من دلالات لفظ المراء في اللغة: الصلابة، ومنه المَرْو: جمع مَرْوَة، وهي حجارةٌ صلبة، ولذلك سمي الكلام مراء ومماراة إذا كان فيه بعض الشدة. أما في الاصطلاح فالمراء: "الحجاج في ما فيه مرية" أي شك وتردد. والناظر في موارد لفظ المراء التسعة عشر في القرآن الكريم يلحظ أنه مفهوم مكي، إذ لم يرد في القرآن المدني إلا ثلاث مرات، ولذلك جاء وصفا لحال المشركين مع دعوة الإسلام، وشكهم وجدالهم بالباطل فيها، كما يمكن ملاحظة ما بين الحجاج والمراء من تداخل من جهة، واختلاف من جهة ثانية، أما التداخل فلأن المراء نوع من الحجاج، فهو محاجة فيما فيه مرية، وأما الاختلاف فلأن الحجاج يبنى على البرهان والدليل، والمراء يبنى على الشك، وبذلك كان مذموما ومرفوضا: • سواء كان مراء في حقيقة البعث: "أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ" [سورة الشورى، الآية: 18]؛ • أو في حقيقة نبوة عيسى عليه السلام: "ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ" [سورة مريم، الآية: 34]؛ • أو في حقيقة الرسالة عموما: "فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاَءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ" [سورة يونس، الآية: 94]. أو في غير ذلك من الحقائق التي ثبتت صحتها. وورود المراء بصيغة التماري الدالة على المفاعلة، يدل على أن المراء فعل واقع من الجانبين، وهو بذلك قريب من معنى المجادلة، لكنها مجادلة بالباطل، وغالبا ما تأتي في القرآن لإبطال المعتقد: كالمراء في الساعة، وفي الكتاب المنزل من الله عز وجل. والملاحظ أن لفظ المراء ورد أكثر من مرة في سياق النفي والنهي "فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ" وجاء فيه الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم على عادة العرب في توجيه الكلام لمخاطب وإرادته لغيره، مع ما يحمله هذا الأسلوب من تلميح إلى خطورة المراء.