إن وحدتنا في توحيدنا، وجمع شتات أمتنا، إن واقعنا في الحقيقة هو واقع مرير؛ لأننا ابتعدنا عن الله سبحانه وتعالى، وانهارت قيمنا وأخلاقنا الإسلامية. فكانت نتائج ذلك هو إصابة جسم الأمة "شبابها" بالإحباط واليأس والاكتئاب، واهتزت ثقتنا بالله وأصبحت وجهتنا إلى الآخر بمثابة الوحي والإلهام، نقلده في كل شيء من أموره الدنيوية... قال تعالى: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" بسورة الرعد، [الآية: 11]، وكيف يكون هذا التغيير ونحن بعيدون عنه، وهو انتقال من حال إلى حال أفضل منه، لنعود إلى أمجادنا وسابق عهدنا. لكننا ما زلنا نشعر بالضعف والاضطهاد، رغم أننا نتلوا قوله تعالى: "ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الاَرض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الاَرض" [سورة القصص، الآيات: 5 – 6]. إن الله يريد أن يرفع هذه الأمة لتكون أعظم أمة في الأرض، وليس هذا من باب الاستكبار على شعوب الأرض، ولكن هذه الأرض في الأصل أساس الإسلام منذ أربعة عشر قرنا أو أكثر، وكانت تعيش في هدوء واطمئنان بفضل الإسلام وسماحته مع جميع الأديان وتعايشه معها طيلة هذه المدة ما زال. وكانت أسعد فترة عاشتها الإنسانية في تلك الأزمان، ولماذا لا نعود من جديد لتغير بأنفسنا ونرجع إلى سابق عهدنا. هذا ما نتمناه، أن يستعيد الإسلام مكانته بين الأمم، فمثلا تاريخ الأندلس خير شاهد عندما استمسك المسلمون بالعروة الوثقى، فكانوا خير قادة وخير سفراء لحقب من التاريخ، ضلت خير شاهدة على ذلك ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح بها أولها. في الواقع أن الأمة الإسلامية ضلت عالقة عن موقعها بين الأمم منذ زمان، فما علينا إلا أن نقتنع بالتغيير ونبدأ بأنفسنا وأسرتنا انطلاقا من قوله تعالى: "ذلك بان الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وان الله سميع عليم" [سورة الاَنفال، الآية: 53]، إنه قانون التغيير بل هو الحل الوحيد للخروج من المحنة التي يعيشها العالم الإسلامي منذ أن دخله الاستعمار وقسمه إلى أشلاء. وهذا التغيير هو قانون إلاهي موجود على هذه الأرض، ولن يزول عنها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. فما علينا إلا أن نستخدمه ونتمسك به ونطبقه في سلوكنا الاجتماعي، حتى نخرج من هذه الدنيا وننجو من براثينها، ونفوز بدار البقاء إن شاء الله: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" [سورة الرعد، الآية:11]. فلنغير سلوكنا ولتلتزم بضوابط الشرع الإسلامي؛ فإن الله سيغير لنا وجه الأرض إذا استخدمنا قانون هذا التغيير، يقول الله تعالى: "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فالف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته اخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها كذلك يبين الله لكم اياته لعلكم تهتدون" [سورة اَل عمران، الآية: 103]. فالاعتصام بحبل الله هو الطريق الأمثل للنجاح في هذه الحياة؛ لأن الله تعالى أمرنا بالاعتصام ونهانا عن التفرقة؛ لأن الاعتصام بحبل الله كله خير وبركة والتفرقة كلها شر ووبال على الأمة.. ومن أجل الوصول إلى كل هذا علينا أن نتمسك بهذا القانون ونطبقه على أنفسنا كما طبقه الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده، فقادوا بذلك الأمة التي كانت في ظلمة وجهالة، فقادها الرسول صلى الله عليه وسلم، بهذا القانون وغير ملامحها في ظرف وجيز.. إن وحدة الأمة يجب أن تعود، وفي عودتها سيكون خيرا، واستحق فيها الخيرية التي أشار إليها سبحانه في قوله: "كنتم خير أمة أخرجت للناس" [سورة اَل عمران، الآية:110]. والله لو غيرنا ما بأنفسنا ورجعنا إلى ربنا بنية صالحة وعزم أكيد فنجلب الخير لهذه الأمة، فالإسلام دين الوحدة والتوحيد، قال عز وجل: "وان هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون" [سورة المومنون، الآية:52]. ثم حب الوطن الذي ننتمي إليه وحب الوطن من الإيمان، عندما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة نظر إليه وبكى وقال: "والله يا مكة إنك أحب بلاد الله إلي ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت أبدا" [الترميذي، 3925]. ثم إن حب الوالدين وبرهما وصلتهما هو من أخلاقه ومن ديننا الحنيف حيث قال تعالى: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا أما يبلغن عندك الكبر احدهما آو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما" [سورة الاِسراء، الآية:23]، كما أوصانا الإسلام بالجار حيث قال صلى الله عليه وسلم: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" أبو داوود والترميذي...