التكافل بين أفراد المجتمع لازم من لوازم الأخوة بل هو من أبرز لوازمها، وهو شعور الكل بمسؤولية بعضهم عن بعض، والتكافل بين أفراد الأمة كأساس من أسس جماعة الأمة، بل هو مظهر من مظاهر التحضر لتعاليم الإسلام الخالدة، واختلاطه بالقلوب والنفوس والأرواح. وإن كل فرد في هذه الأمة حامل لتبعات إخوانه، ومحمول على إخوانه فهو مسؤول عن نفسه ومسؤول عن أخيه كذلك وفوق ذلك مسؤول أمام المجتمع وأمام التاريخ، ومسؤول أمام الله تعالى، وهذا الواقع عنصر من عناصر الحياة الطيبة، وهذا الواقع قانون من قوانين الاجتماع الراقي، بل هو الأساس في حياة كل شعب وأمة، يتوقف عليه كمال السعادة للجميع، وكل أمة أخذت بقيم التكافل تبقى عزيزة كريمة متمتعة بهيبتها وقائمة بواجبها والتكافل له شعبتان: 1. شعبة مادية وسبيلها مد يد المساعدة والمعونة، فحاجة المجتمع وتفريج كرب المكروبين، وإغاثة الملهوفين وإشباع الجائعين وتأمين الخائفين، والمساهمة العملية في إقامة المصالح العامة، وهذا النوع من التعاون المادي دعا إليه القرآن وحث عليه واستنهض الهمم فيه، وأطلق عليه جملة من العناوين التي تحبب الأفراد والجماعة فيه، والداعية إليه كالإنفاق في سبيل الله والصدقة والزكاة والإحسان. والإسلام عد هذا النوع من التكافل ركنا من أركان هذا الدين الحنيف وهو فوق ذلك فضيلة إنسانية وجعله واجبا في أنواع المال وأصناف الأموال كلها في الأنعام والزروع والنقود، فرضه على الأغنياء للفقراء، وأوجبه للفقراء على الفقراء وهو في نظر الإسلام تدريب للفقراء على البذل والإعطاء وتعليمهم كيف يساهمون بقدر ما يستطيعون في سد الحاجات، ومن خلال ذلك ليدركوا لذة حلاوة اليد العليا، فيسعى هؤلاء الفقراء في الكد لتحصيل الأموال وبذلك تكون لهم اليد العليا على الدوام، ومن خلال ذلك يجدون في ضمائرهم ما يدفعهم إلى المعونة الكبرى ما وجدوا إليها سبيلا؛ 2. شعبة أدبية، ويعنى بها تكافل كل أفراد الأمة وتعاونهم المعنوي بالتوجيه السليم والنصح والإرشاد والتعليم ولتحبيب هذا النوع من التكافل إلى نفوس الناس وإغراء القلوب والعقول به أعطاه القرآن إسما كريما، فسماه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو لاشك أنه عنوان أخاذ يجذب القلوب إليه ويحمل على الأمر به. والتكافل الأدبي في الإسلام فريضة لازمة على كل مسلم، بل جاء عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لجميع الطبقات في المجتمع أنه للدين، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: "الدين النصيحة قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" رواه أصحاب السنن. وهذا التكافل طلبه ربنا تبارك وتعالى على وجه الخصوص من القادرين عليه الواقفين على حدود الله، والفلاح المطلق للإنسان في الدنيا والآخرة مرتب عليه قال تعالى: "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر" [سورة اَل عمران، الآية: 104]. والإسلام ألبس هذا النوع من التكافل ثوب الولاية فقال سبحانه: "والمومنون والمومنات بعضهم أولياء بعض يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويوتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم" [سورة التوبة، الآية: 71]. ومما جاء في الأثر لتقوية صلة المسلم بهذا التكافل: "المومن مرآة المومن"، وهكذا فهم السابقون الأولون من المسلمين مبدأ مسؤلية الكافل عن بعضهم البعض فقاموا بالنصح والإرشاد، العالم ينصح الجاهل والكبير يرشد الصغير بل لقد نصح الصغير الكبير، ونصح المرؤوس الرئيس والمحكوم نصح الحاكم، وتقبل الجميع من الجميع وقلوبهم مطمئنة وألسنتهم شاكرة، وبذلك تقدمت بهم عجلة الحياة واستقام لهم الأمر وكانوا أعزاء أقوياء، لكن لما نبتت نابتة التحاسد والهوى والشهوات أفسدت على مجتمعاتهم تصورهم للحياة وظنها أكثرهم مادة صرفة عليها يتنافسون، وجاها وأموالا بها يتكاثرون ويتفاخرون فرأينا ضعفا دب إلى حنايا القلوب فضعف رابط الإيمان بينهم ثم من خلال ذلك انهار شعور الأمة بالمسؤوليات ولاسيما في ميدان التكافل، فأصبحوا وحدات مبعثرة لا يجمع شتاتها رباط وأنساب كل ذهب في مهب الأهواء والشهوات، فأصبح الحق بينهم غريبا وتوجيه العلماء إليهم ثقيلا وكل موجه مخلص عدوه بينهم دخيلا إلا من رحم الله، ولإصلاح الضرر الذي أصاب البشرية جمعاء وإرجاعها للجادة والتعاون الذي حث عليه القرآن الكريم في قوله تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاِثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب" [سورة المائدة، الآية:2].