الجزائر والصراعات الداخلية.. ستة عقود من الأزمات والاستبداد العسكري    الإكوادور تُنهي وجود البوليساريو على أراضيها    بريطانيا بين مطرقة الأزمات الاقتصادية وسندان الإصلاحات الطموحة    الرباط.. إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    بوريطة: الجهود مستمرة لمواجهة ظاهرة السمسرة في مواعيد التأشيرات الأوروبية    منتخب U20 يهزم ليبيا في تصفيات كأس إفريقيا    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    الجمارك تجتمع بمهنيي النقل الدولي لمناقشة حركة التصدير والاستيراد وتحسين ظروف العمل بميناء بني انصار    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    عمليات تتيح فصل توائم في المغرب    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    الوزير بنسعيد يترأس بتطوان لقاء تواصليا مع منتخبي الأصالة والمعاصرة    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء        التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران        الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    الشراكة الاستراتيجية بين الصين والمغرب: تعزيز التعاون من أجل مستقبل مشترك    اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    وسط حضور بارز..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تخلد الذكرى الستين لتشييد المسجد الكبير بالعاصمة السنغالية داكار    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    "مرتفع جوي بكتل هواء جافة نحو المغرب" يرفع درجات الحرارة الموسمية    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة        "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن الترجمة والتحليل النفسي هل ترجمة فرويد مهمّةٌ بلاحدود؟
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 03 - 05 - 2013


1 الترجمة والتحليل النفسي
هل يجوز الجمع بين الترجمة والتحليل النفسي أم أن هذا الجمع قد يبدو غريبا وغير مقبول؟
قد يبدو هذا الجمع غريبا في حياتنا العلمية والثقافية العربية الراهنة، فلم يسبق لي أن اطلعت على دراسة عربية تتناول بالدرس والتحليل العلاقات الممكنة بين الترجمة والتحليل النفسي. لكن الواقع أن هناك عددا مهما من الدراسات الأجنبية التي تناولت هذا الجمع بالدرس، أتوقف هنا عند بعضها الذي أثار أهم عناصر التقارب بين المجالين: في نظر جنيث ميشو Ginette Michaud، ينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار أن التحليل النفسي قد تأسس، منذ بداياته، على أنه نموذج ترجميّ متميّز، ذلك لأن التحليل النفسي يعتبر أولا وأخيرا ترجمة للاوعي، وهذا ما يجعل الجسور بين الترجمة والتحليل النفسي متعددة ومتنوعة.
أما بالنسبة الى فرانسوا بيرالدي François Peraldi، فان هذا الجمع بين التحليل النفسي والترجمة سيبدو غريبا بالنسبة الى نوع معين من المترجمين والمحللين النفسانيين الذين ينظرون الى نشاطهم على أنه مجرد عملية تقنية خاصة، دون أن ينتبهوا الى أن هناك شيئا مشتركا بين النشاطين: الترجمة هي الانتقال بالنص من نظام لغوي أصلي الى نظام لغوي اخر، والتحليل النفسي هو الانتقال بالمريض من نظام سلوكات وتمثلات باتولوجية الى نظام سلوكات وتمثلات تعتبر « طبيعية «، ففي المجالين معا، هناك الانتقال بشيء ما من نظام الى نظام اخر.
وفوق كل ذلك، يضيف بيرالدي أن هناك نوعا من المترجمين والمحللين النفسانيين الذين يؤسسون نشاطهم على أساس نظريّ، لأنهم يدركون أن هناك أشياء عديدة، وقد تكون مهمة، تضيع في طريق الانتقال من نظام الى نظام(الاهمال الذي يلقاه الدال في الترجمة لصالح المدلول، والإقصاء الذي تلقاه بعض الأعراض في التحليل النفسي لصالح البحث عن النواة الطبيعية السليمة).
والأكثر من ذلك، أنه على هذا المستوى النظري يبرز سؤال التقارب الممكن بين التحليل النفسي والترجمة. وفي الواقع، فالشيء الذي بخصوصه ينتج المترجمون والمحللون النفسانيون نظرياتهم، عندما يحاولون التفكير في نشاطهم وممارستهم، هو الشيء نفسه: لغة الذات الانسانية.
