سد الذرائع وهو من الأدلة الخاصة التي اعتمدها الإمام مالك وعمل بها ودافع عنها، يقول ابن أبي كف في الأصول المعتمدة لدى الإمام مالك: وسد أبواب ذرائع الفساد فمالك له على ذي اعتماد 1. تعريف الذرائع الذرائع جمع ذريعة وتطلق على عدة معاني لعل ألصقها بموضوع بحثنا هو معنى الوسيلة، تقول تذرع فلان بذريعة أي توسل، والمعنى الثاني هو السبب إلى الشيء، يقال مثلا: فلان ذريعتي إليك: أي سببي ووصلتي الذي أتسبب به إليك. وفي الاصطلاح عرفه المالكية بمجموعة من التعريفات، منها تعريف القاضي عبد الوهاب: "الذرائع هي الأمر الذي ظاهره الجواز، إذا قويت التهمة في التطرق به إلى ممنوع"[1]. وقال الباجي: "هي المسألة التي ظاهرها الإباحة ويتوصل بها إلى فعل المحظور"[2]. وقال ابن العربي: "كل عمل ظاهر الجواز يتوصل به إلى محظور"[3]. وقال القرطبي: "الذريعة عبارة عن أمر غير ممنوع لنفسه، يخاف من ارتكابه الوقوع في الممنوع"[4]. وقال الشاطبي: "حقيقة الذرائع التوسل بما هو مصلحة إلى مفسدة"[5]. يمكن أن نستنتج من هذه التعاريف أنها متفقة كلها على اعتبار الوسيلة مباحة أو ما في معناها، إذ لو كانت مكروها أو محرما ما وقع خلاف في هذه المسألة، وأن المتوسل إليه لابد أن يكون محظورا وإلا سقط الاعتبار بالذرائع، كما أن تقييدهم للمتوسل إليه بكونه فعلا محظورا، يخرج ما ليس بفعل للمكلف، كأن يحصل بدون تدخله أو إرادته بعد تعاطي سببه، يقول ابن تيمية: "الذريعة الفعل الذي ظاهره مباح وهو وسيلة إلى فعل المحرم، أما إذا أفضت إلى فساد ليس هو فعلا، كإفضاء شرب الخمر إلى السكر وإفضاء الزنى إلى اختلاط المياه، أو كان الشيء نفسه فسادا بحيث يكون ضررا لا منفعة فيه، أو لكونها مفضية إلى فساد بحيث تكون هي في نفسها منفعة وهي مفضية إلى ضرر أكثر منه فتحرم، فإن كان ذلك الفساد فعل محظور سميت ذريعة وإلا سميت سببا ومقتضيا ونحو ذلك من الأسماء المشهورة"[6]. وهناك قيد نبه عليه القاضي عبد الوهاب في تعريفه السالف ولم يذكره العلماء وهو "قوة التهمة" فلابد من اعتبار الذريعة والحكم بها إلى غلبة الظن في أن الوسيلة ستؤدي إلى الأمر المحظور، بحيث لا عبرة بالاحتمالات الضعيفة أو المبنية على مجرد الوهم، وإن كان هذا القيد في نظر القاضي عبد الوهاب ضروريا فيندفع بكون الفعل المحرم المتوسل إليه بوسيلة مباحة أو ما في حكمها، لا يمكن أن نحكم عليه بالحرمة إلا إذا كان يفضي فعلا إلى محظور، فهذا القيد متضمن في التعريف أصلا بدون زيادة هذا القيد. يتبع في العدد المقبل.. ———————————————– 1. الإشراف على مسائل الخلاف، 2/32-33. 2. إحكام الفصول، 567، الإشارة، 27. 3. أحكام القرآن، 2/798. 4. الجامع لأحكام القرآن، 2/57-58. 5. الموافقات، 4/144. 6. الفتاوى، 6/172-173.