شرع الإسلام لمبدأ الرقابة الداخلية ورفع الظلم عن المظلومين، ثلاث مناهج رئيسية وهي: 1. بيان الرشد من الغي على مستوى الأفراد؛ 2. بيان الرشد من الغي على مستوى المجتمعات؛ 3. بيان الرشد من الغي على مستوى الدول.. فالمسلم الفرد مطالب أن يتعلم أحكام الإسلام وأحكام الحلال والحرام، فيما يختص به شخصياً أولاً، وأن يسعى إلى إيجاده في حياته الخاصة وما له عليه من أمر ونهي، وقد نبه القرآن الكريم إلى ذلك في خطاب لقمان لابنه فقال: "يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَامُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الاُمُورِ" [ لقمان، 16]، وقول النبي عليه الصلاة والسلام: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده؛ فإن لم يستطع فبلسانه؛ فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"[1]. فإقامة الصلاة عمود الاستقامة الذاتية، ورقيب مباشر على الإنسان، فالصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر، ومن أقامها على نفسه بحق، حرص على أن تعم الاستقامة كل المحيط الذي يعيش فيه، فيأمر غيره بالمعروف وينهاه عن المنكر؛ لأنه حريص على غيره مثل حرصه على نفسه، سواء كان الأمر من باب النصيحة أو التوصية أو التأديب، وقد دل على هذا المنهج الاجتماعي في الرقابة قوله تعالى: "الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الاَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الاَمُورِ" [الحج، 39]، وقوله تعالى: "وَالْمُومِنُونَ وَالْمُومِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُوتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" [التوبة، 72]، وقول النبي عليه الصلاة والسلام: "الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامّتهم"[2]. فإذا ما شاع المعروف بين المسلمين على صعيد المجتمع؛ فإن الرقابة العامة فيه تكون ذاتية أيضاً، ومن كافة قواه الاجتماعية، مثل تجمعات هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعاة، وأمناء المؤسسات الخيرية، وأئمة المساجد، ورؤساء الجامعات، ومدراء المدارس، والعلماء والآباء والمربون، وغيرهم، فهذه القوى لها حق الرقابة ومتابعة التزام المجتمع بتطبيق الشريعة وتحقيق مقاصدها، والتي تمثل من وجهة نظر شرعية: حقوق الإنسان بكافة مجالاتها. إن الرقابة الاجتماعية مهمة جداً وتمثل وازعاً ذاتياً من المجتمع نفسه في عدم انتهاك حقوق الإنسان، وعدم انتهاك حقوق الناس، وعدم انتهاك حقوق المجتمع، وبعض هذه الأنواع من الرقابة تدخل في باب الحسبة الاجتماعية التي تملك سلطة أدبية على المسلمين، في التزامهم بحقوق الآخرين طواعية أو بتدخل أولياء الأمور وأهل الإصلاح، وإلزام المتخاصمين برد المظالم وإعادة الحقوق، فإذا ما انتهت إمكانيات القوى الاجتماعية إلى عدم القدرة على فصل الخصومات بالحسنى، أو وجب دخول مرحلة تطبيق الصلح بالقوة والإلزام، أو مرحلة تطبيق العقوبة على الجاني؛ فإن الحسبة الاجتماعية تنقل المشكلة إلى الحسبة القضائية، التي يشرف عليها القضاء والمحاكم والهيئات التنفيذية والشرطة في دستور الدولة، فالدولة تدعو للحفاظ على الحقوق وتأمر بها وتنهى عن مخالفتها كما في قوله تعالى: "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" [اَل عمران، 104]. يتبع في العدد المقبل... --------------------------------------------- 1. صحيح مسلم بشرح النووي، كتاب الإيمان، الحديث 175، 1/211. وأخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، الحديث 1140، وأخرجه الترمذي، كتاب الفتن، الحديث: 2172، وأخرجه ابن ماجة، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، الحديث: 1275. 2. صحيح مسلم بشرح النووي، كتاب الإيمان، الحديث: 194، أخرجه أبو داود، كتاب التصيحة، الحديث: 4944، وأخرجه النسائي، كتاب البيعة، الحديث: 4208.