وفي نظر بيرالدي، من الضروري اليوم أن يأخذ المترجمون التصور النفساني للغة الذات الانسانية بعين الاعتبار في تنظيراتهم كما في ممارساتهم للترجمة. فاللغة ليست سلوكا فحسب، كما يذهب الى ذلك المدافعون عن النزعة السلوكية، وهي ليست مجرد أداة للتواصل، كما في نظريات التواصل، كما أنها ليست مجرد نظام من العلامات، كما يفترض اللسانيون، بل ان اللغة في نظر التفسانيين شرط أولي لكل علاقة ممكنة بالعالم الذي يسكنه الانسان، وخاصة اذا اعتبرنا الانسان ذاتا، أي باعتبار أن الانسان عندما يتكلم، فهو في الوقت نفسه متكلّم (بكسر اللام) ومتكلّم (بفتح اللام). ذلك أن الكلام، باعتباره وظيفة من وظائف اللغة، ليس مجرد وسيط أو أداة توجد رهن اشارة الذوات. فقد بين التحليل النفسي أن للكلام تأثيرا كبيرا على كل انسان، لأنه هو الذي ينتقل به، وهو صغير، من الوضع الحيواني الى الوضع الاعتباري للذات الاجتماعية. ومن هنا، فاجتماعية الذات، أي انتماؤها وانخراطها في المجتمع، محكومة ومشروطة ومحددة بوظيفة الكلام داخل حقل اللغة. ولهذا، فالمحلل النفسي لا يكفّ، في كل لحظة من لحظات ممارسته، من التحقق من هذه المسألة: هل اللغة من انتاج الذات الانسانية أم أن الذات الانسانية هي التي تعتبر من انتاج اللغة؟
وإذا أراد المترجمون أن يأخذوا التصور النفساني بعين الاعتبار، فان الأمر يفرض أن نأخذ بعين الاعتبار القضايا الاتية:
* في نظر بيرالدي، لا ينبغي للمترجم أن يهتمّ بمدلولات النص وإيحاءاته فقط، بل عليه أن يحسن الاصغاء الى الدوال أيضا، وأن يعمل من أجل أن ينجح في تمريرها من خلال هذا الجسر الذي نسميه الترجمة، فما قد تقوله الدوال قد لا يخلو من أهمية، وقد تكون قيمتها أكبر، اذا أخذنا بعين الاعتبار قوة الدال في ترجمة الذات الانسانية.
* في نظر جنيت ميشو، اذا ركزنا على المادة المشتركة بين التحليل النفسي والترجمة، أي: لغة الذات الانسانية، فلابد أن نأخذ بعين الاعتبار تلك التعديلات والتغييرات الذاتية التي يمكن أن يقوم بها المترجم أو المحلل النفسي تحت تأثير مفعولات الكلام. وهنا يستحضر جنيت ميشو صراع التأويلات، أي صراع الذاتيات؟، الذي تعرفه ترجمة وإعادة ترجمة نصوص فرويد الى اللغة الفرنسية، مع أن ترجمة النص الفرويدي الى اللغة الانجليزية لا يثير سجالا أو صراعا. ولكن من جهة أخرى، يتبين أن النقاش الذي يدور حول شكل الكلمات والمفاهيم نقاش يوضح أن علاقة التحليل النفسي بالكلمات ليس تقنية بسيطة، فالتحليل النفسي يكسّر بعض الكلمات أو يعيد تركيبها بشكل اخر، فيحول دلالاتها ويحدث فيها « تحولا دلاليا جذريا»، كما وضح ذلك جاك دريدا في احدى دراساته.
* وبالنسبة الى جابرييل لويس موايال Gabriel Louis Moyal، فالترجمة فعل ذاتي نبيل، وما يجعل هذا الفعل ممكنا هو فعل الاعتقاد، فهذا الأخير هو الذي يدفع المترجم الى ركوب المخاطر وبذل المجهود وتكريس وقته للترجمة. ولا ينفصل فعل الاعتقاد هنا عن هذا النزوع الملازم للطبيعة الانسانية: البحث عن المعنى في هذا العالم، فترجمة نص أو خطاب ليس الا شهادة متجددة على امكانية ترجمة العالم الى معنى. وبالمقابل، يمكن للترجمة أن تكون فعلا خطيرا بسبب التغييرات الذاتية التي قد يجريها المترجم على مقاصد النص الأصلي، وخاصة عندما تتدخل رغبة المترجم وشخصيته، عن وعي أو لاوعي، في ترجمته، أو عندما يحكّم السياق العلمي أو الثقافي الذي ينتمي اليه.
2 ترجمة فرويد: أهي مهمة
لا بلا حدود؟
2 1 لنبدأ بترجمة فرويد الى اللغتين، الانجليزية والفرنسية:
في إحدى رسائله الى غرنست جونس، كتب فرويد يقول:
« أحيانا يتملكني الشعور بأنه لم يكن عليّ أن أكتب » Le moi et le ça « بما أن « le ça »
عبارة لا تمكن ترجمتها الى الانجليزية».
