نعيش في عصرنا الحالي جملة من الأزمات، أفرزتها عوامل كثيرة ومختلفة. ولكن عندما نتأمل جليا في معاملاتنا وعلاقاتنا، نسجل بمرارة تدني منحنى القيم الأخلاقية في مجتمعاتنا، ونلحظ اضطرابا ملموسا في منظومة الأخلاق، وضع تحت كلمة "أخلاق" ما تشاء من السطور الحمراء. فقدنا كل شيء عندما تجردنا من أخلاقنا، الجميع يعاني من سوء معاملة الآخرين له، الكل يشتكي من قلة الحياء، والأنانية، والغيرة، والحسد، وقس على هاته الصفات اللاأخلاقية كل ما يدخل في باب الانحطاط الخلقي. لم نكن نتصور أبدا أن نعيش زمنا فيه الكثير من المتناقضات، حقا إنه زمن "الغاب" بكل ما تحمله الكلمة من معنى. الجميع يركض بكل قواه وهو متسلح بشتى أنواع الدفاع عن النفس المباحة وغير المباحة، ولا شأن له في ذلك إلا نفسه، تاركا وراءه كل المشاعر الإنسانية التي تجعل من الإنسان إنسانا. أزمة الأخلاق هاته، لم تمس مجتمعنا الكبير فقط، وإنما بدأت تتفرع جذورها وتتغلغل داخل بيوتنا ومنازلنا التي هي جزء من هذا المجتمع، فنجد أُسرا قد نخر الفساد جدرانها، وكثرت شكاوى الآباء والأمهات من سوء معاملة أبنائهم، وفي المقابل هناك من الأبناء من يتذمر من معاملة أولياء أموره. وهكذا تضيع الأسر في تبادل الاتهامات فيما بينها بين ظالم ومظلوم، حتى تسقط فيما لا يحمد عقباه. والأمر من ذلك، فإنك إن تفحصت القضايا التي تعرض على المحاكم تجد أكثرها أسرية. بالله عليكم ماذا بعد هذا؟! • ماذا بعد أن يقف الابن أمام أبيه أو أمه أو أخته في المحكمة مطالبا بأخذ الحق منه؟ • ماذا بعد أن تحرض أم ابنتها على الفساد وتدلها على طرق اللجوء إليه؟ • ماذا بعد أن يضرب التلميذ أستاذه داخل القسم، أو ينتقم منه بطريقة أو أخرى، عوض أن يشكره على حبه له وتفانيه في خدمة مصلحته؟ • ماذا بعد زنى المحارم؟ • ماذا بعد أن تتجرد الأم من مشاعرها التي من أجلها خلقها الباري عز وجل، وترتكب إجراما في حق ابنها، وتتركه عرضة للتشرد، وبدل أن يعيش معززا بين أحضانها يعيش لقيطا؟ الأمثلة والشواهد كثيرة ومتنوعة... • أين نحن من أخلاق قدوتنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟ • أين نحن من أخلاق أمهاتنا رضوان الله عليهن؟ • أين نحن من سجية الإيثار؟ • أين نحن من توقير الكبير والعطف على الصغير؟ • أين نحن من تبجيل المعلم والوقوف له؟ • أين نحن من "رضا الوالدين من رضا الرب"؟ أين نحن وأين نحن... ؟ حقا لقد نسي الإنسان الكثير من الأشياء: • نسي أنه إنسان قبل أي شيء، يشعر ويحس ويتألم ويضحك ويبكي... • نسي أنه يملك "مضغة إن صلحت صلح الجسد كله، وإن فسدت فسد الجسد كله". • نسي أنه يملك قلبا بين ضلوعه ينبض ويحدث نغما موسيقيا بدقاته. إذا نسي الإنسان هاته الهبات الإلهية، فهو لا محالة ميت، وما أصعب أن يموت الإنسان ألف مرة في اليوم وهو حي يرزق. وأصعب موت هو الموت الأخلاقي، وصدق الشاعر أحمد شوقي حين قال: إذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتما وعويلا