دي ميستورا يلوح بخيار التقسيم الذي يخدم أجندة جنرالات قصر المرادية    حماة المستهلك يطالبون الحكومة بالإسراع في تنفيذ قرار استيراد اللحوم لحل الأزمة    زيادة طفيفة في ميزانية القصر بلغت 36.9 مليون درهم في مشروع قانون مالية 2025    إطلاق نسخة من تطبيق "شات جي.بي.تي" لنظام التشغيل ويندوز    تحقيق: المسيرة التي أطلقت تجاه منزل نتنياهو يصعب رصدها واعتراضها    ميسي يقود إنتر ميامي في كأس العالم للأندية 2025 بأمريكا    انطلاق دورة التفتح العلمي بإعداديات الريادة بتطوان    النيابة العامة تُتابَع "باعزية" في حالة سراح    ولادة شبل أسد الأطلس بحديقة الرباط    بسبب تدوينة.. عشر سنوات سجنا لمعارض بتونس    غارات إسرائيلية تطال عشرات البلدات والقرى في جنوب لبنان    النظام الجزائري تحت شبهات اختطاف معارض بارز في ظروف غامضة    ألمانيا: ليبي يستهدف سفارة إسرائيل    نادية فتاح: مشروع قانون مالية 2025 يستجيب للتحديات الاقتصادية والاجتماعية        رصد 69 مليار درهم لإنجاز 618 مشروعا استثماريا بمدن الشمال    اختفاء غامض للصحفي والمعارض الجزائري هشام عبود.. وأصابع الاتهام توجه لمخابرات نظام العسكر    الأمين العام للأمم المتحدة يحيط علما بدعم فرنسا لسيادة المغرب على صحرائه    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد    وكالة حوض أم الربيع تحذر معاصر الزيتون من تلويث مياه الوادي تحت طائلة العقوبات    اعتقال ممرضة متقاعدة بسبب الإجهاض    إسرائيل تقصف عشرات البلدات في لبنان    ارتفاع فرص فوز ترامب على هاريس.. ما تأثير ذلك على صناديق الاقتراع؟    جبور تهتم بالتوحد في "أنين صامت"    رباعيات الملكية واختبار القدرة على التجديد    اختتام دورة مهرجان شفشاون للضحك    "قصة وفاء".. فيلم سينمائي يحكي مآسي مغاربة محتجزين بمخيمات تندوف    مالية 2025... وزيرة الاقتصاد تؤكد مواصلة الإصلاحات الهيكلية ورفع مخصصات الجماعات الترابية        وزيرة الاقتصاد: مشروع قانون المالية 2025 يراهن على مواصلة تعزيز أسس الدولة الاجتماعية    البطولة: الوداد البيضاوي يعتلي الصدارة عقب انتصاره على شباب المحمدية        سعر صرف الدرهم يرتفع مقابل الأورو    إعفاء جبائي على اللحوم وزيت الزيتون    غوتيريش يرصد دينامية التنمية بالصحراء    المنصوري تعترف بوجود "أمناء جهويين عاجزين" في حزبها متعهدة بتطبيق إصلاحات جديدة على فروع "الجرار"    غنام أفضل لاعب في مواجهة تنزانيا    الحكومة تتوقع تحقيق نسبة نمو تعادل 4.6% خلال 2025 ومحصول زراعي في حدود 70 مليون قنطار    إشبيلية يندم على بيع النصيري ويفكر في استعادته خلال الميركاتو الشتوي    المضيق تحتضن الملتقى الجهوي الثاني للنقل    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    عمدة طنجة يُعلن إطلاق إسم نور الدين الصايل على أحد شوارع المدينة    كرطيط رئيسا جديدا لاتحاد طنجة خلفا للشرقاوي    افتتاح الدورة ال 24 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة    تكريم ديفا الأطلس حادة أوعكي يُزين حفل افتتاح مهرجان "أجدير إيزوران" بخنيفرة    مهنيون: غلّة الزيتون ضعيفة.. وسعر لتر الزيت يتراوح بين 100 و110 دراهم    المغرب يسجل حالة وفاة ب"كوفيد- 19"    ياسين كني وبوشعيب الساوري يتوجان بجائزة كتارا للرواية        شفشاون تحتضن فعاليات مهرجان الضحك في نسخته الرابعة    علماء يطورون تقنية جديدة لتجنب الجلطات الدموية وتصلب الشرايين    تسجيل أزيد من 42 ألف إصابة بجدري القردة بإفريقيا منذ مطلع 2024    دراسة تظهر وجود علاقة بين فصيلة الدم وزيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    الملك محمد السادس: المغرب ينتقل من رد الفعل إلى أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية في ملف الصحراء    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد أسدرم تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحركة العلمية في عصر المرينيين.. (8)

وفي خصوص الطب نبغ في هذا العصر أبو الحسن علي بن الشيخ الطبيب بن أبي الحسن علي العَنسي المرَّاكشي، وربما كان ولداً أو حفيداً للرياضي الكبير الحسن المراكشي الذي سبق ذكره في العصر الموحدي؛ لأنه اختلف في اسمه. فمنهم من ذكره باسم الحسن، ومنهم من ذكره باسم أبي الحسن، فيكون هو جدُّ هذا. وله نظمٌ من مجزوِّ الرجز في الأنكحة وصفاتها وما يطلب أو يتجنَّب فيها والأمراض السرِّية وعلاجها وطبائع النساء وما يحمد أو يُذمُّ منهن، وضعه برسم خزانة السلطان أبي الحسن المريني. وربما كان مشاركا في غير الطب من العلوم الكونية، ولكنا لم نقف له إلا على هذا الأثر، وفي الطب والكيمياء القديمة والعلوم العقلية من الفلسفة والتعاليم نبغ أبو العباس أحمد بن شعيب الجزنائي الشاعر الكاتب قال ابن خلدون "نظمه السلطان أبو سعيد المريني في جملة الكتاب وأجرى عليه رزق الأطباء لتقدمه فيه فكان كاتبه وطبيبه وكذا مع السلطان أبي الحسن بعده.. ".