قد تفيد هذه القولة أن ترجمة فرويد الى الانجليزية لا شك ستعترضها صعوبات كبيرة، إلا أن الملاحظ أن الترجمات الانجليزية لا تثير الكثير من السجال والنقاش مقارنة بالترجمات الفرنسية، دون أن يعني ذلك عدم وجود انتقادات قوية للطريقة التي ترجم بها فرويد الى الانجليزية. ومن ذلك، يمكن أن نستحضر مقالة قوية لصاحبها برونو بتلهايم يوضح فيها كيف أن ترجمة جيمس ستراشاي James Stachey لمجموع أعمال فرويد، وهي الترجمة التي نشرتها Standard Edition ، قد عملت على تحويل ما ينبغي له أن يكون علما من العلوم الانسانية الى علم من العلوم الطبيعية، وهي بذلك تلغي البعد الذاتي الشخصي الحاضر في أعمال المنظّر والمحلل النفسي سيجموند فرويد.
ومع ذلك، ففي اللغة الفرنسية وهي اللغة التي غالبا ما نقرأ بها فرويد في المغرب ، نجد الترجمات العديدة، واعادات للترجمة تتجدد باستمرار، مما يوحي بأن ترجمة فرويد مهمة لامحدودة، تثير باستمرار نقاشات وسجالات وصراعات، هي في النهاية صراع تأويلات قلّما نجد له نظيرا في اللغة الانجليزية. ففي فرنسا، تبدو مسألة نقل تراث فرويد كأنها مسألة بعيدة عن الحل النهائي، ربما لأن الترجمة نفسها، كما يقول عبد السلام بنعبد العالي، هي عملية لانهائية، فكل ترجمة، والحالة هذه، هي نسخة عن نسخة وتأويل لتأويل.
ومع ذلك، فللمترجمة والمحللة الألمانية مارجريت كانيتزر رأي اخر في الموضوع نراه مهما، خاصة وأنها ألمانية قرأت فرويد في لغته الأصلية، محللة نفسانية وخبيرة في الترجمة اطلعت على الصعوبات التي تعترض زملاءها الفرنسيين.
في مقالتها: « ترجمة فرويد، مهمة بلا حدود»، توضح أن الترجمة هي اعادة انتاج، داخل لغة الاستقبال، للمقابل الطبيعي الأكثر قربا ما أمكن ذلك من الخطاب في لغته الأصلية، أولا من خلال المعنى، وثانيا من خلال الأسلوب. والمترجم، بهذا المعنى، ليس مجرد « تقني « لغوي، بل هو وسيط بين ثقافتين مصحوبتين بتاريخهما. والمترجم ليس كأيّ قاريء، فهو «يستقبل» النص الأصلي وهو يعرف أن من واجبه استنباته داخل سياق ثقافي جديد، وهو ما يعني أن الفهم عند المترجم هو أن يفهم نصا ما من أجل أحد ما.
وفي نظر المترجمة المحللة النفسانية، لابد للمترجم من الألمانية أن يأخذ بعين الاعتبار ما تتميز به النصوص العلمية، ومنها نصوص فرويد، في هذه اللغة:
* تشغل مصطلحات التخصص مكانة واسعة: مصطلحات تقنية، كلمات مركبة ...
* الأولوية للتركيب الاسمي مقارنة بالتركيب الفعلي.
* غياب التعابير ذات الايحاءات العاطفية
* الأسلوب متداول دون أن يخلو من جمالية اذا كان المؤلف قادرا على التعبير الجمالي.
وهكذا، فالنص العلمي في اللغة الألمانية لا يترك إلا حيزا ضيقا للتأويل، على عكس النص الأدبي. ففرويد شيّد مصطلحاته بإعطاء معاني جديدة لمصطلحات موجودة مسبقا، ولها في الغالب مرجعية كيميائية أو فيزيائية. وهذا ما وضحه فرويد نفسه في نص نشره سنة 1919: « المقارنة الدقيقة بين العمل التحليلي للطبيب وعمل الكيميائي». لكن هناك مصطلحات استمدها فرويد من اللغة العادية، ويستعملها أحيانا بمفهومها النفساني، ويستخدمها أحيانا أخرى بمختلف معانيها في اللغة العادية.
بعد أن استحضرت كانيتزر هذه العناصر المبادئ، عادت الى تأمل فرويد في اللغة الفرنسية، مسجلة في البداية أن أعمال فرويد متوفرة بأكملها في اللغة الفرنسية، وبترجمات مختلفة، الى حد أن أحد نصوصه، «La négation»، قد عرف الى حدود 1982 سبع عشرة ترجمة، ولاشك أن هذا العدد قد ازداد اليوم.
وتسجل المترجمة والمحللة النفسانية أن أغلب هذه الترجمات لأعمال فرويد فيها أخطاء، وتتمايز عن بعضها البعض في الأسلوب والمصطلح والمقروئية. فالترجمات الأولى التي أنجزت بالخصوص من طرف برمان وبونابارت وجانكيليفيتش ترجمات مقروءة بشكل جيد، لكنها لا تحترم المعنى دائما، وتبتعد في الغالب عن النص الأصلي. أما الترجمات اللاحقة، فبالرغم من أنها تأتي لتصحح الأخطاء، إلا أنها لا تملك كفاءة الترجمات التي جاءت لتنتقدها.
