أهداف التربية العقلية ومما سبق، يمكن القول إن التربية العقلية ترمي إلى تحقيق جملة من الأهداف البناءة، ومن أهم هذه الأهداف التي تجلت في النصوص الشرعية المتقدمة، نذكر ما يلي: أولا: تنمية فكر الإنسان المسلم بالمحافظة على طاقات العقل، وبتفريغ هذا الفكر من كل المقررات الفاسدة في العقائد السابقة، وذلك حتى ينمو هذا الفكر، ويكون الفكر الصالح لبناء الإنسان المسلم –ذا العقلية العلمية الموضوعية التي لا تقبل نتائج بغير مقدمات، ولا تخضع إلا للحجة والبرهان، ولا تحكم العواطف والظنون، في مقام يطلب فيه اليقين المجرد والعلم المحقق– وتقدم المجتمع المسلم بالتالي. ثانيا : محاربة الأمية وتهيئ تربة المجتمع لظهور التفكير والبحث العلمي والسعي وراء الحقيقة. ثالثا: مساعدة الناشئين والمتعلمين، على التمكن من المفاتيح الأولى للعلم والمعرفة، وذلك بإتقان القراءة والكتابة والتعامل بالأرقام والرموز، والإلمام باللغة الحية وغيرها، مما يساعدهم على النمو العقلي والنضج الفكري، وتكامل الإدراك والفهم، ويزودهم بالكفاءة والمهارة والخبرة اللازمة لهم في حياتهم. رابعا: الكشف عن الاستعدادات والقدرات العقلية للناشئين، وشحذها وتهذيبها وصقلها وتنميتها، حتى تبلغ أقصى حد ممكن لها من النضج والاكتمال والجودة والإتقان، مع تحسين الوسائل والظروف البيئية المؤثرة فيها، ومراعاة حسن استثمار تلك الاستعدادات والقدرات فيما يفيد الفرد والمجتمع. خامسا: تشجيع وتمكين المتعلمين بالتوجيه الرشيد من اختيارات التخصصات الدراسية، والمجالات المهنية، والأنشطة الترويحية التي تتوافق مع مواهبهم، وهواياتهم وميولهم، وعدم قهرهم أو إلزامهم باختيارات لا يرضونها ولا يشعرون بأي ميل إليها، لأن المتعلم لا يركز انتباهه أو يعمل فكره ويضاعف جهده إلا فيما يميل إليه، ويشعر بانجذاب شديد إلى ممارسته، ويحس بأنه يحقق فيه ذاته. سادسا: مراعاة الشمول والتكامل بين جميع الاستعدادات والقدرات والمواهب والميول العقلية لدى التلاميذ الناشئين، لأن أي فجوة أو خلل في النمو العقلي، نتيجة لعدم الاهتمام بقدرة ما، أو إهمال استعداد ما، أو الاهتمام بأحدهما على حساب غيره من القدرات والاستعدادات، ومن شأنه أن يؤثر في عملية النمو العقلي بأسرها، ويحد من اتساع المدارك والأفهام، ويعطل نضج التفكير السليم. سابعا: تشجيع المتعلمين على زيادة وتنمية التحصيل العلمي والمعرفي بصورة مستمرة، وذلك بكسب العلوم والخبرات والتجارب، التي تجعلهم قادرين على المشاركة الإيجابية في بناء الحياة الصالحة لهم ولمجتمعهم، ومؤهلين لحمل تبعاتها ومواجهة صعوبتها بكفاءة ووعي وتبصر. ثامنا: تنمية الاتجاهات العقلية البناءة الإيجابية لدى المتعلمين، وذلك مثل: التحرر العقلي من قيود التقليد الأعمى والعادات والتقاليد البالية، والخرافات والأساطير، وكالأخذ بالنظرة الموضوعية الواقعية للأمور، والقدرة على النقد الهادف والتحليل الموضوعي، والتقصي العلمي، وكتنمية حب الاستطلاع والمعرفة وإشباعه بصفة مستمرة، تقوي النضج العقلي وتزيد الإنتاج الفكري، "فالإسلام لا يقبل من المسلم أن يلغي عقله ليجري على سنة آبائه وأجداده ولا يقبل منه أن يلغي عقله خنوعا لمن يسخره باسم الدين في غير ما يرضي العقل والدين، ولا يقبل منه أن يلغي عقله رهبة من بطش الأقوياء وطغيان الأشداء"[1]. وأخيرا فإن التربية العقلية تهدف إلى تفجير طاقات الإبداع والخلق والابتكار والاختراع والاستكشاف لدى الطلاب، وحسن توجيههم وإرشادهم بالأساليب التربوية السليمة، وتهيئة الجو العلمي الصالح الذي يساعدهم على تنمية طاقاتهم العقلية الخلاقة المبدعة. يتبع في العدد المقبل.. ————— 1. عباس محمود العقاد، التفكير فريضة إسلامية، ص: 17.