بسم الله الرحمان الرحيم لم أفكر يوما في كتابة مذكرات شخصية عن حياتي لسبب بسيط وهو أنني لم أعتبر قط أن حياتي تستحق التدوين بالتفصيل الذي تستدعيه كتابة المذكرات، إلا إذا كنت سأثقل حواشيها بالتوافه التي لا قيمة لها، أو الإدعاءات العريضة التي لا نصيب لها من الحقيقة، كما يفعل بعضهم، وهو الأمر الذي جعلني لا أرغب في قراءة بعضها، مما يقع في وهلي أنها ربما تكون ذات جدوى مثل المذكرات السياسية أو العسكرية التي كتبت عن الحربين العالميتين (1914-1939) فأجدني أنصرف عنها لما ألمسه فيها من التزيُّد ومخالفة الواقع. وأمر آخر، هو ما جدَّ في كتابة التراجم مما يسمونه بالتحليل النفسي وما يتضمنه من التلفيقات والافتراضات التي تصبح أحكاما هدفها الوحيد تحطيم الشخصية الإنسانية للمترجم لمجرد أنه مرض في صغره مثلا بمرض معين، أو أحب في شبابه شيئا ما ثم نزع منه، وما شابه ذلك مما يجيء في كلامه عرضا أو يتحدث به عنه زميل له أو فرد من أفراد أسرته ربما كان هو لا علم له به ولا صلة بينه وبين ما نسباه إليه، بل لعله من انعكاسات التصورات الذاتية التي يثيرها فضول المحللين النفسيين فيؤدي الأمر إلى ما يعبر عنه المثل العربي القائل: "رمتني بدائها وانسلت" وعلله المتنبي في هذا البيت الشعري: إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يعتاده من توهم هذا إذا لم يكن المحلل من مريدي فرويد ونظرياته الجنسية وإلا فاقرأ على مترجمه آية: "قال من يحي العظام وهي رميم" [يس، 77]، وذلك لأدنى إشارة أو لفظة ترد في كلامه ولكأنما عناه الشاعر بقوله: وليس صديقا من إذا قلت لفظة توهم في أثناء موقعها أمرا يتبع في العدد المقبل.. عن كتاب "ذكريات مشاهير رجال المغرب في العلم والأدب والسياسة" الصفحة 9-10 تأليف العلامة عبد الله كنون قدم له واعتنى به ورتب تراجمه إلى طبقات الدكتور محمد بن عزوز، الجزء الأول: في العلم مركز التراث الثقافي المغربي، دار ابن حزم الطبعة الأولى 1430ه/2010م.