الإسلام أمر برعاية وإكرام من لا آباء لهم ولا أولياء، من اليتامى والمشردين واللقطاء، وعدم إذلال نفوسهم حتى لا ينفروا من المجتمع، وما ذلك إلا لزرع الثقة فيهم، والعزة والكرامة ليكونوا قادرين في مستقبل أيامهم على التعاون والبناء الهادف، لصرح مجتمع متكامل في قيمه وأخلاقه، وحب البلاد والدفاع عنها. وعن هذا الإسلام الذي منحهم الرعاية ليكونوا صالحين، قرر حقوقا سامية لصالح الأيتام والمشردين واللقطاء، واهتم بأمرهم غاية الاهتمام، والرحمة بهم والشفقة عليهم والتربية الاجتماعية الصالحة، ودعا إلى كفالتهم. ولولا العواطف الحانية لانقرض النوع البشري من الأرض، وها هو القرآن الكريم يصور لنا المشاعر الصادقة حيت يقول الحق سبحانه: "المال والبنون زينة الحياة الدنيا" [سورة الكهف، الآية:46]، ولقد حرص الإسلام على رعاية الذين لا آباء لهم، ولم يكتف بالوصية المجردة وملاحظة ضعفهم، بل إنه فصل وصاياه ودعا إلى أمور ثلاثة بالنسبة لهم وهي: 1. الرفق بهم؛ 2. المحافظة على أموالهم إن كان لهم مال؛ 3. الإنفاق عليهم إن لم يكن لهم مال. فالرفق بمن لا آباء لهم معروفون سواء أكان لهم آباء قد توفوا أو لم يعرف لهم آباء، فقد شدد الإسلام على رعايتهم بالمودة والرحمة، والعاطفة، ومنع إيذائهم أو إيلامهم، أو النظر إليهم بنظرات قاسية تنفرهم من المجتمع. فاليتامى والمشردون واللقطاء إن تعودوا النظرات الجافية والمعاملة القاسية، وعودهم أخضر تولد في نفوسهم النفور من المجتمع، كأنهم منبوذون فهذا يولد في نفوسهم الشذوذ والجفوة والعداوة وعدم الإحساس بالإلف الذي يجعلهم يندمجون في المجتمع، ويحسون بإحساسه، يألمهم ما يألمه ويرضيهم ما يرضيه. والإسلام صرح بالنهي عن قهر اليتيم وإذلاله، ولقد صدق من قال: كن لليتيم كالأب الرحيم، ولقد ندد القرآن الكريم بالذين لا يكرمون اليتامى فقال سبحانه: "كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحضون على طعام المسكين" [سورة الفجر، الآية:1718]، وأوصى الإسلام كذلك بأن يخلط اليتامى بأبناء الأوصياء والحاجرين يؤاكلونهم ويعملون معهم، ويسوونهم بأولادهم لذلك قال الله عز وجل: "ويسألونك عن اليتامى قل اِصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح" [سورة البقرة، الآية: 220] فهذا نص القرآن الكريم يدعوا إلى أمرين جليلين: • أولهما: إصلاح اليتيم بتعليمه ما يتكسب منه في مستقبل أيامه وتنمية ماله، وتربيته تربية صالحة؛ • ثانيهما: أن يخلطوهم بأنفسهم ويمزجوهم بأولادهم. وفي هذا الاندماج يعاملونهم كما يعاملون أولادهم، وفي هذه الحال يؤدبونهم كما يؤدبون أولادهم ويعاملونهم معاملة الأبناء تماما بلا تفرقة. وإذا كانت محبة الأبناء شديدة بالفطرة، فليستشعروا تقوى الله وليعلموا أن محبة اليتيم هي من محبة الله سبحانه وتعالى، والمؤمن الحقيقي هو الذي يجعل محبة الله فوق محبة الأولاد قال تعالى: "قل اِن كان أباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اِقترفتوموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى ياتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين" [سورة التوبة، الآية: 23]، ولقد سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم قائلا: "مم أضرب يتيمي؟ فقال صلى الله عليه وسلم مما كنت ضاربا منه ولدك" رواه أصحاب السنن. وقد يسأل البعض قائلا أين يوضع اليتيم؟ أفي ملجأ؟ أم يودع عند رجل تقي أمين يقوم على رعايته؟ إنه مما لا شك فيه إن وجد رجل تقي أمين شفيق، يفيض عليه المحبة لأي سبب من الأسباب يكون أولى بأن يأخذه؛ لأنه يتربى في أسرة على الإلف والائتلاف والاندماج، من غير أن يشعر بالجفوة، وهذا لا يتوافر غالبا في الملاجئ؛ فإنه مهما يكن القوامون عليها المشرفون على إدارتها والمتصلون بالأطفال رحماء أمناء؛ فإن الأطفال لا يشعرون بينهم بحنان الأبوة التي يفيض بها عليهم رجال صالحون أتقياء، ولكن هذا الصنف من الرجال يتعذر وجوده الآن أو يقل وجوده، فلم يبق إلا اللجوء إلى الملاجئ والمؤسسات. لذلك فيجب أن نتجه إلى القائمين على هذه الملاجئ بأن يشددوا الرقابة، وأن يختاروا المتصلين بالأطفال ممن عرفوا بالشفقة الذين تفيض قلوبهم بالمحبة، وعيونهم بالنظرات العاطفة، وليتق الله المشرفون على اليتامى والمشردين واللقطاء، وليعلموا أن هذه ودائع إنسانية، في حاجة إلى من يحميهم بمقدار حاجتهم إلى من يغذيهم ويراعي صحتهم ونظافتهم، والإسلام أوصى بالمحافظة على أموال اليتامى ومن لا آباء لهم حتى إنه إذا وجد مع اللقيط مال، وجبت المحافظة عليه، ومن له أم وليس له أب معروف إذا ورث من أمه شيئا وجب القيام عليه والمحافظة؛ لأن الله سبحانه يقول: "اِن الذين ياكلون أموال اليتامى ظلما اِنما ياكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا" [سورة النساء، الآية: 10] صدق الله العظيم. والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل.