1- قراءة أفقية نشير في بداية مقاربتنا لوضعية الترجمة في كلية الآداب بالرباط على مستوى الإجازة خلال الإصلاح الجامعي (2003/2009)- استنادا إلى تصور يعتبر الترجمة ممارسة ثقافية /سياسية /اجتماعية/تواصلية ، تغني اللغة والثقافة الأم باشتغالها على لغة الآخر وفكره وجماليته- (نشير) إلى عدم وجود مسلك خاص بالترجمة في هذه المؤسسة ،1 أو ماستر تدرس فيه بصفتها تخصصا معرفيا ولو إلى جانب تخصصات أخرى من قبيل : - ماستر الترجمة الثلاثية ، و ماستر ترجمة و أدب مقارن بكلية الآداب بالمحمدية. - ماستر اللغات والمعلوميات والترجمة بكلية الآداب ببني ملال. تدرس الترجمة على مستوى الإجازة بكلية الآداب بالرباط إذن، بصفتها مادة من المواد المقررة ضمن مناهج مجمل مسالك اللغة والأدب.فمسلك الدراسات الفرنسية يتجاهل مادة الترجمة تجاهلا تاما في المواد المقررة للطلبة، ومن بينها- ويا للمفارقة - تاريخ الأفكار وآداب مقارنة و مادة التواصل. إلا أن درجة تهميش الترجمة بواسطة إدراجها ضمن مسالك تهتم أساسا بقواعد اللغة والأدب تختلف مع ذلك من مسلك لآخر ، بسبب تباين التصورات وتفاوت الاستعدادات.وفي هذا السياق، نذكر أن الكفاءات المتخصصة في الميدان والقادرة على تدريس الترجمة- بصفتها فنا صعبا يقف وراءه تاريخ طويل من الممارسة تمخض عنه تأمل وتفكير نظري متشعب تشعب مجالات الترجمة وهي تفتح آفاق التخصصات على بعضها - كفاءات نادرة بمؤسستنا. تترجم ذلك بداية طبيعة الوحدات التي تدرس فيها مادة الترجمة والتي تترك المجال واسعا لتدخل أساتذة اللسانيات والأدب . 1-1 نلاحظ و نحن نتأمل على مستوى الكم حضور الترجمة في مسالك الكلية، أن مسلكي الدراسات الألمانية والإنجليزية يأتيان على رأس القائمة بتدريس مادة الترجمة في أربع وحدات موزعة على أربعة فصول، يليهما مسلك الدراسات الإيطالية بثلاث وحدات تتوزع على ثلاثة فصول ، فمسلك الدراسات الإسبانية بوحدتين في فصلين ، وفي آخر القائمة يأتي مسلك الدراسات العربية بوحدة في فصل واحد تضم مجزوءتين :مجزوءة" الترجمة الأدبية" ومجزوءة " تقنيات الترجمة". ولا تتباين مسالك الكلية في عدد الوحدات التي يتم فيها تدريس الترجمة فحسب ، وإنما تتباين أيضا في تقديرها لنقطة البدء في تدريس المادة للطلبة، حيث يتم تدريسها لطلبة الدراسات الإنجليزية ابتداء من السداسي الثاني ولطلبة الدراسات الإسبانية والألمانية في السداسي الثالث ،ولطلبة الدراسات الإيطالية في السداسي الرابع، أما طلبة الدراسات العربية فلا يشرعون في دراسة مادة الترجمة إلا في السداسي السادس ، مع العلم أن طلبة الأدب إجمالا ? وبخلاف طلبة العلوم - يلتحقون بالكلية دون أن يكونوا قد تلقوا أي تكوين مسبق في مجال الترجمة. وإذا كان بإمكاننا - نسبيا- تبرير تأخير تدريس الترجمة في بعض مسالك اللغات الأجنبية إلى حدود السداسيين الثالث والرابع بشرط الازدواجية اللغوية، أي بضرورة تقدم الطلبة في اكتساب الأداة اللغوية الأجنبية إلى جانب الإحاطة باللغة الأم، فبماذا سنبرر إهمال تدريس الترجمة في مسلك الدراسات العربية إلى حين وصول الطلبة إلى السداسي السادس ونحن نعلم مسبقا بأن اللغة الفرنسية -التي تمثل اللغة المصدر في المجزوءتين المخصصتين للترجمة في هذا المسلك - تعد من بين أهم عناصر تكوين التلاميذ المغاربة منذ المرحلة الابتدائية ؟ أبغياب الأطر ؟ أم بتدني مستوى الطلبة اللغوي ؟ أم بعشوائية المناهج ....؟ إلى هذا السؤال ينضاف سؤال آخر له علاقة بوتيرة حضور مادة الترجمة(ساعتان في الأسبوع) في فصول بعض مسالك اللغات الأجنبية:وفق أي منطق تحضر مادة الترجمة وتغيب في مسلكي الدراسات الإنجليزية والإسبانية ؟ فمن الملاحظ أن تدريس الترجمة يسير وفق جدول متصل في مسلكي الدراسات الألمانية والإيطالية-السداسي الثالث والرابع والخامس والسادس بالنسبة للألمانية،والسداسي الرابع والخامس والسادس بالنسبة للإيطالية- في حين لا تدرس الترجمة في مسلك الدراسات الإسبانية إلا في السداسيين الثالث والخامس،و في مسلك الدراسات الإنجليزية تحضر ضمن المواد التي يدرسها الطلبة في السداسي الثاني والثالث والخامس والسادس ،و تغيب في السداسي الرابع . 1-2 نلاحظ أيضا أن مسلكي الدراسات الإنجليزية و الإيطالية يأتيان على رأس المسالك التي تربط ربطا مباشرا بين الترجمة و دراسة اللغة : في مسلك الدراسات الإيطالية لا يتم تدريس مجزوءة الترجمة إلا ضمن وحدات مخصصة لنحو اللغة الإيطالية وتاريخها ، أو لعلم اللغة والترجمة ، وفي مسلك الدراسات الإنجليزية يشير إدراج مادة الترجمة في السداسي الثاني ضمن وحدة :"الإنجليزية لأغراض مهنية" ،وضمن وحدة" دراسة اللغة" في السداسي الثالث ، ووحدتي " لغة وتواصل" في السداسيين الخامس والسادس ،إلى اعتبار الترجمة في المجمل نشاطا تابعا لعلم اللغة. يلي هذين المسلكين مسلك الدراسات الألمانية ، الذي لفت انتباهنا فيه نقل الترجمة من فضاء التفاعل الثقافي وتداخل الاختصاصات الذي أدرجت فيه في السداسيين الثالث والرابع ? ولو بالصورة التقليدية (Thème et Version) المنتشرة في برامج التعليم الثانوي بفرنسا- إلى فضاء لغوي محض في السداسيين الخامس والسادس : وحدة "اللغة الألمانية" . أما في مسلك الدراسات الإسبانية فتحظى الترجمة بوضعية خاصة بصفتها فنا مركزيا كما يدل على ذلك توسيع أفقها بواسطة الربط بينها وبين الآداب العامة والتاريخ ، حيث تشكل الترجمة عنصرا أساسيا في عنوان الوحدتين اللتين تدرس فيهما كمجزوءة : - ترجمة وآداب عامة. - تاريخ وترجمة . وإذا كان تدريس الترجمة في مسلك الدراسات العربية ضمن وحدة:" الأدب العربي والعالمية " يعطي الانطباع في البداية بالاندراج ضمن نفس الفضاء الرحب نتيجة أفق الانتظار الذي يخلقه عنوان الوحدة ،فإن نقط الاستفهام ما تفتأ أن ترتسم بمجرد ما يتم التأمل في أهداف المجزوءتين المخصصتين للترجمة وترتيبهما : " الترجمة الأدبية " و" تقنيات الترجمة" ؟ ولعل أول سؤال يفرض نفسه على كل من يطلع على ترتيب الأهداف المسطرة للمجزوءتين المخصصتين للترجمة ، في ظل غياب تدريس مادة الترجمة طوال الفصول الخمسة من التكوين بالمسلك ، هو السؤال الآتي : وفق أي منطق يتم تأخير تدريس مجزوءة " تقنيات الترجمة " -التي يتوخى منها بداية تعليم طالب الدراسات العربية ألف باء عملية الترجمة بدءا بمفهومها وأنماطها وأنواعها ...- إلى ما بعد مجزوءة "الترجمة الأدبية" التي يكون فيها على هذا الطالب التعامل مع أفكار منظرين كبار، أمثال هنري ميشونيك، والتحليق في عوالم المثاقفة عبر التفكير في أسئلة من قبيل : كيف تصبح الترجمة وسيلة للانفتاح على قضايا الهوية والعلاقة بالآخر من منطلق الإيمان بالتعدد والاختلاف ؟ هل تصير الترجمة في سعيها إلى مد الجسور الواصلة بين الثقافات ، الجواب الثقافي على تحديات العولمة وهي تروج لأسطورة اللغة العالمية الواحدة؟ ما هي السياسات التي تحكم انتقال النصوص بين الثقافات تعميما والثقافة العربية على وجه الخصوص ؟2 1-3 إ ن الحرص على الربط بين تدريس الترجمة و تدريس اللغة في وحدات مجمل مسالك اللغات الأجنبية، يدفعنا إلى البحث في وضعية اللغة العربية بصفتها اللغة الهدف والمصدر في مسالك الدراسات الأجنبية، ووضعية اللغة الفرنسية بصفتها اللغة المصدر في مسلك الدراسات العربية. إذا استندنا إلى عاملين: - عامل تدني مستوى إتقان التلاميذ للغة العربية ،وللغات الحية إجمالا، بالمؤسسة التعليمية العمومية المغربية. - وعامل كون إتقان اللغتين المنقول منها والمنقول إليها من بين الشروط المبدئية للنشاط الترجمي ، سنستنتج بأن الاهتمام باللغة العربية (ساعتان في الأسبوع) في مناهج مسالك اللغات الأجنبية والاهتمام بالفرنسية و اللغات الحية تعميما(ساعتان لكل لغة) في مناهج مسلك الدراسات العربية اهتمام ضعيف في المجمل. ففي مسلك الدراسات الألمانية لا تدرس اللغة العربية سوى في السداسيين الأول والثاني, حيث يتم تعويضها باللغة الإنجليزية ابتداء من السداسي الثالث، في حين تلازم الفرنسية الطلبة منذ السداسي الأول إلى حدود السداسي السادس الذي يتوقف فيه الطلبة عن دراسة اللغات. وفي مسلك الدراسات الإنجليزية تحضر العربية في السداسي الأول والثاني والخامس والسادس و تغيب في السداسيين الثالث والرابع، بخلاف الفرنسية التي لا يتم تجاهلها إلا في السداسي الخامس. و لنفس" اللامنطق" في الحضور والغياب يخضع تدريس العربية أيضا في مسلك الدراسات الإيطالية ، فهي تدرس إلى جانب الفرنسية في السداسيين الأول والثاني ، تغيب في السداسيين الثالث والرابع لتعوضها الإنجليزية إلى جانب لغة تكميلية ، و تظهر من جديد إلى جانب الفرنسية ولغة تكميلية في السداسي الخامس الذي يمثل آخر مرحلة لتدريس اللغات بالمسلك. أما في مسلكي الدراسات الإسبانية والعربية فيختلف الأمر قليلا بالنسبة لتواتر تدريس لغة الترجمة واللغات الحية تعميما : في مسلك الدراسات الإسبانية، تلازم العربية الطلبة إلى جانب الفرنسية ولغة أجنبية ثالثة (الانجليزية) في جميع المراحل باستثناء السداسي الخامس . وفي مسلك الدراسات العربية، يتم