ففي سنة 1981، نشرت جريدة «لوموند» مقالا لصاحبه سيرج موسكوفتشي تحت عنوان: « متى سنترجم فرويد الى الفرنسية؟». وفيه ينتقد الترجمة التي أنجزها جانكيليفيتش لنص فرويد: « السيكولوجية الجماعية وتحليل الأنا «، مشيرا الى الأخطاء المرتكبة، ساعيا الى تصحيحها، لكنه هو الاخر لم ينج من الفخاخ التي يسقط فيها الهواة.
ومن أمثلة ذلك، هذه الفقرة التي ترجمها جانكليفيتش على هذا الشكل:
» L'hypnose peut à bon droit être considérée comme une foule à deux; pour pouvoir s'appliquer à la suggestion, cette définition a besoin d'être complétée : dans cette foule à deux, il faut que le sujet qui subit la suggestion soit animé d'une conviction qui repose non sur la perception ou sur le raisonnement, mais sur une attache érotique. «
إن الهوية التي تحدث عنها «موريس بلانشو» ليست بوضوح هوية العمل الأصلي أو بالأحرى الهوية التي تقوم مقامه، فهي ليست خلفها أو فوقها بل هي بينها وبين انتقالها . إن هوية العمل هي مصدر لا يستطيع بكل الطرق أن يبقى رهن ذاته، رهن المطلق. فالقصيدة الخاضعة للترجمة تحضر باعتبارها «ظاهرة في مرحلة اللااستقرار «. حسب تعبير
«جاك غاريلي». على الأقل إذا ما اعتبرناها كائنا حيا في سبات مؤقت داخل عمق كتاب.
إن الشكل الذي تقدمه بخداع على الورق لا يمثل إلا مرحلة التدرج في المجرى الذي وضعها فيه الكاتب و المترجم و القارئ (الترجمة لعبة يمارسها ثلاثة لا اثنان ).
إن ثباتية شكل شعري معين هي رؤية عقلية فيصبح هذا الشكل هو ذاته أو بالأحرى يقع على ذاته و يخلق نفسه بشكل من الاشكال بفضل قراءة تثير «تحرض» امكانية النص الداخلية نحو اللحظة التي يتحول فيها و يأخذ أحد أشكاله الممكنة على الأقل في ارتباط بالتحريض الذي هو موضوعه .
وهو تحول يسمح بادخار «الشيء الذي ليس مجانا » كل تفوق وهمي .
النص الشعري دائما ينتظر وجوده.
إن شرعية ترجمة ما تعود إلى الطريقة التى تحتوي بها على صدى النص الذي انطلقت منه هل هي قابلة لان تلتقي مع الأصداء التي يحدثها هذا النص عند قارئه. إن أثار قصيدة ما سواء قرئت في كار كاس أو في بروكسيل هي مبهة إلى الأبد، و عابرة. إضافة إلى ذلك، ورغم ذلك، فلنقرأ فاليري مجددا:»الترجمة هي حقا إعادة بناء سريعة لأثر إحدى القضايا». إن مصطلح إعادة البناء يتضمن إبداعا يرفض في نظري الطبيعة الذاتية لكل قصيدة، و التي تتجسد في تقديم (سأستعير هذه الكلمات من «بروغوجين») «بنية متلفة» مكرسة لتفتيت غير متوقع كليا في حقل تلقيها .
إن المترجم لا يتصرف في أثار القصيدة ولا في قضاياها (الشيء الذي يستجيب لفلسفة ليست تجريبية، ولكنها وضعية بشكل أضيق). إنه لا يتصرف في المجمل إلا في نص عليه أن يفك رموزه في عمقه الثابت عبر قراءات واحدة و لنقل لا نهائية. ويجب الاحتراس من تخديرها داخل شبكة دلالية محلية أو مزاعم محدودة .
ولأنها حية فإن البنية ليست أقل مناسبة لعمل أدبي، بل أيضا و خاصة بنية مفتوحة. فعلى أي مستوى يتم التبادل مع الخارج؟ أقصد حيث يوجد الأوكسجين. وطيلة فترة تكونها وإذا ما تحررت من الاجتماعي لتحقيق لنفسها الانفصال فإنها بعيدة عن أن تكون «شيئا منقطعا عن العالم «(غاريلي).
غير أننا نجهل مطلقا ماذا تفعله قصيدة في طور التشكل، وماذا تفعل حقيقة أواصرها مع محيطها. لا يمكن للمترجم إلا أن يتمنى أن يكسب نصه مجموعة من انعكاسات، هذا الكون الذي لم يتشكل بطريقة اصطناعية (كما تتمنى العقلية الفاليرية) لكنه يعيش بطريقة جديدة نوعا من التطابق التوليدي و الخلاق مع الآخر، حيث تتحدان دون أن يختلط الآخر بالأنا .
