التصوف على "طريقة الجنيد السالك" حَسب ما سُطِّر في منظومة فقيه القرويين ابن عاشر، ووِفق ما تَوارث في الأمة، يتقعّد على ثمانية شروط ومبادئ: المبدأ السادس في طريق التصوف: الإكثار من الذكر (4): والذكر يكون باللسان وبالقلب، وأوله يقع النطق به باللسان، ويُؤجَر عليه الناطق ولو لَم يستحضر المعنى، فعن عبد الله بن بشر قال: "جاء أعرابي فقال: يا رسول الله! كثُرت عليَّ خِلالُ الإسلام وشرائعه، فأخبرني بأمر جامع يكفيني، قال: عليك بذكر الله تعالى، قال: ويكفيني يا رسول الله! قال: نعم ويفضل عنك"[1]، وفي رواية الترمذي: "يا رسول الله، إنَّ شرائع الإِسلام قَدْ كَثُرت عليَّ، فأخبرنِي بِشيْءٍ أتشبَّث بِه، قَالَ: لا يزال لِسانُك رَطبًا مِنْ ذكْرِ اللَّهِ". فدوام الذكر سُلَّم ومعراج وسلوك إلى الله تعالى، وفي هذا المعنى يُردِّد الصوفية قول ابن عطاء الله السكندري في حِكَمه: "لا تترك الذكر لِعَدم حضور قلبك مع الله تعالى فيه لأن غفلتك عن وجود ذكره،أشدُّ من غفلتك في وجود ذكره، فعسى أن يرفعك (الله) من ذكر مع وجود غفلة إلى ذكر مع وجود يقظة، ومن ذكر مع وجود يقظة إلى ذكر مع وجود حضور، ومن ذكر مع وجود حضور إلى ذكر مع وجود غَيْبَةٍ عما سوى المذكور، وما ذلك على الله بعزيز"[2]. فلا ينبغي إذاً أن يهمل ذكر الله باللسان؛ لأن له نسبة في العبودية، وهو الحضور بالصورة إذا لم تكن بالمعنى، عِلما بأن الذكر النافع والمؤثر هو مع حضور القلب، وأما الذكر باللسانِ، والقلبُ غافل لاه فهو قليل الجدوى. فالذكر يكون باللسان أو بالقلب، أو بهما معاً كما دلت على ذلك عدة نصوص؛ إذ بذكر القلب يتجدد الخشوع والانشراح والاطمئنان والوجل.. ويزداد يقينه، ويكون إلى التقوى أقرب، وعن المعاصي أبعد. لذلك، وعلى الوجه الأكمل نبه المصنف بقوله: "بصفو لبه"، أي: بخالص قلبه، إلى الذكر باللسان مع حضور القلب، أي التفكر في المعنى واستحضار عظمة الله تعالى، وهذا موقوف على صفاء الباطن وتنويره. قال الشيخ أبو عبد الله الساحلي في "بغية السالك": "الذكر باعتبار الذاكرين على قسمين: أما ذكر الأجور: فهو أن يذكر الإنسان الله تعالى بما شاء من الأذكار، لا يقصد به إلا نيل ما وعد الله الذاكرين من الأجر وأعد لهم من الثواب، من غير التفات لما وراء ذلك. فهذا راتع في رياض الجنة وأجره ثابت على قدر نيته؛ وأما ذكر الحضور: فهو التزام أذكار معلومة بحسب أحوال مخصوصة، على سبيل الاستشفاء من علل النفس، والخلاص من أمراض متعلقاتها، ليخرجها عن الأخلاق الذميمة، ويحليها بالأخلاق الحميدة، وهو على ثلاثة أقسام: ومن شروط الذكر وكمالاته عند الصوفية الكرام[4]، والتي بها يحصل للذاكر سير وترقٍّ من اللسان إلى معاني الجنان: يتبع في العدد المقبل.. --------------------------------------------- 1. سنن الترمذي، كتاب الدعوات، ح: 3375. 2. انظر "إيقاظ الهمم في شرح الحِكم" لسيدي ابن عجيبة. 3. بغية السالك في أشرف المسالك للساحلي، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب، ط 2003م، (1/145-146). 4. نجد هذه الشروط والكمالات في العديد من المؤلفات الصوفية، انظر على سبيل المثال: بغية السالك، (1/188). 5. أخرجه الحاكم في المستدرك، ح:609، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذا اللفظ، إنما أخرجه مسلم من حديث الضحاك بن عثمان عن نافع بلفظ آخر. 6. أخرجه الحاكم في المستدرك، ح: 270. 7. صحيح البخاري، ح: 624، صحيح مسلم، ح: 1718.