تدريس الفرنسية للطلبة إلى حدود السداسي السادس الذي يتم فيه تجاهل اللغات أتعلق الأمر بالفرنسية أم بالانجليزية أم بلغة أجنبية اختيارية ابتداء من السداسي الثالث. بهذا يبدو واضحا -رغم التفاوتات التي سجلناها - أن الاهتمام باللغة العربية في مسالك اللغات الأجنبية، و باللغة الفرنسية في مسلك الدراسات العربية ، واللغات الحية إجمالا في مختلف مسالك الكلية ، اهتمام ضعيف في مجمله و "لا يقوى على معالجة النقص الحاصل في المعرفة اللغوية لدى معظم طلاب الجامعة". وهو بذلك لا يفي بأهم الشروط المبدئية للنشاط الترجمي ، و لا يتلاءم مع ما نص عليه ميثاق التربية والتكوين الخاص بتنظيم التعليم العالي في مادته الأولى على ضرورة إتقان اللغات الأجنبية . مما يفيد، أنه بعيد عن تلبية" ما يفرضه الوضع الحالي لسبل الاتصال والتواصل من ضرورة التفاعل بين اللغات الحية وضرورة انفتاح بعضها على بعض في إطار من التثاقف العام وتبادل الخبرات والتجارب ، بما يحقق منافع الناس في شتى ميادين الحياة العلمية والثقافية والاقتصادية وغيرها".3 2-مشروع قراءة عمودية استنتجنا من خلال إفادات بعض أساتذة الترجمة4 بخصوص مقررات المادة والأهداف المسطرة لها، ومن خلا ل الاطلاع أيضا على بعض المحاضرات، 5 تلازم أنواع متباينة من الترجمات في مجمل حصص الترجمة بمسالك اللغات والآداب بالكلية : الترجمة التعليمية والترجمة المهنية والترجمة الأدبية / الفكرية ( الأدب والتاريخ والفلسفة،...) . ويعود هذا التلازم في الأساس إلى رغبة الأساتذة- على اختلاف توجهاتهم وعلائقهم بمجال الترجمة- في أن يكونوا طالبا مجيدا للغات و قادرا في نفس الوقت على كسب عيشه من الترجمة و على خلق حوار بين ثقافته وثقافة الآخر . إلا أن هذه الرغبة في الجمع بين تعلم اللغة وتكوين المترجم، تغض الطرف عن خصوصيات وشروط كل نمط. فإذا كان تدريس الترجمة يرتبط بالأعمال التي تقترح منهجية تحليل للمعنى وللوقائع الأسلوبية مصحوبة بتمارين تطبيقية معدة بإتقان، فإنه شديد الارتباط أيضا بالأعمال التي تحدد خصوصيات كل نوع على حدة. 2-1 الترجمة التعليمية : إن اعتبار الترجمة أداة أساسية لإتقان اللغة الأجنبية والتعمق في اللغة الأم،أمر يتفق عليه كل الأساتذة الذين يتكلفون بتدريس مادة الترجمة في كلية الآداب بالرباط :أتعلق الأمر بأساتذة اللغة الذين يصلون قضايا وإشكالات الترجمة بعلم اللغة ، لتتحول حصص بعضهم بفعل ذلك - وتحت تأثير ضعف مستوى الطلبة اللغوي أيضا - إلى دروس لغوية صرفة، كما تعبر عن ذلك عناوين هذه المحاضرات التي تلقاها طلبة الدراسات العربية في مجزوءة "تقنيات الترجمة" : 6 - أفعال الترجي والتمني في العربية والفرنسية. - الكلمات الدالة على التكرار في العربية والفرنسية. - علامات الترقيم في العربية والفرنسية وتعريفاتها . - ما الجملة المصدرية في العربية؟ أم تعلق بأساتذة الأدب وأساتذة الترجمة الذين يشكلون استثناء بالكلية ، والذين يؤمنون باستقلالية فن الترجمة في إطار الانفتاح (على) والتفاعل مع مختلف التخصصات. وإذا كان من الشائع بالفعل اعتبار الترجمة ، في المؤسسات التعليمية الغربية كمثال ، تمرينا يدخل في إطار تعليم اللغات الأجنبية وإتقانها من خلال التقابل مع اللغة الأم، حيث تعد الترجمة في هذا الصدد "أداة تعليمية تساعد المدرس على تقديم معرفة والحصول على نتيجة تعليمه"،7 فإن ما نود الإشارة إليه هو أن الاستعانة بالترجمة من أجل تقوية اللغة أمر يتم في مراحل سابقة عن مرحلة التعليم الجامعي التي تخصص لتكوين المترجم : فهدف الترجمة التعليمية كما تؤكد ذلك إليزابيت لافو(Elisabeth Lavault) هدف تعليمي في جوهره ، 8مما يعني أن الترجمة ليست غاية وإنما هي مجرد وسيلة على اعتبار أن الأهمية تكون لمختلف الوظائف التي تقوم بها عملية الترجمة في هذا السياق : "اكتساب اللغة وإتقانها ومراقبة الفهم ورسوخ المعرفة وتثبيت البنى ".9 2-1 الترجمة المهنية إن الربط بين تدريس الترجمة و الشغل - والذي يكاد يكون قاسما مشتركا بين جميع المسالك التي تدرج الترجمة ضمن مقرراتها، سواء عبر الإعلان الصريح كما هو الشأن بالنسبة لمسلك الدراسات الإنجليزية ، أو عبر التركيز على مفهوم الترجمة القطاعية وعلى النصوص القانونية والصحفية والتجارية والإشهارية والعلمية بالنسبة لمجمل المسالك - ربط يحاول الاستجابة لأهم مستلزمات الإصلاح الجامعي . وبغض النظر عن كون مادة الترجمة لا تدرس في مسالك الكلية وفق جدول متصل / غني ومن قبل أساتذة متخصصين في الغالب ، نتساءل كيف سيتسنى لها تهيئة الطلبة لولوج عالم الشغل ، ومن بين أهم أهداف تدريسها مساعدتهم على تعلم اللغة ؟ ويستند هذا التساؤل إلى الاختلاف الكبير بين الترجمة التعليمية والترجمة المهنية التي تتطلب مهارات لغوية مسبقة، كما يوضح ذلك قول كريستين دوريو (Christine Durieux): " في إطار تأهيل المترجمين ، يتم تدريب الدارسين على القيام بترجمات مهنية. ومن المفترض أن يتقن المترجمون المتدربون لغة أجنبية على الأقل إضافة إلى لغتهم الأم . وقد يساهم القيام بترجمات تدريبية مساهمة مؤقتة في تعزيز الإتقان اللغوي عند الدارسين . ويعد ذلك نتيجة ثانوية ولا يشكل في أي حال من الأحوال غاية أولية ، بل على العكس من ذلك يعتمد تعليم الترجمة على مقدرة لغوية مكتسبة مسبقا ".10 2-2 الترجمة الأدبية / الفكرية يوحي إدراج الترجمة ضمن وحدات من قبيل: التفاعل الثقافي ، الأدب العربي والعالمية ، ترجمة وآداب عامة ، تاريخ وترجمة ، بوعي واضعي البرامج في مسالك الدراسات الألمانية والإسبانية والعربية بضرورة انفتاح أبحاثنا ومعارفنا على العالم وضرورة انفتاح العالم علينا . إلا أن من بين أهم الأسباب التي تحد من نتائج هذا الوعي - مع اختلاف في الدرجة نرجعه إلى نسبة تدريس الترجمة في كل مسلك على حدة من جهة، و إلى طبيعته المرتبطة بالأستاذ والرؤية التي تؤطره من جهة أخرى ? تعدد أهداف تدريس الترجمة في حيز زمني ضيق . ولتبيان بعض أوجه الخلل في الجمع بين تدريس أنماط متباينة من الترجمات تتطلب شروطا