فالكل يسجل انتشار المخدرات ومظاهر الانحراف لدى تلاميذ وتلميذات المؤسسات التعليمية بشكل ملفت للنظر.. وهو ما يهدد في العمق التماسك الاجتماعي... والسؤال الذي يطرح نفسه أمام هذه القضية الشائكة والمتشعبة، ماذا ننتظر من شباب غائب عن الوعي، فارغ وأخلاقيا، وعنيف سلوكيا، إذا أخذنا بعين الاعتبار مثلا، خطورة الأرقام التالية الصادرة عن مصلحة رصد ظاهرة الإجرام بمحكمة الاستئناف بالرباط، ومفادها أن عدد القضايا المسجلة خلال العام 2009 والمتعلقة باستهلاك الكيف، تصل إلى 26 قضية، مقابل 18 قضية (و38 معتقلا) في حالة تعاط للأقراص المنشطة (ما يصطلح عليه بالعامية "القرقوبي"). معالم كبرى حول أضرار المخدرات على الصحة قبل التوقف عند تبعات تعاطي المخدرات على الشباب والأسرة والمجتمع، نتوقف في عجالة عند الخطوط العريضة لأهم أضرار المخدرات على الصحة بشكل عام، حيث يرى الدكتور جمال بامي، أستاذ البيولوجيا وخبير المواد النباتية الطبيعية: "أن التعاطي المتكرر للمخدرات، يتسبب في تشوهات في الجهاز المناعي للجسم نتيجة للمواد الفاعلة السامة الموجودة فيها كالأفيون (opium) المستخلص من نبات الخشخاش(Papaver somniferum) . لقد تبث علميا أن الأفيون يحد من نشاط خلايا اللامفوسيت (Lymphocytes) مما ينتج عنه خلل واضح في اشتغال جهاز المناعة الخلوية بالجسم. وتبعا لذلك يفقد الجسم قدرته على مقاومة الجراثيم والأجسام الغريبة.."، كما أكدت دراسات أخرى، يضيف الدكتور جمال بامي: "أن المخدرات الكولويدية (drogues à alcaloïdes) تقتل خلايا المخ على المدى الطويل من ذلك مادة الآتروبين (atropine) وسكوبولامين (scopolamine) الموجودتين في نبات شدق الجمل (Datura stramonium ) ونبات السكران (Hyoscyamus niger).. إن هذه المواد تدخل في بعض أنواع المعجون الذي يتشكل أساسا من القنب الهندي (Cannabis sativa) وكمية كبيرة من جوز الطيب (Myristica fragrans)، ويستهلك هذا الخليط بحثا عن الهلوسة والنشوة الوهمية لكنه على الحقيقة تدمير لخلايا الدماغ. بقيت الإشارة إلى أن استهلاك المخدرات خصوصا على شكل تدخين يهلك الفم والأسنان والحنجرة والقصبة الهوائية والرئتان، وهي سبب رئيسي من أسباب الإصابة بالسرطان...". وعموما، يمكن تلخيص أهم الآثار والنتائج حسب الخبراء في النقاط التالية: • نقص مناعة الجسم بشكل تدريجي؛ • نقصان الوزن في حالات كثيرة، وفقدان الشهية لدى الشاب المتعاطي؛ • التهاب الجهاز التنفسي، مما يؤدي بدون شك إلى الإصابة بداء السل الرئوي والذبحة الصدرية؛ • قرحة المعدة والتهاب البنكرياس وفشل الكبد والصفراء؛ • تلف خلايا المخ وفقدان الذاكرة وارتفاع ضغط الدم والجلطات القلبية، نوبات صرع ومحاولات انتحار نتيجة كل ما سبق؛ وبطبيعة الحال، وإضافة لهذه الأضرار الصحية العامة التي يشترك فيها سائر أنواع المخدرات يتميز كل نوع من المخدرات بأضرار صحية خاصة. ضرر المخدر على الشباب إن تعاطي شبابنا في المؤسسات التعليمية للمخدرات يؤدي بدون شك إلى نتائج سيئة سواء بالنسبة إليه أو لأسرته أو لمجتمعه ككل. فالشخص المتعاطي يصبح تلميذا كسولا بتفكير سطحي يهمل أداء واجباته، وينفعل بسرعة ولأقل الأسباب في تعامله مع الآخر. عندما يلح متعاطي المخدرات على تعاطي مخدر ما، ويسمى ب"داء التعاطي" أو بالنسبة للمدمن يسمى ب"داء الإدمان" ولا يتوفر للمتعاطي دخل ليحصل به على الجرعة الاعتيادية، وذلك أثر إلحاح المخدر. إن تناول تعاطي المخدرات مؤثرات شديدة وحساسيات