الأمانة.. مسؤولية كبيرة وذلك مصداقا لقول الله سبحانه وتعالى: "اِنَّا عَرَضْنَا الاَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الاِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا" [الاَحزاب، 72]. ومن الأمانة الطاعة والفرائض التي يتعلق بأدائها الثواب، وبتضييعها العقاب، ثم إنها لا تقف فقط عند حمل النقود وحسن أدائها، وكذلك الأمور المادية. بل تتعدى ذلك لتشمل أركان الإسلام جميعا، فالعلاقة بين الإنسان المسلم وخالقه أمانة، وذلك من خلال التزامه بما أمر به وما نهى عنه، التزاما صادقا أمينا، وكدا علاقة المسلم بأخيه المسلم أمانة وعلاقته بأهله وأسرته أمانة، وعلاقة المسلم بوطنه أمانة. وهناك، أيضا، جانب مهم ومؤثر، وهو جانب أمانة الكلمة، وهي من أعظم الأمانات التي حملها الأنبياء والمصلحون من بعدهم، فبالكلمة الأمينة يستقيم حال المجتمع المسلم، وبالكلمة الصادقة تقوم أسس وأركان المجتمع المسلم، وبالكلمة الموضوعية ينصلح حال الأمة المسلمة، وتأخذ مكانها بين الأمم الأخرى المتقدمة. ومن غير شك أن الإنسان العاقل يدرك بفطرته وحسه أن الكلام شهوة من شهوات النفس التي قد تلحق الضرر بصاحبها إذا هو لم يأخذ حذره من انزلاق لسانه، ولذا نبه الله الإنسان إلى ضرورة التخاطب بالكلمة الطيبة، وضرب مثلا فقال تعالى: "اَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ اَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء توتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الاَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ" [ابراهيم، 26-27]. والرسول صلى الله عليه وسلم حذرنا من مغبة التفريط بأمانة الكلمة فقال: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا، يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط اللهلا يلقي لها بالا، يهوي بها في نار جهنم". وعندمسلم "إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب"[1]. وإن تحري الصدق، وتحري الحقيقة، وعدم التلاعب بالمشاعر والأحاديث والوعود البراقة وصولا إلى المصلحة الذاتية والشخصية، هو أهم ما يجب أن يتحلى به المسلم الحق في مسيرة حياته، ومن شأن ذلك قيام مجتمع صالح سليم البناء، وقول بعض الناس بأن "الغاية تبرر الوسيلة" فهذا مبدأ يرفضه الإسلام ولا يتفق والمثل العليا التي نادى بها القرآن الكريم والسنة النبوية الطاهرة. ------------------------- 1. الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر"ابن قيم الجوزية" فصل اللفظة، ص: 159. جريدة ميثاق الرابطة، العدد 826 الخميس 24 محرم 1419ه الموافق 21 ماي 1998م، السنة الواحد والثلاثون.