يقول عز وجل "استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين" [التوبة، 81]. سيقت الآية في مقام مقالي يصور أحوال وأحكام المنافقين وما يمارسونه من لمز وسخرية وكره للجهاد وللمجاهدين في سيبل الله، وهو ما نص عليه قوله تعالى: "الذين يلمزون المطوعين من المومنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب اَليم" [التوبة، 80] وقوله أيضا: "فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون" [التوبة، 82]. ومن الروايات التي تعكس المقام الحالي الذي سيقت في إطاره الآية ما رواه أن عبد الله بن عبد الله بن أبي سلول سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لأبيه، فقال صلى الله عليه وسلم: "قد رخص لي فسأزيد على السبعين"، ثم نزل بعده قوله تعالى: "سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم" [المنافقون، 6][1]. ومنها ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله خيرني، ولو علمت أني إذا زدت على السبعين يغفر لهم لزدت"[2]. قال الأمام بن عاشور رحمه الله: "كان لصلاته عليهم واستغفاره لهم حكمة غير حصول المغفرة، بل لمصالح أخرى"[3]. يبدو من الآية، انطلاقا من المقام الذي سيقت في إطاره، أن المعنى المقصود منها متمثل في أن عدم مغفرة الله تعالى للمنافقين متوقف على كفرهم وعنادهم وفسقهم. إن كفر المشركين لما كان ظاهرا فقد نهى الله تعالى عن طلب المغفرة لهم بصيغة واضحة وصريحة كما في قوله: "ما كان للنبي والذين ءَامنوا أن يستغفروا للمشركين" [التوبة، 114]. ولما كان كفر المنافقين خفيا فقد جاء النهي عن طلب المغفرة لهم منوطا بوصف يعلمونه في ذواتهم، ومع أنفسهم. ومن ثم كان الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يستغفر لمن يسأله الاستغفار من المنافقين. والحق أنه بقدر ما يكون الكفر، وبقدر ما تكون مقتضياته العملية تنعدم المغفرة. لا الدعاء بالاستغفار أو بعدمه مع استمرار الكفر ورسوخ مقتضياته في السلوك والعمل. بكلمة أخرى لا يرجى للمنافقين طلب المغفرة وقلوبهم كافرة وأعمالهم فاسدة. قال الأستاذ سيد قطب: "القلب البشري حين يصل إلى حد معين من الفساد لا يصلح، والضلال حين ينتهي إلى أمد معين لا يرجئ بعده اهتداء. والله أعلم بالقلوب"[4]. ——————- 1. تفسير الطبري، ج: 10، ص: 199-200، والزمخشري، الكشاف، ج: 2، ص: 281. 2. استشكل عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يستغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم للمنافقين، وقد أعلمه الله أنه لا يغفر لهم. ابن عطية المحرر الوجيز ج: 3، ص: 69، وابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، ج: 10، ص: 277. 3. ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، ج 10 ص 280. كما علق ابن عطية رحمه الله على ذلك بقوله: "قوله صلى الله عليه وسلم: "ولو علمت" جعله صلى الله عليه وسلم مما لا يعلمه، ومما ينبغي أن يتعلم ويتطلب علمه من الله عز وجل" ابن عطية، المحرر الوجيز، ج: 3، ص: 69. 4. سيد قطب، في ظلال القرآن، ج: 10، ص: 1682.