كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يراجعه أصحابه ونساءه في أشياء، ويقترحون عليه أمورًا فيقبل منهم ويتحول إلى ما أرادوا أو يجيبهم في سعة صدر عن تساؤلاتهم واستفساراتهم. عنه: «يا رسول الله أو لسنا بالمسلمين؟! فلا يضيق صلى الله عليه وسلم بهذا السؤال التقريري ذي الإجابة البديهية المعلومة، بل يجيبه في هدوء: «بلى» فيقول عمر رضي الله عنه: أو ليسوا بالمشركين؟! فيسترسل معه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجيبه: «بلى»، فيقول عمر رضي الله عنه: فلِمَ نعط الدنية في ديننا؟ فيبين له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر الله وأن الله لن يضيعه»(البخاري). فإذا كان هذا شأنه صلى الله عليه وسلم مع الناس مع مكانته ونبوته وفضله فكيف لما ينبغي للصاحب مع صاحبه من التواضع وتحمل المراجعة والاقتراحات وغير ذلك. بل تأمل حلمه العظيم صلى الله عليه وسلم وتحمله لمثل تلك التصرفات والاستفسارات الغاضبة، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما توفي عبد الله بن أبيّ جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول الله، تصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه؟! « فقال رسول الله: «إنما خيّرني الله فقال: «استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين» سورة التوبة: 81 وسأزيده على السبعين»، قال: إنه منافق. فلما صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت الآية: «ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون» سورة التوبة: 85 .(البخاري) وفي رواية لأحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: «...فلما وقف صلى الله عليه وسلم يريد الصلاة تحولت حتى قمت في صدره فقلت: يا رسول الله، أعلى عدو الله عبد الله بن أبيّ القائل يوم كذا وكذا وكذا يعدد أيامه قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم حتى إذا أكثرت عليه قال: «أخِّر عني يا عمر، إني خُيِّرت فاخترت، قد قيل لي: «استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين» سورة التوبة: 81، لو أعلم أني إن زدت على السبعين غُفر له لزدت».... قال عمر: فعجب لي ومن جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم»(رواه الامام أحمد). ولقد أوصى صلى الله عليه وسلم رسوليه إلى اليمن معاذا وأبا موسى الأشعري رضي الله عنهما بقوله «تطاوعا ولا تختلفا»(السلسلة الصحيحة)، فقدر صلى الله عليه وسلم مسبقاً أن الاختلاف في الآراء وارد، وأن من حق كل منهما أن يدلي برأيه، وأمرهما بالتطاوع، فلا يصرّ كل منهما على رأيه ويتعنت فيه، فيفتح باب الخلاف بين المسلمين، وإنما يتساهل فيه، ليقدم صالح المسلمين على اختلاف الرأي.