2. الشيخ أبو عبد الله محمد العياشي العياشي هو أبو عبد الله محمد "فتحا" ابن أحمد المالكي الزياني المعروف بالعياشي، أحد الصوفية المجاهدين، الذين قاوموا الاستعمار الغاشم، وحاولوا تحرير الثغور المغربية، عندما عجز المخزن السعدي عن الدفاع عن حوزة البلاد، بعد أن وجهه شيخه عبد الله بن حسون إلى دكالة سنة 1604م لمواجهة الاحتلال البرتغالي، وكانت لحملاته الجهادية ضد البرتغاليين والإسبان في المعمورة والعرائش، وعدة مدن، طيلة أربعين سنة، آثارا كبيرة في زرع الرعب والخوف في قلوب الأعداء، حيث قتل المئات منهم، وأسر خلائق، وأصبح خلالها رمزا للجهاد في المغرب وخارجه. كان أبو عبد الله العياشي مثابرا على الجهاد شديد الشكيمة على العدو عارفا بوجوه المكايد الحربية بطلا شهما مقداما في مواطن الإحجام وقورا صموتا عن الكلام فطار بذلك في البلاد صيته وشاع بين الناس ذكره لما هو عليه من التضييق على نصارى الجديدة وكانوا يومئذ قد أمَّر أمرهم ففرح بذلك قائد آزمور"، وتقديرا لجهوده عينه السلطان قائدا على أزمور[1] بعد وفاة قائدها، وقد شدد الخناق على الأعداء، وعلى كل المتعاونين معهم، مما جعل هؤلاء العملاء يدبرون له مكيدة عند السلطان عجلت بعزله بل والأمر بقتله، لكنه أفلت من قبضتهم، ورحل إلى مدينة سلا، وبقي فيها متواريا إلى أن أضرم أهل الأندلس في مدينة سلا فتنة، ذهب ضحيتها مولى السلطان زيدان "فبقيت سلا فوضى لا والي بها فكثر النهب، وامتدت أيدي اللصوص إلى المال والحريم، وسيدي محمد العياشي ساكت لا يتكلم وكثرت الشكايات من التجار والمسافرين بمخافة السبل وقطع الطرقات فأهرع الناس إلى أبي عبد الله المذكور من كل جانب وكثرت وفوده وأشرقت في الجو السلاوي أنواره فشمر عن ساعد الجد وأظهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"[2]، فأخرج الله به أهل ذلك البلد من الفتن والانقسام خصوصا بعد تحزب القوى الاستعمارية لاحتلال المغرب. ولما استقام له الأمر عمل على توحيد القبائل وضرب الأعداء بقوس واحد، وكان "أول ما بدأ به أنه تهيأ للخروج إلى حلق المعمورة واستعد لقتاله ومنازلة من فيه من النصارى طمعا في فتحه فيتقوى المسلمون بذخائره، وكان المسلمون قد حاصروه قبل ذلك فلم يقدروا منه على شيء وصعب عليهم أمره (..)، ولما سار بمجموعة إلى الحلق ونزل عليه (..)، فكان من قضاء الله وصنعه أنه في صبيحة تلك الليلة قدمت أغربة من سفن النصارى بقصد الدخول إلى البحر فردهم البحر إلى ساحل الرمل هنالك فتمكن المسلمون منهم وقتلوا وسبوا ووجدوا في الأغربة زهاء ثلاثمائة أسير من المسلمين فأعتقهم الله وأُسر يومئذ من النصارى أكثر من ثلاثمائة وقُتل منهم أكثر من مائتين وظفر المسلمون بقبطان من عظمائهم ففدى به الرئيس طابق رئيس أهل الجزائر، وكان عندهم محبوسا في قفص من حديد"[3]. أ. معركة الحلق الكبرى هي من أحد أهم المعارك التي انتصر فيها المسلمون انتصارا عظيما، وذلك أن "جيش أهل فاس خرجوا بقصد الجهاد فنزلوا بموضع يُعرف بعين السبع وكمنوا فيه ثلاثة أيام وفي اليوم الرابع خرج النصارى إلى تلك الجهات على غرة فظفر بهم المسلمون"[4]. وكان من نتائج هذه المعركة التفاف الناس حول المجاهد العياشي، الذي أصبح رمزا للمقاومة، ولا ننسى كذلك أن العديد من الوفود تقدمت بالتهاني للعياشي على انتصاره على النصارى، فكانت مناسبة منه لحضهم على مواصلة الجهاد والنكاية بالعدو وكسر شوكتهم. ب. حرب العرائش تعتبر مدينة العرائش من المدن المغربية الإستراتيجية وقد سيطر عليها الاسبان، ولم يستطع ملوك الدولة السعدية تحريرها رغم محاولاتهم منذ سنة 1603م إلى 1636م إلى أن نهض المجاهد العياشي لتحريرها في جمع من المجاهدين حيث "كمن بالغابة نحوا من سبعة أيام فخرجوا على حين غفلة فمكن الله من رقابهم، وكان في مدة كمونه بالغابة أخذ حناشا من عرب طليق يقال له ابن عبود، (..) فأراد عبد الله قتله، فقال له: اسبقني وأنا تائب إلى الله وأنا أنفع المسلمين إن شاء الله فتركه فذهب إلى النصارى، وكان موثوقا به عندهم حتى كانوا يؤدون إليه الراتب فقال لهم إن أحياء العرب وحللها قد نزلوا بوادي العرائش فلو أغرتم عليهم لغنمتموهم فخرجوا فمكن الله منهم وطحنهم المسلمون في ساعة واحدة طحن الحصيد ولم ينج منهم إلا الشريد، (..)، وكان عدد من قُتل من النصارى نحو ألف[5]. يتبع في العدد المقبل.. ---------------------------------------- 1. الاستقصا، 2/388-389. 2. الاستقصا، 2/426. 3. الاستقصا، 2/427. 4. الاستقصا، 2/428. 5. الاستقصا، 2/429.