زائدة، مما يؤدي إلى إساءة علاقاته بكل من يعرفهم. لا يمكن المتعاطي بدون توازنه من إقامة علاقات طيبة ورصينة مع الآخرين ولا حتى مع نفسه. أثر المخدرات على الأسرة معلوم أيضا، في التعريف الكلاسيكي لمفهوم الأسرة، أنها البناء الأساسي للأمة، فإذا صلحت صلح حال المجتمع، وإذا فسدت انهار بنيانه. فالأسرة أهم عامل يؤثر في التكوين النفسي للفرد؛ ووجود خلل في نظامها من شأنه أن يحول دون قيامها بواجبها التعليمي لأبنائها. وبالتالي؛ فإن تعاطي المخدرات يصيب الأسرة والحياة الأسرية بأضرار بالغة من وجوه كثيرة أهمها، أننا نجد أن جو الأسرة العام يسوده التوتر والشقاق والخلافات بين أفرادها، فإلى جانب إنفاق المتعاطي لجزء كبير من الدخل على المخدر والذي يثير انفعالات وضيق لدى أفراد الأسرة، فهو يقوم بعادات غير مقبولة. أضرار المخدرات على المجتمع معلوم أن الفرد يعد لبنة من لبنات المجتمع والفرد يؤثر بدوره على المجتمع الذي ينتمي إليه، وبالتالي؛ فإن متعاطي المخدرات لا يتأثر وحده ولكن المجتمع أيضاً يتأثر في حالة تفشي المخدرات وتعاطيها فالظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تؤدي إلى تعاطي المخدرات. ومن الأمثلة على هذه السلوكات، نجد مثلا، تشرد الأحداث وإجرامهم والدعارة والرشوة والسرقة والفساد والمرض العقلي والنفسي والإهمال.. إن انتشار المخدرات والاتّجار بها وتعاطيها يؤدي إلى زيادة الرقابة من الجهات الأمنية، حيث تزداد قوات رجال الأمن، وحراس السجون، والمحاكم والعاملين في المصحات والمستشفيات ومطاردة المهربين للمخدرات تجارها والمروجين ومحاكمتهم ورعاية المدمنين في المستشفيات تحتاج إلى قوى بشرية ومادية كثيرة للقيام بها... يؤدي كذلك تعاطي وانتشار المخدرات إلى خسائر مادية كبيرة للمجتمع ككل، وتؤثر عليه وعلى إنتاجيته، وهذه الخسائر المادية تتمثل في المبالغ التي تنفق وتصرف على المخدرات ذاتها. إن الاستسلام للمخدرات والانغماس فيها يجعل متعاطيها يركن إليها، وبالتالي فهو يضعف أمام مواجهة واقع الحياة... وكذلك فإن الاستسلام للمخدرات يؤدي إلى إعاقة تنمية المهارات العقلية والنتيجة هي الفشل الدراسي وبالتالي للمجتمع الذي يعيش فيه كمّاً وكيفا. وأخيرا، وليس آخرا، إن أثر المخدرات على الأمن العام مما لاشك فيه أن الأفراد هم عماد المجتمع فإذا تفشت وظهرت ظاهرة المخدرات بين الأفراد انعكس ذلك على المجتمع، فيصبح مجتمعاً مريضاً بأخطر الآفات، يسوده الكساد والتخلف الفوضى. المقاربة القانونية للظاهرة قبل التوقف عند بعض الحلول المقترحة عمليا من أجل التصدي لآفات الظاهرة، حري بنا استعراض موقف المشرع المغربي في التعامل القانوني مع الظاهرة، ويرى الأستاذ الطاهر عطاف محامي بهيئة الرباط وأستاذ القانون الجنائي بكلية الحقوق في هذا الصدد أن المشرع المغربي عالج جرائم المخدرات بمقتضى ظهير خاص، فاعتبر جريمة الاتجار في المخدرات من أخطر الجرائم وشدد العقوبة على مرتكبها، بحيث يمكن أن تصل إلى عشر سنوات حبسا نافذا وغرامات مالية وتعويض لإدارة الجمارك وشركة التبغ، رغم أن هذه الجريمة تبقى في جميع الأحوال مجرد جنحة، التي في الأصل ينبغي أن تتجاوز العقوبة المقررة في هذا النوع من الجرائم خمس سنوات، مؤكدا أن هذا التشديد قد يرجع بالأساس لعدة أسباب، أهمها خطورة هذه الجريمة ومدى تأثيرها على المجتمع إن على مستوى الصحة العامة، وما يترتب عن استهلاك مادة المخدرات والأخطر من ذلك أن هذه المادة أصبحت تصنع بطرق