3. البعد عن التجريد انتهج الصوفية المغاربة منهجا يتسم بالبساطة والوضوح، وعدم التعمق والتوغل فيما ليس تحته عمل، والالتزام بحدود النص الشرعي وعدم الإغراق وإطلاق الحقائق، بل يعتبرون ذلك استدراجا وامتحانا فيتعوذون مما ينكشف لهم "ويفرون منه، ويرون أنه من العوائق والمحن"[1]، وهذا ينسجم مع المحيط العام السائد في المغرب. بالإضافة إلى ذلك يرى العلامة علال الفاسي سبب هذا التميز في كون معظم الصوفية من "أهل العلم بأصول الدين وفروعه، ولذلك فهم يعرفون كيف يُكيِّفون آراءهم، وقلَّما تجدهم مصطدمين مع العلماء كما وقع في المشرق العربي..."[2]. كما يمكن أن نرجعه لسبب آخر وهو: أن دعوة الصوفية عامة، بمعنى أنها تهدف إلى نشر المبادئ الروحية وتبسيط أمور الدين للعامة، من غير تكلف ولا تعقيد ولا تشويش. وهذا الأمر يذكرنا بما وقع للإمام مالك حين سأله "رجل عن شيء من علم الباطن. فغضب وقال: إن علم الباطن لا يعرفه إلا من عرف علم الظاهر، فمتى عرف علم الظاهر وعمل به فتح الله عليه علم الباطن، ولا يكون ذلك إلا مع فتح قلبه وتنويره"[3]. فطريقتهم طريقة عملية سلوكية واقعية، تراعي ظروف وواقع الناس، وهذا هو منهج طريقة الجزولي؛ نستشف ذلك من خلال أقواله وأحواله ومنهج تربيته للمريدين. فأقواله تصب في أحكام السير إلى الله تعالى والترغيب في قطع المقامات والمنازل للوصول إلى حضرة ملك الملوك، والترهيب من الغفلة عن الله وصحبة الغافلين… أما أحواله رضي الله عنه فجل أوقاته مستغرق في الذكر وقراءة القرآن والصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وتأليف الكتب.. أما منهج تربيته للمريدين فيعلمهم أحكام العبادات والمعاملات ويربيهم على العمل بالكتاب والسنة والاجتهاد وطرح البطالة والخمول… وبهذا المنهج العملي اكتسبت طريقته شهرة ومكانة عظيمة لدى الناس، كما "ضمن لنفسه المحافظة على وحدة الأمة بعدم الخروج على إجماعها (الاتجاه السني)"[4]. يتبع في العدد المقبل بحول الله تعالى… ——————————————- 1. مقدمة ابن خلدون، 3/1002. 2. التصوف الإسلامي في المغرب، ص: 21. 3. ترتيب المدارك، القاضي عياض، تحقيق: علي عمر، مكتبة الثقافة الدينية، ط1، 1430ه/2009م، 1/188. 4. بحوث في التصوف المغربي، حسن جلاب، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، ط1، 1995م، ص: 113-114.