متباينة في زمن قصير، نورد هذه المقارنة بين مفهومي الترجمة المهنية والترجمة الأدبية / الفكرية: "يتطلب تكوين المترجم لأغراض تجارية أو اقتصادية داخل مقاولة معينة شروطا ومعايير محددة ومحدودة،لأن طبيعة التكوين محكومة بضوابط مهنية متصلة بمجال تخصصي دقيق، في حين يختلف تكوين المترجم في مجال علمي أو ثقافي أوفكري ، لأنه يتطلب... دربة وممارسة وخبرة ممتدة على أساليب الترجمة و مناهجها ونظرياتها من جهة أولى ، ومعرفة معمقة بموضوع الترجمة من جهة ثانية". 11 2-3 دور الأستاذ بالرغم من التداخل الواضح في جل المسالك بين الترجمة التعليمية والترجمة المهنية تخصيصا ، تجدر الإشارة إلى أن من شأن الأستاذ الذي يتكلف بتدريس المادة تعديل كفة الميزان والخروج بنتائج إيجابية مع طلبة عصاميين إذا كانت صلته بمجال الترجمة قوية عبر التخصص فيها وامتهانها كما هو الشأن بالنسبة للأستاذين إسماعيل العثماني(الدراسات الإسبانية) و حياة كسائي (الدراسات الإيطالية)، أوإذا اكتسب الخبرة الضرورية من خلال الاحتكاك الطويل بمجال الترجمة و تدريسها لسنوات طويلة كما تعبر عن ذلك حالة الأستاذ عمر بنيعيش ( الدراسات الألمانية) الذي يدرس المادة منذ سنة 1987 . ففي حصص الترجمة بمسلك الدراسات الإسبانية مثلا ? وبعد مدخل عام يتضمن التعريف بالترجمة ، نظرياتها وأنواعها وشروطها،كما يتضمن التمييز بين النظرية والتطبيق في الترجمة - يسهر المترجم المحترف الذي يدرس المادة على خلق ما يشبه ورشات عمل يتعلم فيها الطالب الترجمة كما يتعلم الحرفي صنعة معينة دون التقيد بنظرية محددة مع الحرص على الوفاء لخطابات النصوص المتنوعة (صحفية، أدبية : شعر ، قصة،... ) بدون انحراف ولا انصياع ،مما يؤدي في النهاية إلى خلق ألفة بين الطلبة والمادة تصل عند بعضهم إلى حد إنجاز بحوث ( فردية وجماعية) يتصدون فيها لترجمة قصص أو روايات من العربية إلى الإسبانية، الشيء الذي يكسبهم الدربة والممارسة الضروريتين لولوج سوق الشغل بمساعدة الأستاذ . و في هذا السياق، يمكن اعتبار طلبة الدراسات الإيطالية محظوظين أيضا بدراستهم الترجمة على يد أستاذة تدير مكتبا للترجمة في نفس المدينة. أما في مسلك الدراسات الألمانية فقد ساهم تدريس أستاذ أدب للترجمة في خلق توازن بين طبيعة الوحدات التي يتم فيها تدريس المادة: ففي الفصل الخامس الذي تدرس فيه الترجمة ضمن وحدة " اللغة الألمانية"، بعد أن تم تدريسها في السداسيين الثالث والرابع ضمن وحدة " التفاعل الثقافي" ، يركز أستاذ المادة على الجانب الموسوعي في الترجمة . وفي الفصل السادس، الذي يكون فيه على الطالب إظهار كفاءته في اللغة الألمانية، يختار نص غوته " أنشودة محمد" المترجم إلى الفرنسية قصد ترجمته إلى العربية في إطار دراسة إشكالات الترجمة غير المباشرة استنادا إلى المحاضرات النظرية التي زود بها الطلبة تدريجيا منذ السداسي الثالث . ويمثل اختيار نص غوته - الذي يتوجب على الطلبة بعد ذلك إعادته إلى اللغة الألمانية انطلاقا من الترجمة