4. خدمة قضايا الأمة إن ما يتميز به التصوف المغربي هو قربه من الواقع المعيش، واحتضانه لمشاغل وهموم الأمة عبر خدمة قضاياها وانشغالاتها الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، وتحقيق المصالحة بين القبائل المقتتلة وحقن الدماء والسهر على تحقيق الوحدة بين مختلف مكونات المجتمع المغربي ونشر الإسلام، وترسيخ قيمه في وجدان وروح المغاربة… وطريقة الجزولي ليست بمعزل عن الواقع بل حملت على عاتقها رسالة إنقاذ المجتمع من براثن الجهل والتعصب… إلى رحاب الروحانية الإسلامية. ومن مواقفه رحمه الله التي آثر فيها توحيد الأمة، ونزع فتيل الصراعات التي كادت تعصف باستقرار المجتمع وأمنه ما حكاه التنبكتي: "وكان ببلاده (سوس) وقت قتال انفصل فيه الصفان عن قتيل تبرأ كل من قتله ولم يحضره هو، فأراد إصلاحهم فقال لهم: أنا قتلته، وعادتهم إخراج القاتل من بينهم فيصطلحوا، فخرج لطنجة"[1]، فهدى الله به رجالا صاروا منارات للناس وتاب على يده خلق كثير. وما يشهد على جهود هذه الطريقة في نشر العلم والمعرفة والتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم علما وعملا وسلوكا وذوقا، وإزالة ظلمات الجهل والوهم في صفوف أفراد المجتمع هو كثرة المريدين الذين التفوا حول شيخ الطريقة، ومجدد منارها محمد بن سليمان الجزولي، والذي قُدر عددهم بنحو اثنا عشر ألفا وتسعمائة وخمسة وستون. وكذلك كثرة الطرق المتفرعة عن طريقته المباركة. كما يعتبر كتابه المتميز "دلائل الخيرات" محط اهتمام وتقدير وعناية لدى الخاص والعام، داخل المغرب وخارجه، فقد انكب عليه العلماء بالشرح والتوضيح، وتبيين فضائله وإبراز خصائصه واستخراج كنوزه ودرره، والنسج على منواله، كما لهجت به ألسنة الناس على مختلف طبقاتهم، وتعهدوه بالحفظ والتلاوة آناء الليل وأطراف النهار. خلاصة وفي الختام يتضح لنا أن الطريقة الجزولية منسجمة في مبادئها وأسسها مع المناخ العام السائد في المغرب، وهو: الاتجاه السني العملي، فقد أعطت للتصوف المغربي مكانة مرموقة تنضاف إلى تلكم الصفحات المشرقة والمضيئة من تاريخ بلدنا خاصة وتاريخ الأمة الإسلامية عامة، بفضل جهود محيي الطريقة الشاذلية ومجدد التصوف سيدي محمد بن سليمان الجزولي رحمه الله، والذي استطاع ترسيخ هويتنا الروحية وتبيين معالمها وأسسها مع تميزه رحمه الله بحبه وشغفه بذات المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام من خلال تأليفه "دلائل الخيرات" وما لقيه من قبول تام حيث أجمعت عليه الأمة الإسلامية، وهذا بحد ذاته يعتبر من الدروس العظيمة في جهود الصوفية المغاربة في توحيد الأمة روحيا وفكريا، وتقوية أركانها وفرض هيبتها، مما زاد من شرف ومكانة المغرب لدى المشارقة.. ——————- 1. نيل الابتهاج، 2/545.