إن الآخر هو من أرافق .وهذه المرافقة تفرض حيادا و انفصالا أصليا . ألا يحدد هذا الحياد مسافة يتخذها الكاتب تجاه ذاته فتكون شرطا لوجود القصيدة حيادا مثل هذا التصدع وسيلة لملء بعض الفراغ النفسي (الشيء الذي يجعل من القصيدة وسيلة علاجية ).
إن الكاتب وهو يبحث عن نفسه لا يعرف هذا الانصهار الكلي مع نفسه مما يدل بتزامن مع نظرته على فراغه الخاص. وهذه النظرة تحديدا تحمل بدورها المترجم بشراكة مع الآخر فوق الأشياء، فوق العالم، فوق الوجود.
يجد المترجم نفسه قريبا للغاية ومنفصلا بشكل نهائي في الآن ذاته عن النص الأصل، مثلما كان الكاتب قريبا ومنفصلا عن نصه وعن ذاته. تبرز هذه المعادلة مفارقة يمكن أن نسميها شرعية «وفاء»الترجمة. والوفاء بهذا
المعنى يرتكز على تحديد الخصائص الجوهرية للقصيدة وعلى احترامها في المنحدر الآخر للنص، في أرضه الثانية، وهذا ما قام به «الفريدو سيلفا إيسترادا» في ترجماته النموذجية لقصائدي. يقدم النص الاسباني عبر أبيات حرة مشاعة بشكل محدود، تظهر في لغة أكثر صوتية في جوهرها، أكثر إيقاعية من اللغة الفرنسية، حيث كل عنصر يتطلب مساحة أكثر. يمكن أن نعتقد في أن تشظية النص الاسباني تحدث تغييرا في إيقاع اللغة الفرنسية، لكن ذلك خطأ مادام إحساس القارئ بالإيقاع الخفي هو تحديد الإحساس ذاته ضمن نسب أخرى مقارنة مع القارئ الاسباني. إن ترجمة «سيلفا ايسترادا» لا تكشف عن المضمر ولا تريد قول ما يوجد تحديدا من إجل ألا يقال .إنها تنقل المضمر من سجل كان فيه على علاقة مع مكوناته اللسانية نحو سجل آخر يصبح فيه من جديد على علاقة مع مكونات أخرى. مهمة كهذه لا تخص إلا البنيات السطحية . إن إيقاع الترجمة يتأثر ب» بياضات» النص الذي ينتج»دلالته» «انطلاقا من انقطاع العناصر المضمرة» (اقتبس هذه العبارات من جان_ميشيل راي). وهذا الانقطاع المضمر من جانب والجلي من جانب آخر يفرض سيرورة استقرائية تعني»إلغاء كل مرجعية استعلائية».
لم يوافق موسكوفتشي على الترجمة المقترحة للجملة التي تحتها سطر، أي التي تفيد:
» compléter la définition de la suggestion « ، فاقترح البديل الاتي:
» Pour la suggestion est superflue la définition d'une conviction qui n'est pas fondée sur la perception et le travail mental mais sur un lien érotique. «
قد يبدو نقد موسكوفيتشي مقبولا وسليما :يتحدث جانكليفيتش عن التعريف الذي يحتاج الى الاكتمال، في حين أن ما يقصده فرويد هو التعريف الفائض، وهو بذلك يقصد عكس ما يرمي اليه مؤسس التحليل النفسي.
لكن موسكوفيتشي، وهو يحاول تصحيح خطأ يرتكب خطأ اخر في نظر مارجريت كانيتزر، والترجمة الصحيحة بهذا الصدد هي التي ظهرت سنة 1981 في دار النشر الفرنسية Payot :
» L'hypnose peut prétendre à juste titre à cette appellation : une foule à deux ; il reste comme définition de la suggestion : une conviction qui n'est pas fondée sur la perception et le travail de pensée, mais sur un lien érotique. «
ومن هنا، يبدو أن المترجمين معا، جانكليفيتش وموسكوفتشي، لم يفهما العبارة الألمانية: erübrigen ، هذه العبارة التي لم تعد تستعمل اليوم بالمعنى الذي كان يقصده فرويد: بقي ،  rester . لكن ينبغي للمترجم المحترف أن يبحث عن معنى عبارة ما في علاقة بسياقها التاريخي.
