إن المعلم والمربي كالوالد يفرح ويسر ويبتهج حين يرى النتائج المرضية لعمله وجهوده وتربيته السلوكية تؤتي أُكلها بإذن ربها، حاله في ذلك كحال المزارع الذي غرس أشجار طيبة مباركة فاهتم بها، ورماها إلى أن استوت على سوقها، فشاهدها وهي تنتج وتعطي ثمرا حلوا طعمه طيب رائحته، شهيا منظره. ولا يمكن للمعلم والمربي أن يصل وحده إلى ما يتطلع إليه من هذه النتائج المرضية إذا لم يجد تجاوبا وتعاونا ودعما أساسيا لعمله وجهوده من طرف أسرة المتعلمين، المتمثلة في آباء وأولياء التلاميذ أولا، والعناصر الأخرى أو المتدخلين الآخرين والمساهمين في العملية التعليمية التربوية أو ما يعرف ويصطلح عليه، بالحياة المدرسية التي تعتبر جزءا من الحياة العامة المتميزة بالسرعة والتدفق التي تتطلب وتستدعي التجاوب والتفاعل مع المتغيرات الاقتصادية والقيم الاجتماعية والتطورات المعرفية والتكنولوجية التي يعرفها المجتمع، حيث تصبح المدرسة مجالا خاصا بالتنمية البشرية، فالحياة المدرسية بهذا المعنى تعد المتعلمين للتكييف مع التحولات العامة والتعامل معها بإيجابية وتعلمهم أساليب الحياة الجماعية، وتعمق في نفس الوقت الوظيفة الاجتماعية للتربية مما يعكس الأهمية القصوى لإعداد الجيل الصاعد لممارسة حياة قائمة على اكتساب مجموعة من القيم المثلى، كالتعاون والتسامح والصبر واحترام وقبول الآخر، وغير ذلك من القيم داخل فضاءات عامة مشتركة. وهذا ما تهدف وتسعى إلى تحقيقه اليوم المؤسسات التعليمية بصفة عامة، إذ أن المؤسسة التعليمية ليست منغلقة على ذاتها، بل هي مشرعة الأبواب باستمرار، متفتحة على محيطها الذي توجد فيه، مرحبة في كل وقت وحين بجميع آباء وأولياء التلاميذ بالخصوص، وبالمتدخلين والشركاء والمهتمين بالعملية التعليمية التربوية بصفة عامة، للاستماع إليهم والحوار والتواصل معهم والأخذ بملاحظاتهم الوجيهة، سواء من طرف الطاقم التربوي والتعليمي أو من طرف الإدارة التربوية بالمؤسسة التعليمية، فشخصية المتعلم كما يؤكد علماء التربية، تنطوي على محاسن إيجابية ومساوئ سلبية أو سلوكات إيجابية وأخرى سلبية، لذا فإنه لا بد من تجميع ما هو إيجابي، والعمل على القضاء على ما هو سلبي، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بالحوار الهادف والتواصل المستمر بين الأسرة، والمعلم الممارس للعملية التعليمية التربوية، إذ هو القطب المحوري في هذه العملية.. وفي هذا الصدد تأتي الحياة المدرسية، وفي هذا السياق مفهوما يتجاوز واقع النزاعات الفردية والانعزالية والتواكلية، والفضاءات الشبيهة بالجزر المتناثرة، حيث يأخذ تدبير المؤسسة التعليمية صيغته الإصلاحية على اعتبار الفاعلين التربويين، فعاليات تمتلك القدرة والمسؤولية على المشاركة في اتخاذ القرارات في المجال التعليمي والتربوي، واعتبار آباء وأولياء التلاميذ والمتدخلين والشركاء أعضاء مساهمين في تنشيط الحياة المدرسية داخل المؤسسات التعليمية ومحاربة كل أشكال الاقصاءات والسلبيات، مثل الفشل، الهدر المدرسي، والانزلاقات غير التربوية والتعاون والتآزر من أجل القضاء عليها أو الحد منها على الأقل. فالحياة المدرسية عملية تربوية متكاملة متجددة تهدف أساسا إلى أن تكون سيرورة متجددة قادرة على مواكبة الحياة العامة في سياقها مع مستجدات العصر، وذلك بتجنيد كل الطاقات التربوية للمؤسسة التعليمية، وتركز هذه السيرورة على مجموعة من الدعامات الأساسية والتكميلية ترتبط أساسا بالمجالات المعرفية والقيم الإنسانية والأخلاقية والمشاركة الديمقراطية في الحياة المدرسية... هذا وإن من مهام المدرسة الأساس الملائمة بين حاجيات الفرد وتطلعاته، وبين متطلبات الحياة الجماعية، إذ ينبغي للمدرسة أن تساعد التلميذ أو المتعلم على تحقيق ذاته جسميا وعقليا ووجدانيا، وتطوير كفاياته لجعله قادرا على امتلاك المهارات التي تمكنه من التواصل مع بيئته، والاندماج في محيطه الاجتماعي والاقتصادي والفكري، وتنمية شعوره بالاحترام لنفسه ولغيره، وانفتاحه على العالم الخارجي وعلى الثقافات الإنسانية. وإذا كانت المواد الدراسية تخدم هذه الأهداف نظريا؛ فإن الممارسة داخل المدرسة ترسخها وتعززها إن هي قامت على قيم الديمقراطية والتربية على المواطنة، فللتلميذ حقوق وواجبات يمارسها فعلا من خلال الأنشطة المتنوعة التي يستفيد منها في إطار الحياة المدرسية. والله الموفق للصواب وهو الهادي إلى سواء السبيل والحمد لله رب العالمين.