبا قد تتطوع جمعيات تدافع عن الأسود الحقيقية لتطالب الجامعة بتغيير إسم ولقب الفريق الوطني لأنه يسيء لها.