ستبقى الأسرة المسلمة الناضجة الواعية صرحا شامخا من صروح الإنسانية ذات الوضوح البارق، وستشهد ساحة الأمة ومعها الإنسانية مشهدا عاليا من التقدم المزدهر، وسيسجل التاريخ بداية لعصر جديد لأناس لهم طموحات جديدة، لتتطلع أنظار الدنيا إلى تلك الأسر متفاعلة مع دعوتها على أساس وطيد يضمن للإنسانية التي تلعب بها رياح الأهواء الفانية.. إن الذين يحاولون طمس الهوية الدينية يرصدون اقتلاع الجذور، وفرض عادات وسلوك يفرغ أبناء وبنات الأمة من المحتوى والمضمون، وبما يبعث الحضور الإيماني في القلب والوجدان، وقطع العلائق بين ماضينا وحاضرنا وتعطيل العقول حتى لا يعرف أصحابها واقعهم الأليم، ولا يفكروا في اللحاق بالسابقين، ومواكبة مستجدات العصر، وبما يولد حالة من التناقض بين الواقع وبين ما يجب أن يكون، بل الغوص فيما يولد مزيدا من التراجع والنكوص والتخلف، ولقد تأملت مليا وببساطة أن أرى المجتمعات الإنسانية تعيش مع بعضها البعض مندمجة، الكل يشارك الكل في الأحلام والمشكلات والأحزان، ولأن أجمل ما في هذه الحياة هو التعارف بين الناس والتعاون، وأجمل من ذلك هو الإحساس والشعور من بعضهم البعض ليجد كل واحد من الأسرة الإنسانية مكانا له بجوار أخيه الإنسان، مهما تعددت جنسياتهم، وأجناسهم، وتوجهاتهم، ودياناتهم، وأعراقهم؛ لأنهم كلهم لآدم وآدم من تراب. وكل أسرة تحترم نفسها هي بمثابة مناخ وتربة تنبت براعم لتصبح من بعد أدواحا باسقة تزهر وتثمر، ولا ترضى لأفكارها أن تبقى حبيسة في صدرها، وإنما يدفعها حرصها أن تشارك الأجيال وحشد أكبر عدد من الكوادر المسلحة بالموهبة والعلم لتغذية الحياة العصرية بما تقدم من ثمرات طيبات، وتسهم في تأكيد وجودها على الساحة البشرية، حتى تتواصل الجهود بما يدل على أن الأمة المسلمة لا تزال ولادة للنبوغ والمواهب، لتشكيل جو من الحوار يجمع أصحاب النوايا الطيبة، قصد تحقيق الالتحام الضروري وبما يثري الحياة الإنسانية روعة وجمالا، كنهر دفاق بالعطاء يسمع خرير جريانه وهزيج رياحه وحفيف أشجاره أسرا إنسانية تتجاوب في أرجاء هذا الكون، بالوضوح المستقيم الذي لا غموض ولا التواء فيه، وليأخذ التصور الإنساني مساره الصحيح، ويضبط ما يمكن أن يكون من الخروج والجنوح والتمحل، قال تعالى: "وكفى بربك هاديا ونصيرا" [الفرقان، 31]. فالإسلام استطاع أن يحل مشكلات الأمة، ومن انضم إليها من الأمم الأخرى، وفي اعتقادي أن العاملين في الحقل الدعوي اليوم أسر تتمتع بآراء على غاية الأهمية والسداد؛ لأنهم تكفلوا بتربية الأجيال، وفي مستطاعهم أن يترجموا المبادئ والآراء إلى مواقف وبرامج لربط الأسباب بالنتائج، وها هم أساطين العلم والفكر في المغرب الأقصى يعيدون النظر في حساباتهم ودراسة رسالتهم وجدواها، وينتقلون من تحقيق الذات إلى تحقيق الذات وتقويمها مصداقا لقوله تعالى: "بل الاِنسان على نفسه بصيرة ولو اَلقى معاذيره" [القيامة، 14-15]. وفي سبيل استقطاب الأسر من العناصر ذات المهارة والاستعداد فلابد من التزام صارم وسلوك قويم، حتى يتحقق التلازم بين القوة والأمانة، والأمانة تتطلب من القائمين على إعداد الأجيال بما يصدر منها عن اقتناع، وإيمان ليتوج بالأعمال، حتى نهيء مسلكا نظيفا لفلذات أكبادنا قوامه التجرد والتثبت، وبما يأخذ بمجامع القلوب، وأسلوب ينبض بالحركة والحياة والجاذبية والبساطة والوضوح، ويخاطب الآذان لتسمع والمشاعر لتتأثر، والعقول لتتدبر، والله تعالى يقول: "يا أيها الذين ءَامنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم" [الاَحزاب، 70-71]. إننا في عصر جديد في أفكاره وجديد في أساليب التعبير، ولذلك فلا بد من منطق سديد واضح، قادر على التأمل العميق، لهضم المعارف الإنسانية بذكاء حاد، تحديدا للطريق أمام الأجيال حتى تستطيع البحث عن ثمار الأمة المنتجة لفيوضات معرفة الله سبحانه، والقدرة على مواجهة هذا التحدي الفاضح، والهجوم السافر لجذور الإيمان وأسسه، حتى يتركز الإيمان ويتثبت في أعماق القلوب والأرواح والعقول، وبما يحول عقيدة التوحيد إلى حياة عملية مفعمة بمعاني الاستقامة والإخلاص على الخط الذي رسمه القرآن الكريم والسنة الشريفة الغراء قال تعالى: "له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال" [الرعد، 15]. إن الدنيا اليوم في حاجة إلى أفراد يمتلكون جماع الفكر الإنساني الواعي المتصل بالله عز وجل، لإخراج الإنسانية من مأساتها. كما أن ألأمة في حاجة أكيدة إلى علامات مضيئة تنير الطريق لشباب الأمة والإنسانية تجتاز أوائل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين والأمر يحتاج إلى روح لا تعرف الصمت وعلماء لا يركنون وقتا ويصحون آخر..