وفي نظر المترجمة والمحللة النفسانية الألمانية، فهذا النوع من المشاكل نجده في الترجمات الجديدة لأعمال فرويد أيضا، وخاصة تلك التي نشرتها المنشورات الجامعية الفرنسية PUF تحت اشراف لابلانش Laplanche . ومثال ذلك هذه الجملة الغريبة التي وضع تحتها سطر في هذه الترجمة:
»  ( ... ) avec la vacance du complexe d'dipe, l'enfant a dû renoncer aux investissements d'objet intenses qu'il avait placés chez ses parents ... « 
بلا شك، سيتساءل القارئ: ما معنى هذا الكلام؟ والمعنى لن يظهر الا مع الترجمة الصحيحة التي نشرتها دار Gallimard سنة 1984، وهي من انجاز زيتلين Zeitlin:
»  ( ... ) en abandonnant le complexe d'?dipe  , l'enfant a dû renoncer aux investissements d'objets ... «  
والعبارة الألمانية التي خلقت مشكلا في هذه الجملة هي: Auflassen التي يمكن فعلا أن تفيد في اللغة العادية: » laisser ouvert «، لكنها هنا مستخدمة بمعنى لا نجده الا في النمسا : غادر Abondonner. وينبغي للمترجم الخبير أن يأخذ بعين الاعتبار الاستعمالات الجهوية للعبارة.
وهذه الترجمات الجديدة التي ظهرت في المنشورات الجامعية الفرنسية تثير، في نظر مارجريت كانيتزر، مشاكل أخرى. ذلك أن الفريق الذي تكلف بهذه الترجمات يريد أن يعيد بناء فرويد انطلاقا من فرويد نفسه، باعادة انتاج التركيب الألماني. وهكذا عمل الفريق على تغيير بعض الاصطلاحات القائمة:
» souvenir ? couverture « بالسبة الى » souvenir ? écran « ، أو » refusement « بالنسبة الى » frustration « ...الخ.
وعمل الفريق على احداث العديد من التغييرات في المصطلحات الفرنسية، كما تمّ الغاء تعدد معاني المصطلح الواحد الذي يستعمل في سياقات مختلفة من أجل الحفاظ على ما يسميه الفريق ب « الاستمرارية». وصرنا، تقول المترجمة والمحللة النفسانية الألمانية، أمام فرويد جديد، لكنه بالطبع لم يعد هو فرويد الأصل.
يعتقد هذا الفريق أن فرويد يستعمل الألمانية بطريقة خاصة، ولهذا من الضروري ترجمته الى فرنسية خاصة، فلا بدّ للتّرجمة أن تؤدّي غريب اللّغة الأجنبيّة وغرابتها، أي الجرمنة، وهذه المهمة لا يمكن أن يقوم بها إلا « المترجم الفرويدي» »  traducteur freudologue «.
لكن الواقع، تقول مارجريت كانيتزر، أن فرويد لم يكن يستعمل الا المصادر الطبيعية للغته الألمانية، بينما نجد هذه الترجمات الفرنسية الجديدة تستدعي مصادر لغة غريبة، وهم بذلك يتعارضون مع المبدأ الذي انطلقنا منه: اعادة انتاج، داخل لغة الاستقبال، للمقابل الطبيعي الأكثر قربا ما أمكن ذلك من اللغة الأصلية.
يرفض هذا الفريق « الفرنجليزية le franglais « باعتبارها لغة تقدم تراكيب أو كلمات تمزج بين الفرنسية والانجليزية، لكنهم لا يترددون في تغيير صورة اللغة الفرنسية، وذلك بتغيير بنيتها في التركيب والأسلوب وبناء الكلمات، أو بإدراج كلمات غريبة وحشية جذورها وحدها التي تبقى فرنسية. ويقوم الفريق بكل ذلك، وهذا هو وجه التناقض، من أجل « فرنسية ألمانية « أو فرنسية « مصنوعة في ألمانيا « تدمر المظاهر الطبيعية للغة الفرنسية.
وفي الأحوال كلها، من الضروري أن يستخدم المترجم المصادر الطبيعية للغته، ولاشيء يسمح له، في نظر الخبيرة الألمانية في الترجمة والتحليل النفسي، بابتكار مصطلحات جديدة أو احياء كلمات ميتة لم يعد يفهمها أحد. وتنطبق هذه الملاحظة، مثلا، على كلمة: « sehnsucht « التي تعني « الرغبة العنيفة الموجعة»، وهي عبارة تترجم بطرق مختلفة حسب السياق، فالرغبة هاته في التقاعد ليست مثل الرغبة في أن تكون محبوبا مثلا، وتبعا للسياق تختلف ايحاءات هذه الكلمة. ويستعمل فرويد هذه الكلمة في معانيها الطبيعية الجارية، في حين نجد هذا الفريق من المترجمين الفرنسيين الجدد يلجأ الى كلمة فرنسية قديمة لا يمكن للقارئ أن يدرك حمولتها: « désirance «، فيبدو الأمر كما لو أننا أمام ترجمة تحتاج هي الأخرى الى ترجمة. ويزداد الأمر تعقيدا عندما نجد مصطلحات أخرى أشد غرابة في ترجمات هذا الفريق، من قبيل:
» surmontement «, » influencement «, » significativité «, » consciencialité «, » le devenir ? conscient «,.......................................
