المخصصات المتصلة المخصص المتصل هو كل دليل غير مستقل لفظا عن النص المفيد للعموم، أي "هو ما لا يستقل من اللفظ بنفسه بأن يقارن العام"[1]، وهذا يعني أن النص المشتمل على العموم والدليل المقتضي للتخصيص يرتبطان على جهة التعلق والمقارنة، ولا يستفاد المعنى إلا بضم أحدهما إلى الآخر. وللمخصصات المتصلة وجوه يمكن إجمالها فيما يلي: 1. الاستثناء: 1-1. تحديد المفهوم: ومعناه عند الباحي أنه "كلام ذو صيغ مخصوصة دل على أن المذكور فيه لم يرد باللفظ الأول"[2]. وعند ابن الحاجب هو "إخراج بإلا وأخواتها"[3]. أما القرافي فقد اختار بعد تقليب النظر في المسألة أن يعرف الاستثناء بكونه "ما لا يدخل في الكلام إلا لإخراج بعضه أو بعض أحواله أو متعلقاته، مع ذكر لفظ المخرج، ولا يستقل بنفسه"[4]. كما بين محترزات هذا التعريف كما يلي: فعبارة: "لإخراج بعضه" فيها احتراز عن النسخ لما قد يكون فيه من الإبطال الكلي؛ وقوله: "بعض متعلقاته" يشمل سائر ما يجوز استثناؤه مما لم يدل عليه اللفظ؛ وقوله: "مع ذكر لفظ المخرج"، احتراز من الصفة والغاية والشرط؛ لأن الخارج بسببها لم يذكر لفظه، كقولنا في صورة الشرط "اقتلوا المشركين إن حاربوا"، فخرج أهل الذمة من عموم اللفظ بمقتضى الشرط ولم يذكر لفظه؛ أما قوله "لا يستقل بنفسه"، فهو احتراز من بعض الجمل المستقلة بنفسها، كقول القائل: "اقتلوا المشركين، لا تقتلوا أهل الذمة[5]. أما الأدوات التي تقوم بوظيفة الاستثناء فأهمها إضافة إلى "إلا": غير وليس وسوى وخلا وعدا وحاشا ولا يكون ولاسيما على خلاف فيها وبيد…[6]. 2-1. شروط الاستئناء: يشترط في الاستثناء المقتضي للتخصيص أمور هي: الاتصال الزمني: ومقتضاه أن الاستثناء المعتبر ينبغي أن يكون متصلا بالمستثنى منه حقيقة أو حكما، دون أن يفصل بينهما فاصل زمني يوهم تمام الكلام قبل الاستثناء، لأن من شأن ذلك الإفضاء إلى الإخلال بشرط الإفادة المقوم لكل تخاطب سليم، وهكذا فمن قال: قاتل المشركين، ثم قال بعد ساعة إلا زيدا لا يعد هذا استثناء صحيحا للتلازم القائم بين المستثنى والمستثنى منه، والفهم والإفهام يقتضيان إيرادهما على مساق واحد دون فصل، وهكذا يرى الباجي "أن أهل اللغة لا يستعملون الاستثناء في الكلام إلا متصلا به، ويستقبحون تأخيره عنه، ولا يجعلونه مفيدا، لأن القائل إذا قال: رأيت الناس، ثم قال بعد حول: إلا زيدا لم يفد بذلك، وما ليس بمفيد من الكلام فهو مطرح"[7]. الاتصال النوعي: ومقتضاه أن الاستثناء المخصص لعموم المستثنى منه يشترط فيه أن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه، وإلا كان الاستثناء منقطعا، فإذا قال القائل جاء القوم إلا زيدا، فقد جاء بعبارة صحيحة أو مفيدة، ومعناها أن زيدا مستثنى من حكم المجئ، لأن الإخراج هنا معقول ومتجه مادام زيد من جنس القوم… يتبع في العدد المقبل بحول الله تعالى… —————————— 1. نشر البنود، 1/241. 2. إحكام الفصول، ص: 182. 3. منتهى الوصول، ص: 122. 4. شرح تنقيح الفصول، ص: 238. 5. شرح تنقيح الفصول، ص: 238. 6. لابد من الإشارة إلى أن القرافي لا يقول بالمخصصات المتصلة، ولا يعتبرها كما صرح بذلك في كتابه العقد المنظوم في الخصوص والعموم، مع ما يشوب موقفه هذا من تردد دفعه إلى إفراد فصل لها. 7. إحكام الفصول، ص: 183، وانظر كذلك المحصول في أصول الفقه لابن العربي، ص: 82-83.