وتعتبر كل من عملية التحليل والتركيب هامة للغاية في التعليم والتربية، ولا مفاضلة بينهما، إلا من حيث قرب ظواهر ومعالم "الكلي" أو "الجزئي" في الأشياء المدروسة إلى حواس المتعلم، وبالتالي قدرته على فهمها، "فإذا كان الكلي أقرب إلى حواس المتعلم، وفهمه نتبع عملية التحليل، وإذا كان الجزئي أكثر ظهورا، نتبع طريقة التركيب"[1]. وقد ركزت السنة النبوية على أهمية طريقة التحليل والتركيب وفعاليتها في التعلم والتربية، وعنت بها عنايتها بطريقتي الاستقراء، المتضمن لعملية التركيب، والقياس المتضمن لعملية التحليل. خامسا : طريقة الحوار: الطريقة الحوارية[2] –كما سبقت الإشارة- هي تلك الطريقة التي تقوم على أساس الحوار والنقاش بالأسئلة والأجوبة للوصول إلى حقيقة من الحقائق لا تحتمل الشك ولا النقد ولا الجدال، "وهي طريقة تدفع بالمتعلم إلى المشاركة بالأسئلة والاستماع والفهم والتساؤل عما لا يدركه من الحقائق، وهي طريقة لا يمكن للمتعلم أن يكون فيها سلبيا، أو مصدقا فقط، دون الفهم والإدراك العقلي، وقد توجه الأسئلة من المربي إلى المتعلم بطريقة تقوده لان يتوصل إلى الحقيقة بنفسه"[3]. وقد أولت السنة النبوية المطهرة لهذه الطريقة الهامة في التعلم، أهمية وعناية كبيرة، واعتمدتها في تعليم المسلمين وتربيتهم وتوجيهه في شتى أمور دينهم ودنياهم، ومن أشكال الحوار التي كان الرسول عليه الصلاة والسلام يستخدمها لتربية أجيال المسلمين: عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه، ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قعد على بعيره، وأمسك إنسانا بخطامه أو بزمامه، فقال: "أي يوم هذا؟" فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه، فقال: "أليس بذي الحجة؟" قلنا: بلى، قال: "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ليبغ الشاهد الغائب، فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى منه"[4]. ومن أبرز الشواهد أيضا على اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بالطريقة الحوارية، تأكيده عليه الصلاة والسلام لفعالية السؤال والاستفسار في التعلم والفهم والإدراك، ولاشك أن الحوار ينبني أساسا على الأسئلة والنقاش والاستفسارات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شفاء العي[5] السؤال"[6]، وعن أبي مليكة أن عائشة رضي الله عنها، زوج النبي عليه الصلاة والسلام كانت لا تسمع شيئا لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه، وان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حوسب عذب، قالت عائشة: فقلت: أوليس يقول الله تعالى: "فسوف يحاسب حسابا يسيرا" قالت: فقال: إنما ذلك العرض ولكن نوقش الحساب يهلك"[7]. يتبع في العدد المقبل… ——————– 1. المرجع السابق، ص: 472. 2. وفي هذه الطريقة يمر المحاور عادة بثلاث مراحل أولها : هي مرحلة اليقين الذي لا أساس له من الصحة، ومهمة المحاور في هذه المرحلة إظهار جهل من يحاور، وإظهار غروره وادعائه العلم بدون وجه حق، وقبوله لما يلقى عليه من غير أن يحكم المنطق، وثاني هذه المراحل: هي مرحلة الشك التي يظهر فيها الشخص الذي تجري محاورته حائرا مترددا متناقضا في مواقفه وعباراته باديا عليه الغضب، ويحاول المحاور ان يستغل هذه الظروف النفسية لدى من يحاوره، فيقوده إلى صميم الموضوع الذي يدور حوله الحوار والجدل، ولا يتركه حتى يجعله يشعر بالخجل، وبأنه تعرض لشيء لا محال له فيه، وبأنه جاهل ومغرور. وهنا تبدأ المرحلة الثالثة والأخيرة وهي: مرحلة اليقين بعد الشك أو هي المرحلة التي تقوم على أساس الإدراك العقلي، لا على أساس التصديق الساذج، (ابن خلدون: مقدمة ابن خلدون، الجزء الرابع، تحقيق د. عبد الواحد علي وافي، ص: 1353. 3. د. عبد الجواد سيد بكر: فلسفة التربية الإسلامية في الحديث الشريف، ص: 333. 4. صحيح البخاري: كتاب البيان، ج: 1، ص: 26. 5. العي: أي القصور وعدم الفهم، ويؤكد عليه الصلاة والسلام أن السؤال هو شفاء القصور باعتباره مفتاح التعلم والمعرفة (عبد الحميد الصيد الزنتاني: أسس التربية الإسلامية، ص: 26). 6. ابن عبد البر: جامع بيان العلم وفضله، وما ينبغي في روايته، الضبط الصحيح، عبد الرحمن محمد عثمان – ج: 1، ص: 105. 7. البخاري، ج. 1 كتاب العلم، ص: 37.