قال الله تعالى: "وإذا صُرفت اَبصارهم تلقاء اصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين" [الاَعراف، 46]. سيقت الآية في مقام مقالي قص الله تعالى من خلاله ما حصل من تنادي بين أهل الجنة والنار، كما في قوله تعالى: "ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار إنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالاَخرة كافرون وبينهما حجاب وعلى الاَعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا اَصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون وإذا صرفت اَبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين" [الاَعراف، 43-46]. يبدو من هذا المقام أننا إزاء بيان لبعض ما يكون بين فريقي الجنة والنار، وأبرز ما يكون بينهما حوار وتخاطب بين الفريقين بقدر ما يرسخ اعتراف أهل الجنة بقيمة ما هم عليه من نعم الله عليهم يزيد من حسرة أهل النار على ما فرطوا في حق الله تعالى وفي حق أنفسهم. وما ذلك إلا لأنهم كانوا من الظالمين الذين وصفهم الله تعالى بقوله: "أن لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالاَخرة كافرون" [الاَعراف، 43-44]. عندما ينظر رجال الاَعراف[1] إلى أصحاب النار يستعيذون بالله تعالى من أن يكونوا منهم، ويدعون سبحانه وتعالى ألا يجعلهم مع الظالمين. قال الشيخ رشيد رضا: "والإنصاف إن هذا الدعاء أليق بحال من استوت حسناتهم وسيئاتهم، وكانوا موقوفين مجهولا مصيرهم. روى ابن جرير عن شعبة أن حذيفة رضي الله عنه ذكر أصحاب الاَعراف فقال: هم قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار، وقعدت بهم سيئاتهم عن الجنة، فإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا: "ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين"[2]. ----------------------------------------------- 1. الأعراف بصيغة الجمع ضرب من النخل. وجمع لكلمتي الأعرف والعرف بوزن قفل. ويطلق على أعالي الأشياء وأوائلها وكل مرتفع من الأرض وغيرها. وقيل بان الأعراف سور بين الجنة والنار. واختلف المفسرون في تحديد المقصود بأهل الأعراف، بل أوصل بعضهم هذا الاختلاف إلى اثنتي عشر قولا. 2. ينظر تفسير المنار، ج: 8/431.