الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صلِى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد. يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الذاريات "وفي أنفسكم أفلا تبصرون" فبين أيدينا جسدٌ فيه آياتٌ لا تنقضي، فيه حقائق لا تنتهي، فيه أدلةٌ قاطعةٌ على وجود الله وعلى عظمته وعلى وحدانيته ليس لها حدود. وأريد أن أضع بين أيدي القارئ الكريم، حقائق بسيطة يدرسها طلبة كلية الطب في سنواتهم الأولى في كل أنحاء العالم؛ هذا الكبد الذي هو في جسد كلٌ منا، هذا العضو الذي لا يعلم الإنسان خطورته، لو أنه تعطَّل، أي أصابه تَشَمُّعٌ (cirrhose) وكفَّ عن إنجاز وظائفه ثلاث ساعاتٍ فقط لانتهت حياة الإنسان. يقوم الكبد بخمسمائة وظيفة في جسم الإنسان، قال بعض العلماء: نحتاج إلى إنجاز هذه الوظائف في حياتنا المادية إلى منطقةٍ صناعية، لا إلى معملٍ واحد، بل إن منطقة صناعية، لا تكفي للقيام بما ينجزه الكبد. هل تصدقون أن في كبد الإنسان ما يزيد عن ثلاثمائة مليار خلية؟ خلايا الدماغ مئة وأربعون مليارًا، أما خلايا الكبد فثلاثمائة مليار، وأن وزنه لا يزيد عن ألفٍ وخمسمائة غرام، أيْ كيلو ونصف؛ وهل تصدقون أن الكبد يتجدد تَجَدُّداً تاماً كل أربعة أشهر؟ كل أربعة أشهر كبدك جديد، طوال العمر، وذلك لخطورته، إن أسرع نموٍ للخلايا في جسم الإنسان خلايا الكبد، لو جاء طبيبٌ جراح، واستأصل بمبضعه أربعة أخماس الكبد، لأعاد الكبد بناء نفسه في ستة عشر أسبوعاً، بالمِبْضَع لو استأصلنا أربعة أخماس الكبد، ثم فتحنا البطن بعد ستة عشرَ أسبوعاً لوجدنا الكبد قد أعاد بناء ذاته. والشيء الذي لا يصدَّق أن خُمس الكبد وحده يكفي لأداء الوظائف؛ لأنه ليس في خلايا الكبد تخصّص، كل خليةٍ من خلايا الكبد تقوم بخمسمائة وظيفة، هناك تجانس في الوظائف، وليس هناك تَخَصُّص، إذاً خُمس الكبد يكفي لأداء وظائفه، وأربعة أخماس الكبد من قبيل الاحتياط، وهذا من فضل الله علينا. نحن في الواقع، إزاء مصنعٌ يُنْتِجُ مواد كثيرة، إنه مصنع ينتج هرمونات تحافظ على ضغط الدم في مستوىً معين، فإذا اختل الكبد، أو تشمع اختل معه ضغط الدم؛ إنه يصنع بروتينات التجلُّط، وبروتينات التميُّع، وإذا توازن التميُّع مع التجلُّط يبقى الدم سائلاً في الأوعية والشرايين، لو زاد هرمون التجلط لأصبح الدم وحلاً ولمات الإنسان، ولو زاد هرمون التميُّع لفقد الإنسان كل دمه من جرحٍ بسيط، فمن خلال التوازن بين التميّع والتجلّط يبقى الدم بهذا الوضع الراهن. فالكبد يصنع كريات الدم الحمراء للجنين قبل أن تبدأ معامل الصنع في مخ العظام؛ ويحول السكر الزائد إلى نشاء تمهيداً لتخزينه في الجسم؛ ويصنع السكر الذي هو في حاجةٍ إليه من المواد الذهنية؛ ويصنع الكولسترول الحميد الذي يحمل البروتينات التي تصنع الخلايا؛ ويفرز في اليوم الواحد لتر ونصفًا من الصفراء، تعين على هضم المواد الذهنية وامتصاصها؛ وهو أيضا مستودع، يولِّد الحديد للجنين ما يكفيه مدة ستة أشهر إلى أن يأكل من الطعام الخارجي. والكبد يخزن الحديد والنحاس والفيتامينات ومصادر الطاقة إلى حين استعمالها، كما يتولَّى طرح السموم، والتخلُّص من نتائج التمثيل الغذائي، إذ يحوّل نتائج التمثيل الغذائي إلى حمضٍ للبول تمهيداً لطرحه في الكليتين أو يتخلص منه عبر البراز، وبمساعدة الكلية، يقوم الكبد بتحويل جميع الأدوية التي نتناولها للتخلص منها عبر البول أو البراز، ولولا الكبد لبقيت الأدوية التي نتناولها في جسمنا ولتسممنا لأول وهلة نأكل فيها الدواء فسبحان اللطيف الخبير. وأخيرا، وليس آخرا، يتخلَّص الكبد من زوائد الهرمونات التي يمكن أن تأثر في الجسم، وهو خط دفاعٍ ضدَّ السموم ومستودعٌ، ومصنعٌ، ويؤدي خمسمائة وظيفة بهذه الطريقة المعجزة، وكبدنا توجد دائما في نفس المكان عند كل الناس في الشق الأيمن من البطن. حقا، لله في خلقه شؤون، فسبحانه جل شأنه