وإجمالا، ففي هذه الترجمات الجديدة لأعمال فرويد الى الفرنسية تختفي بساطة فرويد وأسلوبه السلس البسيط وراء معجم اصطناعي وتركيب أكثر تصنعا، بادعاء ترفضه الخبيرة الألمانية في الترجمة والتحليل النفسي، وهو أن فرويد يمثل هو نفسه الغرابة داخل لغته الأصلية.
2 2 لكن ماذا عن ترجمة فرويد الى اللغة العربية؟
هل نقول ان العربية قد كانت محظوظة لأن أهم كتاب عند فرويد « تفسير الأحلام « قد قام بترجمته المحلل النفسي مصطفى صفوان المعروف بالترجمة عن الألمانية، ويقال ان ترجمته لهذا المؤلف المهم أفضل من الترجمة الفرنسية نفسها؟
تعود هذه الترجمة الى أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، والأمر، ربما، لا يدعو الى التفاؤل في الوقت الراهن، اذ يكفي أن نلاحظ أن أغلب أعمال فرويد تترجم من اللغة الفرنسية أو الانجليزية لا عن لغتها الأصلية، مما يجعل خيانتنا، على حد تعبير عبد السلام بنعبد العالي، خيانة مضاعفة. والأكثر من ذلك، يكفي أن نتساءل: هل أعاد العرب ترجمة فرويد كما جرى في فرنسا مثلا؟ هل يتوفر فرويد بالكامل في العربية بترجمات لا تدعو الى إعادة الترجمة؟ هل انتقلت ترجمة فرويد عندنا من عصر ذهبي إلى وضع مأساويّ؟
في مقالة تحت عنوان: « شجرة تكشف الغابة، الترجمات العربية للمصطلحات الفرويدية «(9) ، تشدد الجامعية والمحللة النفسانية التونسية رجاء بن سلامة على ضرورة وضع ترجمة فرويد في إطار مسألة ممارسة الترجمة في العالم العربي. وهي مسألة بنيوية تتعلق بغياب قاعدة مؤسّسيّة على المستويين المحليّ والإقليميّ لهذه الممارسة. فقد تمّ خلال سنة 2006 إنشاء «فريق المحلّلين النّفسانيّين النّاطقين بالعربيّة» في الرّباط، ولكنّه لم يبدأ العمل بعد. كما تمّ عقد عدّة مؤتمرات، لكن المؤتمرات لا يمكنها أن تغني عن المؤسّسات أو أن تحلّ محلّها.
وعلينا أولا، تقول الجامعية التونسية، أن نلاحظ عدم وجود مشروعين ضروريّين من أجل ترجمة التّحليل النّفسي ونشره في العالم العربيّ:
أ- مشروع نشر الأعمال الكاملة لفرويد: فجميع محاولات التّرجمة كانت فرديّة أو بين فردين، إذ حمل جورج طرابيشي وحده على سبيل المثال عبء ترجمة ثلاثة وثلاثين نصّا من نصوص فرويد. وقد اقتصرت بدايات المأسسة على فريق كان يقوده مصطفى زيور (أساسيّات التّحليل النّفسي) وهو ما أدّى إلى ترجمة الأعمال التّالية:
* حياتي والتّحليل النّفسي، عبد المنعم المليجي ومصطفى زيور، 1957.
* تفسير الأحلام، مصطفى صفوان، 1958.
* الموجز في التّحليل النّفسي، سامي محمود عليّ وعبد السّلام القفّاش، 1962.
* ثلاث مقالات في نظريّة الجنس، سامي محمود عليّ، 1963.
* خمس حالات من التّحليل النّفسيّ، صلاح مخيمر وعبده ميخائيل رزق، 1973.
* خمس محاضرات في التّحليل النّفسي، نيفين زيور، د.ت.
ب- مشروع توحيد المعجم الاصطلاحي: ففي حين تعود المحاولات الأولى لتوحيد المصطلحات الفرنسيّة للتّحليل النّفسي إلى سنة 1926 (تاريخ تأسيس اللّجنة اللّغويّة لتوحيد مصطلحات التّحليل النّفسي الفرنسيّة)، فإنّنا نلاحظ انعدام أيّ جهد من هذا القبيل في العالم العربيّ.
