إن الباحث في القرآن الكريم والحديث الشريف يجد آيات كريمة وأحاديث شريفة كانت سباقة للإشارة إلى بعض القواعد في علم الوراثة قبل أن يتم الكشف عنها علميا، قال الله عز وجل "قُتِلَ الاِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ مِنْ اَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ" [عبس، 17-18]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه أعرابي فقال: "يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلاما أسود! فقال: هل لك من إبل؟ قال نعم، قال: ما ألونها؟ قال حمر. قال: هل فيها من أورق؟ قال: نعم. قال فأنى كان ذلك؟ قال: أراه عرق نزعه. قال: فلعل ابنك هذا نزعه عرق" [البخاري ومسلم]. لم يكن علم الوراثة علما قائما بذاته إلا في أواخر القرن التاسع عشر مع العالم النمساوي مندل Mendel الذي وضع المبادئ الأساسية لعلم الوراثة. اكتشف مندل أن عملية انتقال الصفات من جيل إلى آخر تتم عبر عدد من العوامل المتناهية في الصغر، وهي ما يسمى الآن بالمورثات أو الجينات Genes، ثم اكتشف العلماء بوفاري Bovari، ومورغن Morgan، وفلمنغ Flemming، وغيرهم الثروة الوراثية في الخلية، وهي تتألف من جسيمات خيطية متناهية في الصغر لها قابلية عالية لاكتساب الصبغيات والتلون بألوانها؛ لذلك سميت الصبغيات أو الكروموسمات .Chromosomes تمكن كل من جيمس واطسون James Watson وفرانسيس كريك Francis Crick سنة 1955، من التعرف على التركيب الجزيئي للحمض النووي الريبي منزوع الأكسجين DNA الذي تتكون منه الصبغيات. توالت الأبحاث والدراسات في هذا المجال إلى أن تم الانتهاء من قراءة الشيفرة الوراثية للإنسان سنة 2003. تمثل المورثات مناطق من شريط DNA وهو عبارة عن سلسلة من وحدات جزيئية يبلغ عددها 3,1 بليون وحدة تدعى النيكليوتيدات Nucleotides. إن ترتيب تسلسل هذه الأخيرة يمثل المعلومات الوراثية لصفات الكائن الحي. تنتشر المورثات على طول 46 من الأجساد الصبغية التي توجد في كل الخلايا ما عدا الخلايا التكاثرية أو النطف "البييضة والحيمن" اللذين يحملان نصف هذا العدد. تحمل المورثات الصفات التي تتوارث عبر الأجيال والتي قد تكون ظاهرة إذا كانت سائدة أو غير ظاهرة إذا كانت متنحية، فإذا كان الأب والأم أو أي من أسلافهما يحمل نفس الصفة المتنحية، مثل سواد البشرة؛ فإن عددا من ذريتهما سوف يحمل نفس الصفة المتنحية. إن جواب الرسول صلى الله عليه وسلم للرجل، الذي جاء يشكو إليه أن امرأته ولدت غلاما أسود، فرد عليه صلوات الله عليه وسلم بحكمة المتمكن من سعة المعرفة بأسرار الخلق التي أفاء الله عليه بها "عسى أن يكون نزعه عرق"؛ إن تطور العلمي في مجال الوراثة أكد أن اختلاف لون بشرة المولود عن الأبوين يرجع إلى أن كلا من أحد أسلافهما يحمل صفة سواد البشرة كصفة متنحية لم تظهر في أي منهما، ولكنها قد تجتمع في أحد أولادهما أو أحفادهما فتظهر عليه. قال الله سبحانه وتعالى "وَهُوَ الَذِيَ أَنشَأَكُم مّن نّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصّلْنَا اَلاَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ" [الاَنعام، 99]، فكل هذه المورثات المحمولة داخل الخلايا مستمدة من صلب أبينا آدم عليه السلام منذ أن خلقه ثم أخذت تتوزع في ذريته، والله سبحانه وتعالى بقدرته الإلهية ومشيئته الربانية جعلها تنتقل من مستقرها في الأصلاب إلى مستودعها في الأرحام. المراجع: 1. عدنان الشريف، من علم الطب القرآني: الثوابت العلمية في القرآن الكريم، دار العلم للملايين، الطبعة الأولى، 1990. 2. نادية الطيارة، موسوعة الإعجاز القرآني في العلوم والطب والفلك، الجزء الأول، الطبعة الأولى، مكتبة الصفاء أبو ظبي،2007. 3. زغلول راغب محمد النجار، الإعجاز العلمي في السنة النبوية، نهضة مصر، الطبعة الرابعة، 2010.