وترجم في كتاب بُلغته الأمنية، ومقصَدا للبيت فيمن كان بسبتة من مدرِّس وأستاذٍ، وطبيب سبعة أطباء فيهم امرأة قائلا: "وقد كان بسبتة في هذه الطبقة جماعةُ من الأطباء والشجَّارين -لعله يريد العشابين- سوى من ذكرناه لم يبلغوا في العلم والمكانة مبلغ هؤلاء تركت ذكرهم.. فإذا كان هذا عدد الأطباء العلماء في بلدة واحدة هي سبتة. فماذا يكون عددهم في بقية المدن، وخاصة العواصم. كفاس، ومراكش، ولا شك أن هذه الطبقة من العلماء الطبيعيِّين والرياضيِّين والفلاسفة، ضاعت تراجم الكثير منهم، وضاعت بالتالي أعمالهم العلمية من كتُب ونظريات وتجارب. ومعالمُ الحضارة المغربية الباقية عن هذا العصر وغيره من العصور تنطق بأنها حضارة مبنيَّةُ على أُسس علمية وفنية متينة، ولئن كان ملوك بني مرين قد قصَّروا في حماية علم الفلسفة ومدِّ اليد إلى علماء الطبيعيات كما فعل ملوك الموحدين؛ فإنهم ناصروا الفنون الجميلة وأخذوا بضِبعها بما كان لهم من ذوقٍ فني جميل حتى نهضت نهضتها الكبرى، ولا سيَّما فن العمارة، والنقش والزخرفة، وما إليها من الصناعات التي بلغت في هذا العصر أوج الكمال، وقد بقيت شواهد ذلك ماثلةً للعيان في مباني الملوك المرينيِّين من مثل مدرسة العطَّارين، والصفَّارين، والبوعنانيَّة والأندلس بفاس، ومدرسة فاس الجديدة، ومدارس مكناس، وسلا ومراكش، وغير المدارس من المساجد والزَّوايا، والرُّبُط، والقناطر، وسِقايات الماء في هذه المدن وغيرها، وحكاية السلطان أبي الحسن في بناء المدرسة الجديدة بمكناس معروفة، وهي أنه لما رفع إليه ما صرف في بنائها استغلى ذلك، فلما وقف عليها وأعجبته أخذ حسابها وغرَّقه في صهريجها وأنشد.
لا باس بالغالي إذا قيل حسن ليس لما تستحسن العين ثمن
وتلك غايةٌ في تخليد المآثر ليس بعدها غاية، وقد بلغ ما أنفقه على المدرسة التي بناها بغربي جامع الأندلس من حضرة فاس، وهو حينئذ وليُّ عهد أبي سعيد ما يزيد على مائة ألف دينار، وهي ما هي في ذلك الوقت، ومدرسة العطَّارين التي هي من بناء والده أبي سعيد، والمدرسةُ البوعنانيَّة التي بناها ولدُه أبو عِنان هما بالخصوص قطعتان خالدتان تقومان بحجَّةٍ على عظم النهضة الفنية في هذا العصر، وعلى ما كان لبني مرين من يدٍ بيضاء في هذا الصدد.
وإن ننسَ لا ننسَ هنا الساعة العجيبة المنصوبة على باب المدرسة البوعنانية؛ فإنها كانت تُعدُّ آيةً في ذقة الصُّنع، وحسن الوضع، وآثارُها لا تزال ماثلة هنالك، وقد يكون من المفيد هنا أن ننقل لك ما ذكره ابن بطوطة في معرض مدح أبي عنان، وقد ذكر اعتناءه بجبل طارق ونص كلامه "وبلغ من اهتمامه أيَّده الله بأمر الجبل، أن أمر ببناء شكل يشبه شكل الجبل المذكور، يُمثِّل فيه شكل أسواره، وأبراجه، وحصونه، وأبوابه، ودار صنعته التي أنشأها والده أبو الحسن، ومساجده، ومخازن عدده، وأهريةُ زروعه، وصورة الجبل، وما اتصل به من التربة الحمراء، فصنع ذلك بالمشور السعيد بفاس، وكان شكلا عجيبا أتقنه الصناع إتقانا لا يعرف قدره إلا من شاهد الجبل، وشاهد هذا المثال، وما ذلك إلا لتشوقه إلى استطلاع أحواله، واهتمامه بتحصينه، وإعداده".
فهذا وحده كاف في الدلالة على الرقي الذي بلغته هذه الفنون في العصر المريني. ولكن مزية هذا العصر ليست في هذا الرقي، بل في أن علماءه كلهم مغاربة لا يمتون بسبب إلى بلاد غير المغرب، وقد كان علماء العصر السابق أعني فلاسفته جلهم أن لم نقل كلهم من الأندلسيين فنضجت في هذا العصر العقول، وتفتَّحت الأفكار، وظهر النبوغ المغربي بأجلى مظاهره في جميع ميادين العلوم، ولم يبق الشعبُ المغربي عالة في نهضته العلمية على سواه بل إن أبناءه أصبحوا قدوة غيرهم في الدراسات العلمية المختلفة، وقبلة أنظار طلاب المعرفة من جميع الجهات.
يتبع في العدد المقبل..
النبوغ المغربي في الأدب العربي تأليف عبد الله كنون، العدد 1-3 دار الثقافة، ج: الأول، ص: 199- 203.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.