يقول عز وجل تقدست أسماؤه: "قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم" [يوسف، 97-98]. سيق طلب الاستغفار في مقام ما بشر به يعقوب من أن يوسف عليه السلام حي يرزق، كما سيق أيضا طلب الاستغفار في مقام استرجاع يعقوب عليه السلام لبصره، وذلك ما يقصه قوله تعالى: "ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون" [يوسف، 94-96]. طلب الأبناء من أبيهم يعقوب عليه السلام أن يستغفر الله لهم. وأقل ما يدل عليه هذا الطلب أنهم تابوا واعترفوا بذنوبهم. روى بعض المفسرين أن يوسف عليه السلام لما غفر لإخوته وتحققوا أن يعقوب غفر لهم أيضا قال بعضهم لبعض: ما يغني عنا هذا إن لم يغفر الله لنا. ولهذا طلبوا من يعقوب أن يطلب لهم المغفرة من الله فما كان منه إلا أن وعدهم بقوله: "سوف أستغفر لكم ربي". قيل بأنه أخر طلب الاستفسار إلى ليلة الجمعة تحريا لوقت الإجابة، وقيل بأنه عليه السلام أخر الاستغفار إلى السحر لقوله تعالى: "الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالاَسحار" [اَل عمران، 17]، ولقوله تعالى: "وبالاَسحار هم يستغفرون" [الذاريات، 18]. وقيل إن سبب تأخير الاستغفار هو رجاؤه أن يدرك الليالي البيض؛ لأن الدعاء فيهن مستجاب[1]. وقيل بأن سبب التأخير أن يتأكد يعقوب من ابنه يوسف عليه السلام قد استحل لهم أو عفا عنهم، فإن عفو المظلوم شرط المغفرة[2]. وقيل بأننا نلمح من قوله تعالى: "سوف أستغفر لكم ربي" أن في قبل يعقوب، كما قال سيد قطب: "شيئا من بنيه، وأنه لم يصف لهم بعد، وإن كان يعدهم باستغفار الله لهم بعد أن يصفو ويسكن ويستريح.. وحكاية عبارته بكلمة "سوف" لا تخلو من إشارة إلى قلب إنساني مكلوم"[3]. ولئن علم من الآية بطريق دلالة النص أنه استغفر لهم في الحال؛ فإنه عليه السلام قصد من وعدهم بالاستغفار أن ينبههم إلى عظم الذنب الذي ارتكبوه، وأنه سيكرر الاستغفار في أزمنة مستقبلة[4]. ————————————————– 1. ابن عطية، المحرر الوجيز، ج: 3 ص: 280. 2. تفسير البيضاوي ج: 3 ص: 309. 3. سيد قطب، في ظلال القرآن مجلد 4، ج: 13، ص: 2028. 4. ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، ج: 15 ص 54.