ينبغي أن لا تغيب عن أنظارنا قضية "النسبية" التي هي سمة من سمات الكائن البشري، وهي نسبية تنسحب على كلامه واجتهاده وعلومه وفهومه وأعماله. ومن ثم فهناك إشكالٌ نجده منسابا في كل فصول تاريخنا العلمي والمعرفي، وهو ذاكم المتعلق بقضية الثابت والمتحول، وبالطريقة والمنهجية التي بها نُمقدرُ الثابت ونعرفه ونعرّف حدوده، حتى لا نصادمه ولا نتجاوزه. ثم نعرف ونُمقدرُ المتحوِّل الذي سيكون موضوعًا للاجتهاد المستأنَف في كل عصر كما نصّ على ذلك العلماء. حين لم نستثمر الجهد المطلوب واللازم في هذه القضية، وتركناها منتثرة في كتب النابغين من علماء الأمة دون جمع ولا توليف لهذا المتفرق، وحين لم تُتَلَقّ الإشارات الكثيرة إلى هذه القضية الموجودة في القرآن والسنة، فبقيت غير بينة المعالم؛ حصلت مشاكل كثيرة، ونحن الآن مطالبون مرة أخرى بفتح ملف الثابت والمتحول، ابتداء في مجال علومنا الإسلامية... بما يلزم من مَقْدَرة، وعلم، واتزان، وتشرّع، حتى نستطيع تجاوز قَدْرٍ من هذه الأزمات التي نعيشها اليوم. هنا تبرز قضية أخرى تفرض ذاتها أيضا بإلحاح، وهي قضية الباراديغمات، أي الأنساق والأطر المرجعية، والمركبات المفاهيمية التي تقود عمليتنا التفكيرية والتحليلية، وتؤطر أضرب النظر الذي نستعمله ونوظفه. هذه البارديغمات بدورها أمرٌ لم يُعطَ حقه الكافي في مجالنا العلمي والمعرفي، ووجَبَ أن يُستثمر الجهد والزمان اللازمان لكي نُحرِّر ونجرِّد الباراديغمات الكامنة وراء علومنا ومعارفنا، حتى نتأكد من مدى قرآنيتها، ومدى استمدادها من هدي نبي الختم صلى الله عليه وسلم، وكذا من مدى سلامتها، واتصالها بالمعطيات والحقائق التي ثبتت علميتها؛ حتى لا نبقى ضحية باراديغمات خاطئة نُضفي عليها سربال القداسة، ويكون لها علينا قدر غير يسير من المفاسد. والله المستعان