3. دور الإحسان الإلزامي في تمويل الاستهلاك يعتبر الإحسان الإلزامي في الشريعة الإسلامية من القواعد الأساسية التي تتأسس عليها العلاقة الوجدانية بين المسلم وبين عقيدته، إذ هو في حقيقته تعبير عن الالتزام الكامل بأوامر الشرع، وهو تجسيد للامتثال المطلق بأحكامه. والإحسان الإلزامي قد تقوم به الدولة، وقد يقوم به الأفراد، ونحن نستعرض هنا الإحسان الإلزامي الذي يترتب في ذمة الأفراد نتيجة القيام بمخالفة لأمر من أمور الشريعة والإحسان الذي يجب بحكم القرابة. وقد تعددت صور الإحسان الإلزامي في الشريعة الإسلامية، وذلك تكثيفا لوجوه البر والخير، وهذا التعدد يجعل دائرة تمويل الاستهلاك تتسع وتشمل فئات عديدة من أفراد المجتمع. إن الإحسان الإلزامي يتجاوز أبعاده الفردية ليحقق مصالح المجتمع، ويسد منافذ العجز والحاجة داخل المجتمع. وقد شرع الإٍسلام مجموعة من الأحكام تتضمن هذا البعد التمويلي للاستهلاك. 4. دور الكفارات في تمويل الاستهلاك والكفارة عقوبة قدرها الشارع عند ارتكاب المخالفة لأوامر الله تعالى في حالات خاصة، وهي حق لله تعالى تكفيرا للذنب الذي ارتكبه المسلم وعقوبة له، وفيها جانب مالي يعتبر وسيلة لتمويل استهلاك الفقراء[1]. 5. دور كفارة الأيمان في تمويل الاستهلاك فمن حلف على أمر يريد أن يفعله، ثم حنث في يمينه فكفارته أن يطعم عشرة مساكين من خير ما يطعم أهله[2]، أو كسوتهم بما يستر البدن، أو تحرير رقبة؛ فإن لم يجد صام ثلاثة أيام، قال الله تعالى: "لا يواخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يواخذكم بما عقدتم الاَيمان، فكفارته إطعام عشرةِ مساكين من اَوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم، واحفظوا أيمانكم، كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون" [المائدة، 91]. فالإطعام والكسوة يعتبران وسيلة لتمويل استهلاك الفقير العاجز، ويجوز التمويل بالقيمة عند أبي حنيفة؛ لأن الغرض سد الخلة ورفع الحاجة[3]، كما يجزأ إطعام مسكين واحد عشرة أيام عنده[4]، وهذا الرأي له حظ من النظر، فقد يكون الشخص الواحد محتاجا طوال هذه المدة، فيحتاج إلى من يمول استهلاكه من الطعام. ولا خلاف بين الفقهاء أن كفارة اليمين على التخيير، فالحانث له الخيار في الإطعام أو الكسوة أو التحرير أو الصوم عند عدم الاستطاعة، وهذا التخيير يعطي المكلف حرية تقدير الأفضل بحسب حاجة المساكين، وهذا اختيار ابن العربي، يقول في أحكام القرآن: "وعندي أنها تكون بحسب الحال؛ فإن علمت محتاجا فالإطعام أفضل، لأنك إذا أعتقتك لم ترفع حاجاتهم وزدت محتاجا حادي عشر إليهم، وكذلك الكسوة تليه، ولما علم الله غلبة الحاجة بدأ بالمهم المقدم"[5]. وحتى تقوم الكفارة بدورها التمويلي؛ فإن الحانث لا يجوز له أن يطعم القريب الذي تلزمه نفقته، وكذلك الغني؛ لأن المقصود من الإطعام هو تغريم الحانث، ولا يتحقق هذا في الغني؛ لأنه يتوفر على مستوى الكفاية، ولا الفقير؛ لأن نفقته تجب على الحانث[6]. يتبع في العدد المقبل.. ------------------------------------------ 1. لا نريد أن نناقش هنا كثيرا من القضايا الفقهية الجزئية التي تناولها الفقهاء في مباحث الكفارة، ولكن سنقتصر على ما يتعلق بموضوعنا. 2. روح المعاني للألوسي، ج: 2، ص: 372. 3. أحكام القرآن لابن العربي، ج: 2، ص: 653. 4. وهذا رأي أبي حنيفة، وذهب مالك الشافعي إلى اشتراط إطعام عشرة مساكين وهو رأي يقوم على توسيع دائرة الاستهلاك. انظر الخلاف وأسبابه في هذه المسألة في بداية المجتهد، ج: 1 ص: 306. 5. أحكام القرآن لابن العربي، ج: 2، ص: 649. 6. الاتجاه الجماعي في الاقتصاد الإسلامي، محمد فاروق النبهان، ص: 341.