العربية للترجمة الفرنسية- استمرارية لتركيز الأستاذ منذ السداسي الرابع على نصوص التفاعل الثقافي وعلى صورة الإسلام في الكتابات الألمانية تخصيصا ، وذلك في إطار التدرج من البسيط إلى المعقد أي من النصوص الصحفية والأدبية البسيطة ذات المواضيع الراهنة إلى نصوص تهتم بصورة الذات في كتابات الآخر . مما يفيد، أن للأستاذ الذي يتكلف بتدريس المادة دورا كبيرا في حصر أفق الترجمة في المجال اللساني ،أو فتح هذا الأفق وتوسيعه حتى في الحالة التي يكون فيها تدريس المادة مندرجا ضمن وحدة مخصصة لدراسة اللغة. 3- تركيب عام يبدو واضحا في ظل الوضعية الحالية لتدريس الترجمة بمختلف المسالك الأدبية بكلية الآداب بالرباط، أن بعض النتائج الإيجابية المحصل عليها هي ثمرة نضال الأستاذ الكفء وعصامية الطالب المجد. وفي سياق المقارنة بين مردودية المسالك في مجال الترجمة ، نلاحظ أن مردودية مسلك الدراسات العربية مردودية ضعيفة جدا : نحتكم في ذلك إلى تدني اهتمام خريجي المسلك بالترجمة في الدراسات العليا موازنة بما كان عليه الحال في النظام القديم ، فبعد أن كانت " الترجميات" على رأس اهتمامات طلبة " الأدب المقارن" من شعبة اللغة العربية وآدابها في النظام القديم ، نلاحظ في النظام الجديد أن بعض طلبة مسالك اللغات الأجنبية هم الذين يقبلون على الترجمة أو دراسة الترجمة في ماستر" الأدب العام والنقد المقارن" الذي يضم بالإضافة إلى طلبة الدراسات العربية طلبة من مختلف المسالك . لهذا ولما تقدم يبدو ملحا في زمن أصبح شعاره" الترجمة أو الموت"، استحداث مسلك خاص بالترجمة في مختلف كليات الآداب بالمغرب ، مع ما يتطلبه ذلك من شروط معرفية ولوجيستيكية. الهوامش 1- وبمختلف كليات الآداب التي تعيش فيها الترجمة وضعية القريب الفقير . 2- مقتطف من محاضرات الأستاذ محمد حجو الذي يدرس مجزوءة "الترجمة الأدبية". 3- حسن الطالب : تعلم اللغات وتدريس الترجمة ، ترجميات ، ع2 ،س1، ماي /يوليوز،2006،ص93 4-نقصد بأستاذ الترجمة كل من تكلف بتدريسها أكان متخصصا فيها أم لا ، أما الإفادات فهي للأساتذة : عمر بنيعيش (الدراسات الألمانية) ، إسماعيل العثماني(الدراسات الإسبانية) ، محمد حجو(الدراسات العربية). 5- محاضرات الأساتذة : حياة كسائي(الدراسات الإيطالية) ، العسري (الدراسات الإنجليزية) ، محمد حجو و محمد الحساوي (الدراسات العربية) . 6 -مقتطف من محاضرات الأستاذ محمد الحساوي. 7- كريستين دوريو : الترجمة التعليمية وأصول تدريس الترجمة ،ت.محمد أحمد طجو، ترجمان ،م8، ،ع2، أكتوبر 1999،ص 49 انظر في هذا الصدد أيضا : - Michel Ballard : Objectif : traduire , ou traduire : objectif ? , Les langues modernes , N1,1995 . 8-كريستين دوريو، م.س ، ص49 9- نفسه ص50 انظر: - Elisabeth Lavault: Fonctions de la traduction en didactique des langues : apprendre une langue en apprenant à traduire ,Didier Ed,Paris , 1985 10-كريستين دوريو ،م .س.،ص51 11-حسن الطالب ، م.س.،ص96