الأسرة المسلمة شجرة مباركة، يتبرعم شبابها على جذع فوق تربة خصبة، أصلها ثابت بقدرة الخالق العظيم، وفرعها في السماء، يطرح للمجتمعات الإنسانية ثمارا يانعة، مهما تعرضت الأغصان لعمليات الإتلاف والتخريب. كما أنه لا مراء في حيوية الشباب المستقيم، إذا لقن مبادئ الإسلام الحنيف القادر على تحريك الموات من الناس، ورص الصفوف المبعثرة ولملمة الشتات، ذلك أن شرع الله له منهج صالح لربط السلوك الشخصي والمعتقد الإيماني، مما يتيح للأسر تتابع خطوات الشباب فيما لهم وما عليهم، ومن هذه الينابيع الصافية التي نبه إليها الإسلام، كان في جوهر الرسالة التي تسعى الأمة إلى غرسها في العقول والقلوب أخلاقا روحها الصفاء والاعتماد على الله، همه آلام المسلمين، وآمال المستضعفين في الأرض، يحيا في نفسه مستقبل الإنسان، يلقي الحكمة لمن يريدها ولمن لا يريد، فيقود مخاطبيه إلى ما يريد بعزة المسلم الذي وهب نفسه لربه وأمته، وإيقاظ النائمين على نور الإسلام وجمعهم على كلمته فلم تفتر له عزيمة، ولم تخرس له كلمة، يقف في ساحة الدعوة إلى الله وقيمها شامخا لا يبخل بمال أو نفس أو جهد. شباب تراه ذا همة تنتشل العوام مهما نزلوا، ويواجه بالحجة والبرهان، ذوي الأفكار المتطرفة مهما ارتفعوا، ويساهم في تكوين روح الأمة الجديد، يوطن النفس على الصبر والجلد، ليفك أغلاله الثقيلة، شباب يعلم أن الجبن يلبس النفس الإنسانية عارا، وفخا تنصبه صروف الدهر وغوائل الأيام، لتغتال به نفوسا رضيت بالذلة والهوان، وهو علة كل رذيلة، ومنشأ كل خصلة ذميمة والجبن هو مبدأ الشقاء والفساد لقطع أواصر الصلات. والجبان من الشباب غاش لنفسه ومغرر بعقله مهما تبجح بالاستقامة والإيمان، وهو الحاجز المانع عن أداء ما يرضي الله ورسوله وجماعة المومنين، وفي ظل الجبن تتولد الأحقاد والرذائل ويصبح الإنسان شيطانا ماردا لا هم له إلا إشباع غرائزه، وتحقيق أطماعه وأهوائه، وفي غيبة الضمير يتولد الشعور بالإحباط فيأتي على صرح الفضائل ليهدمه، وعلى كل موصول فيقطعه، وشتان بين معتز بإيمانه وآخر يستعبده الخوف فيركع لنزوة سائسيه، فيذل ويضعف وصدق الله العظيم إذ يقول: "ولله العزة ولرسوله وللمومنين ولكن المنافقين لا يعلمون" [المنافقون، 8]، ومقاييس الإيمان والعزة ليست بالمال ولكن بالتقوى مع الفقر أو الثراء قال تعالى: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" [الحجرات 13]. والجبن هو الذي أوهى دعائم التافهين فدك أركانها، ومن ظن أنه يستطيع الجمع بين الجبن والإيمان فهو واهم مختل غرر بعقله، واحتال على نفسه وأمته بهذه الصفة الرديئة؛ لأنها أشد الموانع والعوائق عن أداء ما يرضي الله، والشباب بمفاهيمه الإسلامية، التي تنمو في كنفها الحياة الإنسانية وتحيا في أفيائها معاني التعارف والتعاون بمن يشاركه في أخوته الإنسانية بنبل وكرم مخلوط بأدب ودين مصفى، لنقاء السريرة والعمل على بصيرة، وشباب الإسلام اليوم يمر بأحلك فترات تاريخ، ومنحدر حاد في هاوية التخلف والعجز، والمهمومون من الشباب الحامل للهم والعارف بحال الأمة وواقعها التعس يدعو إلى الحفاظ على الهوية والاستمساك بها وإيقاظ الوعي النائم. والسؤال هنا من يتحمل المسؤولية؟ وإذا كان الوحي قد انقطع بوفاة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد بقي بين أيدينا القرآن والسنة، وعليهما مدار تكوين شباب عالم ينهض بدوره في التوحيد والترشيد... والإسلام اهتم اهتماما مباشرا وعظيما بالشباب وبين أن الاستقامة لديه، لا تتم إلا ببنائه بناءا متماسكا يشد بعضه بعضا ويقويه، وإن لم يكن كذلك انحلت أجزاؤه وهوت آماله، وكذلك الأسرة لا تستقل بأمور دنياها وأخراها إلا بمعونة أخواتها، وإن لم تكن كذلك لحقت بالغابرين الهالكين قبلها قال تعالى: "ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم" [اَل عمران، 105]. وعلى الأسرة أن تحاسب نفسها وأن تزن أعمالها قبل أن توزن عليها، ولتعلم أن هناك موازين تنصب قال تعالى: "ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل اَتينا بها وكفا بنا حاسبين" [الاَنبياء، 47]، وما الشباب على هذه الأرض إلا أمانة غالية عظيمة فوق أكتاف الأسر وهم رأس مالها في الدنيا والآخرة، فإذا ما قصرت نزل بها غبن فاحش، وهي مسؤولة أمام الله عن كل لحظة مرت من حياة الشباب ولقد صدق الشاعر الذي قال: فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهدا فإنما الربح والخسران في العمل والإسلام ينهانا أن نترك الشباب نهبا لشياطين الغي والسوء وعناصر الفساد والضلال وعصابات التحلل والتمرد، فيا ليت شعري متى تدرك الأسرة المسلمة أن الزمن الذي يذهب لا يعود؟ حتى يوفروا للشباب مطالب الروح والجسد معا، وقد قدر الإمام علي كرم الله وجهه ورضي عنه الدنيا بثلاثة أيام: يوم مضى قد عرفت ما فيه، ويوم أنت فيه فأنت فيه إن كنت من أهله، ويوم يأتيك فلا تدري أنت من أهله أو أنت من الراحلين، فالشباب يجب أن يظل في منطقة الضوء إذا أردناه أن يفرض نفسه على التاريخ؛ لأنه السر الجميل الجاذب والمنجذب معا، المستقر والمتحول، وعمله إذا كانت فيه قوة فوق القوة، فهو عمل يزيد الموجود وجودا، وعلينا أن لا نكبل أجنحته الطائرة حتى لا تأتي أعماله مشوهة ممسوخة، بل علينا أن نطلق له حريته ليستقيم فهمه للحياة والمجتمع إلى ما هو أعلى وأسمى، ولا نلوث قلبه بالكراهية ليقف بالمرصاد في وجه معاول الهدم، والانتقاص من صرح الإسلام الشامخ. لقد شبع شبابنا من الإهمال والتهميش والتخويف، وآن له أن يشبع أمنا وأمانا، فكل شاب يبحث عن ربيع لا يسكنه الإجداب، ولا يقتل ورده وأزهاره شبح الخوف، لقد سئم شبابنا شتاء القسوة والإقصاء والعزلة.. ما أقسى حياة الشباب بلا ربيع وما أشقى هذه القلوب الشابة التي سافر عنها الربيع، ولن يعود هذا الربيع إلا مع الآيات المنزلة من حول العرش، فالأرض بها سماء والشباب منها كواكب، بل الجند الإلهي قد نشر له أعلاما من الفضيلة، وانضوت إليه من الأرواح مراكب أغلقت دونه القلوب فاقتحم أقفالها، فأعطى الشباب المسلم استقلال الفكر الذي هو هدف من أهداف هذا الدين القيم ليكون الشباب محفوظا من الضيعة وذا عقل مستقيم راشد ومنعة صلبة تعصمه من التبعية العمياء، وضعف الرأي والتردد والتقليد المهين. لا نريد لشبابنا أن يكون موهبة خلاقة متفوقة فحسب، وإنما ليملك الإصرار في حقل الاستقامة والإبداع، ثابتا لا يتزحزح كالطود الشامخ، لتعديل مسيرة الإنسانية؛ لأن شباب الإسلام كما عودنا قادر بحول الله أن يضع أمته الموعودة بالمجد وطول البقاء في مقدمة قاطرة الحياة الراشدة الرائدة. وفق الله شبابنا وأعانه وهيأ له أسباب النجاح والفلاح والصلاح والسلام عليكم رحمة الله وبركاته وما زلنا مع الاستقامة