ذلك أن المصطلح النفسي العرب، كما سجل ذلك الباحث المغربي في علم النفس الدكتور أحمد المطيلي(10) ، يشكو من اختلالين كبيرين: الأول اختلال كمّي، ويتخذ هذا الاختلال ثلاثة مظاهر أساسية: التضخم والقصور والتعدد، فبعض المصطلحات تعرف تضخما وتعددا في الترجمات، في حين لا نجد أيّ مقابل في العربية للعديد من المصطلحات النفسية. والاختلال الثاني كيفيّ، ويتوزع الى فرعين: اختلال منهجي يتصل بالطرق والقواعد المتخذة في وضع المصطلحات، واختلال مرجعي يتصل بانحصار الترجمات العربية في اللغتين الفرنسية والانجليزية دون الانفتاح على المرجعيات النفسانية باللغات الانسانية الأخرى، ودون استحضار المصطلحات النفسية العربية الموروثة.
ومن أجل تجاوز هذا الوضع، يقترح الباحث المغربي معالجة مشكل البحث العلمي ودعم حركة التدريس والتأليف والنشر في مجال علم النفس داخل الوطن العربي. أما المحللة النفسانية التونسية رجاء بن سلامة، فهي ترى أن النّهوض بعبء التحديّات الرّاهنة، بالنّسبة الى ترجمة أعمال فرويد في العالم العربي، يتطلّب:
* ضرورة وجود قاعدة مؤسسيّة لترجمة مؤلفات التّحليل النّفسيّ، وهو ما نفتقر اليه حتّى الآن في العالم العربيّ.
* إخراج التّرجمة من السّجلّ التفجّعي السائد اليوم في فرنسا كما في العالم العربي: فقدان النص الأصل، فقدان الاباء المترجمين الأوائل، بإحلالها أي الترجمة في إطار البناء الإبداعيّ للنّظائر، بدل إحلالها في سجلّ فقدان نصّ المعلّم المؤسس أوالمعلّمين الأوائل الذين ترجموا أعماله.
* إبراز خصوصيّة التّرجمة والتّحليل النّفسي، ومن مظاهر هذه الخصوصية تلك الأمنية التي أعرب عنها فرويد بشأن ترجمة كتابه «تفسير الأحلام» : «في 24 كانون الأوّل/ديسمبر من سنة 1921 ، أسرّ فرويد لغاستون غاليمار قائلا :»... على المترجم... أن يكون في أعماقه محلّلا نفسيّا ويستبدل جميع الأمثلة بأمثلةٍ من لغته الأمّ».
3 قد تبدو ترجمة فرويد وإعادة ترجمته إلى الفرنسية، مثلا، كأنها مهمة بلا حدود، محفوفة بالكثير من المزالق والمخاطر؛ لكننا، في العالم العربي، مدعوون، ربّما، إلى العكس تمامًا:
* أولا، نحن في مسيس الحاجة إلى ترجمة أعمال فرويد كلها إلى اللغة العربية.
* ثانيا، تدعو الضرورة إلى إعادة ترجمة بعض أعمال فرويد التي لم تكن ترجمتها إلى العربية
موفقة.
* بالرغم من أهمية المبادرات الفردية التي تستحق الدعم والتشجيع، لابد من قاعدة مؤسّسية
تحتضن الأعمال الفردية والأعمال الجماعية في إطار مشاريع محكمة وواضحة، ولابد من العمل
على توحيد المصطلح النفسي على صعيد الوطن العربي.
* وفوق كلّ ذلك، فإن التفكير في ما يجمع بين الترجمة والتحليل النفسي عملٌ لا يمكن إلا أن يفيد
الحقلين معًا، بل إنه يفيد كلَّ منشغلٍ باللغة مشتغلٍ بها، كلّ من يفتتن باللغة ويفكّر فيها.
هوامش:
1 - Ginette Michaud : Psychanalyse et traduction, voies de traverse, in : Traduction,
Terminologie, rédaction, vol.11, n2, 1998, p 9-37.
2- François Peraldi : Psychanalyse et traduction, in : Meta, Journal des traducteurs,
vol.27, n 1, 1982,p 9-25.
3 المرجع نفسه.
4 المرجع نفسه.
5-- Gabriel Louis Moyal : Interprétation et fétiches : entre traduction et psychanalyse,
in : Traduction, terminologie, rédaction, vol.11, n2, 1998, p 131 ? 151.
6- Lettre de Freud à Jones du 7 ? 3 ? 1926, publiée in : The complete correspondance of
Sigmund Freud and Ernest Jones, The Belknap Press of Havard university
press, 1993.
7- Gabriel Louis Moyal, ibid.
8- Margarette Kanitzer : Traduire Freud, une mission sans limite, in : Analuein, Le
Journal de la F.E.D.E.P.S.Y., n2, Avril 2002, Strasbourg.
9- Raja Ben Slama : L?arbre qui révèle la foret, Traductions arabes de la terminologie
freudienne, in : TansEuropéennes, revue internationale de
Pensée critique, 2012.
10 أحمد المطيلي: أزمة المصطلح النفسي العربي،، مجلة العربية والترجمة، العددان 5 و 6، خريف 2010 / شتاء 2011، ص 79 127.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.