إن الإسلام يقرر مبدأ التنمية الاقتصادية ويطالب بتحقيق العدالة الاجتماعية، ويربط بين ذلك وبين العقيدة ربطا محكما بل يؤكد على الإنتاج والتنمية لكونهما ضروريتين في مواجهة المشاكل الاقتصادية المتزايدة في عصرنا تزايدا تصاعديا مهولا مع حصول التعقيدات الشائكة لتعدد الآراء الاقتصادية وتضاربها، ولكن بالاعتماد على ما قرره الإسلام من مبادئ في مجال المال والاقتصاد يمكن للمسلمين أن يحلوا مشاكلهم ويسعدوا مجتمعاتهم بالتخلي عن أكل أموال الناس بالباطل والاحتيال واستغلال عرق الناس، وفي الحديث الشريف: "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه". وحياة البذخ فيها آفات جسيمة وروحية لذلك يتعين على الإنسان أن يخشوشن أحيانا، حتى لا يتحلل جسمه، وتنسفل روحه وأن يتحرر من التسلط ليتعاون مع إخوانه في التنمية والإنتاج تعاونا لا تمييز فيه ولا اعتباط؛ لأن المال عنصر هام في التعاون الاقتصادي، وبه يتحرك الإنتاج، وتحصل التنمية والإفادات من الثروات الطبيعية ومن حق العامل أن يتناول ثواب عمله بلا شطط، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم يد عامل منهكة من العمل فقال: "هذه يد يحبها الله ورسوله" والإسلام لا يرفع من قدر المسلم لمجرد ثروته كما لا يحط من قدر الفقير لمجرد فقره، بل إنه يضع كل واحد في مقامه ويلزمه بواجباته ويحذره من مغبة الوقوع في المحاذير والموبقات، وعدله يعم الغني والفقير، قال النبي صلى الله عليه وسلم "الخلق عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله". وإذا أقيم العدل وحصلت المساواة في الحقوق والواجبات عمت الطمأنينة وساد الوفاء، وابتعد الضرر، وسعد المجتمع، وترابط الناس في ما بينهم بالمودة والرحمة، يقول سبحانه وتعالى: "إِنَّ اللَّه يَامُر بِالْعَدْلِ وَالاِحْسَان وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَر وَالْبَغْي يَعِظكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" [النحل، 90]. يتبع في العدد المقبل.. عن كتاب "البيعة والخلافة في الإسلام" للأستاذ العلامة المرحوم الحاج أحمد بن شقرون ص: 36-37 سلسلة البدائع الكتاب العاشر الطبعة، (1417ه/ 1996م).