متطورة لتكون رهن إشارة الشباب بأبخس الأثمنة، وهو الأمر الذي يزيد في استهلاك هذه المادة وتدمير العقول خاصة بسبب ما يعيشه الشباب المثقف وغيره من فراغ لا يسد إلا بمبادرات متهورة على أساس أن ذلك يخفف من واقع هؤلاء الشباب. ويضيف الأستاذ الطاهر عطاف أن الجهات القضائية المختصة قد خطت خطوات مهمة في إطار التقليص من هذه الآفة التي من المستحيل القضاء عليها نهائيا وذلك برصد شبكات مروجي المخدرات على المستوى الوطني والدولي، وما يعقد الوضع، حسب المتدخل، أن هذه الجرائم قد تزداد خطورة وتعقيدا لما يلجأ تجار المخدرات إلى تمويل الإرهاب وغسل الأموال وهو أمر مؤثر سلبا على الاستقرار الاجتماعي والأمني وكذا الاقتصاد الوطني. يكفي أن نقترح... بداية، يجب الإقرار بأن التعامل مع الظاهرة يتطلب مقاربة ذات فلسفة وأرضية شمولية، وليس ظرفية أو مرحلية أو منحصرة في قطاع تدبيري معين، كالقطاع التعليمي أو التربوي أو القضائي أو الأمني.. ويبقى من الضروري التوقف عند التعامل مع المدمنين، ونرى أن الأمر يتطلب استحضار الخطوات التالية الضرورية: • احتواء شخصية المتعاطي، والحديث معه مباشرة بشكل هادئ ومتزن، والصبر عليه... • التعرف على نوع المخدر الذي يتعاطاه، وتحديد كميات التعاطي وطرق تعاطيه، والتأكد من بداياته والفترة الزمنية التي قضاها رهن التعاطي. • معرفة السبب الرئيسي الذي أدت إلى تعاطي المخدر والظروف المحيطة بها، ومعطيات تجربة المخدر للمرة الأولى.. • إقناع المتعاطي بضرورة العلاج، حيث سيجرى له في مرحلة أولى الفحوصات الطبية السريرية اللازمة والتي تشمل فحوصات الدم والبول وغيرهما لمعرفة مستوى تسمم الجسم... • متابعة حالة المتعاطي أثناء خضوعه للعلاج، والالتزام بتعليمات الطبيب المعالج، والحرص على الاستعانة بالأخصائي الاجتماعي... • كما أنه من الضروري تغيير البيئة الاجتماعية المحيطة للمتعاطي، فذلك كفيل بإعادة المدمن إلى ما كان عليه... هناك أيضا، الدور الهام والمصيري الذي تقوم به الأسرة في هذا الصدد، على اعتبار أن الأسرة، برأي المختصين، تعتبر خط الدفاع والحصانة الاجتماعية الأولى والأبرز، وبالتالي، فسوف تكون جهود المقاومة أو المكافحة ناقصة ومعرضة للفشل، إن لم تكن الأسرة واحدة من أركان هذه الجهود.... ويجب التأكيد في هذا المقام على ضرورة القدوة الصالحة للوالدين قولا وفعلا. وأكدت مجموعة من الدراسات العلمية في هذا الصدد، أن لطبيعة ممارسات الوالدين أثرها على ذلك السلوك. فقد لا يحسن الوالدين تربية الأبناء، أو يتصف أسلوب معاملاتهم بالقسوة أو العنف أو التسيب والتدليل. أو قد يتسم جو الأسرة بالشحناء والتباغض، والقول السيئ.. وما ينبغي الإشارة إليه هنا هو أهمية توعية الوالدين وتبصيرهم وتدريبهم على مهارات الأبوة والأمومة، وحسن التعامل مع آبنائهم، خاصة مع الأطفال في سن النماء والتنشئة والتغيرات الجسدية والعاطفية. يجب الأخذ بعين الاعتبار كذلك خيار تعزيز قدرات الشباب الفكرية والاجتماعية والسلوكية، وتنمية ثقتهم بأنفسهم، وتبصيرهم بدورهم الاجتماعي العام... وأخيرا وليس آخرا، نرى أن أفق تحقيق "المدرسة المغربية الجديدة" يتطلب الحفاظ على حرمتها وتقوية مكانتها، واعتماد أساليب جديدة لتدبير أمن المؤسسة التعليمية، بتنسيق مع كافة الفاعلين والشركاء، والمعالجة الحقيقية لظاهرة استهلاك المخدرات لدى التلاميذ بتكثيف الحملات التحسيسية والوقائية. من إنجاز الأستاذة عزيزة بزامي رئيسة تحرير جريدة ميثاق الرابطة