صناع الحضارة هم من يمثلون الأمة في الغد القريب، بما يضطلعون به من دور أساسي في بناء المستقبل، هم المفتاح الذي سيمنح جناحين لرهين محبس معضلات العصر ليتحرر من رقة الأسر، هم النسر الذي سيعطي حضوره الابتسامة لوجه الأجيال القادمة، ومن يسرب إلى الإنسانية الكلمات التي تحمل حكمة من ساروا على الدرب بطموح، رغم تباريح الحيرة؛ لأنه الشباب الذي يحيا معاناة الأمة مشاركا ومحتجا ومعارضا لتخطي مآسي جراح الحياة بجمال الحاضر ومؤشرات المستقبل، بعنف السباق وسرعة إيقاع الزمن؛ لأنه يملك آفاقا مفتوحة تعين على تماسك المجتمع، واحترام الإنسان، وإعداده للحياة المستقيمة، وتأكيد الدين في قلبه وعقله، ذلك لأن الإسلام في حياة الشباب المعاصرة يستهدف إخاءً شاملا يتمثل فيه التعاون الإنساني. شباب يجسد شعوره بإسلامه، ويمثل أحاسيس المسلمين ويترجم عن طموحاتهم، ويعرب عن عواطفهم في الرجولة ومضاء العزيمة، من الشمم والإباء والخلق الرصين والنظرة الجدية للحياة، والعزوف عن الهزل والسخف.. شباب يتعامل مع الناس والزمان والمكان والحياة، ولذلك تراه ينأى بنفسه عن المواجهة الدائمة بقدر ما يحبذ في بعض الأحيان الحاجة إلى الحوار وهذا النوع من الشباب هم الذين قدموا شيئا يذكر لأمتهم والبشرية، وشاركوا بجهدهم وفكرهم في بناء العالم الجديد الذين كانوا وسيكونون دائما موضع اهتمام هذه الأجيال الحاضرة وكل جيل، هؤلاء القلة هم الذين تركوا بصماتهم على الطريق الذي سلكوه، فدخلوا التاريخ من أوسع أبوابه، وهم الذين درسوا وكافحوا بين أضابير الكتب ووجدوا الأيدي التي ترعاهم وتقودهم إلى بداية الطريق نحو النجاح هم الذين صححوا أخطاء الإنسانية، وحولوا مستقبلها الغامض، إلى مستقبل واضح، بالعمل الكثير والإمكانيات المعدومة، وتمسكوا بفضيلة الاستقامة لذاتها ولو أحاط بهم التعب الشديد، وظلوا أوفياء لآرائهم وكرامتهم ومعتقدهم، مهما تقلبت بهم الحياة، بين الشدة واللين والعسر واليسر، وبتطلع غير محدود إلى مثل أعلى واضح المعالم بأمجاد العروبة والإشادة بما للإسلام من فضل وجمال وبما فيه من حق وصدق. وشتان بين الأمس واليوم، فكم من شباب انجر وما زال ينجر في سفينة الحياة، وسط العواصف والأعاصير، فنجح في انتزاع حق أمته الطبيعي في الحياة، وشباب ابتلعته أمواج الحياة وهو سادر خانع لاه عن أعبائها، هو أس التفاهة والفشل، والافتقار إلى القدرة على التحمل، هو النظرة السطحية الفجة، وليس من سمو الرأي ولا من استقامة التفكير الجري وراء السراب، بما يهوي بالإنسانية إلى الحافة، ولا ريب أن هذا اللون من التفكير ضرب مبن ضروب السخف والاندحار، إننا بحاجة استقصاء رجال لأنهم العظام وما خلفوه من نتاج دسم نافع وشهي، حتى نقدمه لشبابنا كنموذج حي يوجهون به خطى هذا العالم المرتجف، من هول التردي الشنيع، لقد بشمنا من الكارب المرير، وأمامنا هذا الإسلام الذي يمثل قمة حضارية، تحرصه نخبة خيرة من ذوي الخبرات المتعددة يمنحنا زخما جديدا ودفعا قويا ولديها تجربة إنسانية متعددة الأبعاد، تسهم إسهاما مباركا في حركة الإثراء، يحمل سمات ومميزات هذه الأمة في كثير من معطيات حياتها بين طياتها التفرد الحضاري والإنساني المستقيم الجاد المثمر. شباب يمثل بداية تبشر بخير كثير، له القدرة على التحرك المرن في جميع الاتجاهات، والتعامل مع قضايا الواقع الآني والمستقبلي التي تمثل هموم الناس باعتباره ضرورة مهمة، فالشباب في الأمة الإسلامية روضة متعددة الأزاهر ومتجددة النفح متصلة الأريج، فإذا ضمت خبرة هذه الأزاهير إلى بعضها البعض ازدادت نضجا تتجاوب معه أرجاء الوجود، ويهتز الكون إجلالا لمطالع السعادة والجلال، وتغمر النشوة، وتفيض على جنبات أرض الله الواسعة، وترف كلمات القرآن الكريم بأجنحة من نور في رحاب الدنيا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، يتلألأ في الليلة القمراء والليل الساجي، في الفجر الوليد، والظل المديد، فوق المنشآت كالأعلام الماخرة عباب المحيطات والبحار، وفي الصحراء المنسابة، وفي دموع المطر وبكاء الندى والطل. في ضوء هذا النور وقبس من هديه، وشعاع من توجيهه، شفاء ورحمة، يزودنا بالقدرة على الوصول إلى شاطئ الأمان والنجاة، قال تعالى: "يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمومنين" [يونس، 57]، نور يقوِّم المُعوج ويرفع من شأن المستقيم، لتواصل الإنسانية رحلتها في الحياة، في أمن وطمأنينة وسعادة وسلام، نور القرآن للشباب يمثل إضاءة جديدة وحادة في هذا الميدان مما يكسبه زخمه الخاص به، بل تفرده في كثير من الأحايين في أسلوب التناول والطرح، بدافع عقيدة الدين، ورابطة الروح ونبض الإيمان، وبدافع وحدة الأمة والحفاظ عليها متماسكة.. إنني أدعو باسم القراء الكرام شبابنا الذين يحملون نور الإسلام، أن يضيئوا هذه الدنيا بالكلمة الطيبة، حتى يعود الناس إلى رشدهم، وحتى تنكشف الغمة، وتنجلي الأزمة وباسم كل غيور أدعو الأمة أن تقف وقفة واحدة في وحدة صفوفها، واستقامتها في وحدة الكلمة ووحدة الصف مستمسكين بما أوحى به ربنا وجعله ميراثا لنا يحمله الشباب إلى هذا العالم من حولنا ليرتقي به، فالإسلام ليس دينا عالميا فحسب، بل هو دين كوني أيضا، فلقد أسلم لله البارئ المصور، كل ما في السموات والأرض، من بشر وحجر وشجر وقمر، وجبل وبحر ونهر ونجم وسديم قال تعالى: "وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون" [سبأ، 28]، ويقول سبحانه: "أفغير دين الله تبغون وله أسلم من في السموات والاَرض طوعا وكرها وإليه ترجعون" [اَل عمران، 83]. ربنا اغفر لنا وارحمنا وارض عنا وعن شبابنا وسامحنا سبحانك فاطر السموات والأرض أحسن ختامنا وألحقنا بالصالحين وبالله التوفيق. وعلى درب استقامة الشباب نلتقي إن شاء الله.