المسائية العربية المسائية العربية : من يكون محمد بوعابد ؟ الاستاذ محمد بوعابد من مواليد البهجة الحمراء أواخر الخمسينيات من القرن الفارط، تربى في حجر جده الحاج محمد بن عمر الملحوني، وتابع دراسته ما بين الكتاب والمدرسة العصرية إلى أن حصل على شهادة الباكالوريا فالتحقت بالتعليم الجامعي، واشتغل أستاذا للغة العربية. يقول محمد بوعابد : :" ومنذ السبعينيات ارتبطت بالعمل الجمعوي المنصب على كل ما هو ثقافي وفني. شغلت عضوا في العديد من الجمعيات الثقافية والفنية من بينها "شبيبة الحمراء" و"جمعية الندوة" وكذلك "النادي السينمائي". كما ساهمت بفعالية في تأسيس "منتدى الشعر " رفقة الشواعر والشعراء المراكشيين(مليكة العاصمي، حبيبة الصوفي ، نجاة الزباير...أحمد بلحاج أيت وارهام، إسماعيل زويريق، أحمد الدباغ،مصطفى غلمان...) أ‘عمل الآن رئيس تحرير مجلة (التراث المغربي "الأصيل") التي يديرها الأستاذ عبد الرحمان الملحوني المسائية العربية : " بما انكم اشرتم إلى الشعر والشعراء بمراكش، كيف تقيمون التجربة الشعرية بمراكش، قد أقول اعتمادا على ما استفدته من قراءاتي في المؤلفات الشعرية الصادرة عربيا ووطنيا ومحليا، واستنادا إلى اطلاعي على بعض الدراسات والبحوث في الشعر العربي منذ القدم وحتى الزمن الحاضر: دائما يكون الشعراء كثيرين، ولكن الشعر يكون أنذر من الكبريت الأحمر، وأشد نذرة من النبل الإنساني في زمن الحروب. والحال أن الشعر في مراكش يجد رموزه في أسماء استطاعت أن تنحت لنفسها مكانها في خريطة الشعر العربي المعاصر، كما أن هناك أسماء ما زالت تطرق الصخر لتستخرج منه ماء الشعر، ولا تتوقف عن كتابة حضورها في المشهد الشعري إن باعتمادها اللغة العربية المقعدة أو بتوسلها اللسان العربي الدارج في أوساطنا المغربية، كما أن ثمة عددا ممن يتخذون من اللسان الفرنسي مطية للتعبير وتشييد عولمهم الشعرية. الشعر في مراكش موجود وحي، وما تزال فاعليته تنبض منذ زمن شاعر الحمراء وحتى زمن أيت وارهام والعاصمي وعبد الغني فنان المسائية العربية : " نعم مراكش تزخر بشعراء كبار يصعب تعدادهم في هذا الوقت الوجيز، وأشرتم إلى بعض الاسماء الوازنة، ولكن سؤالي ينصب حول ثقافة الاعتراف وبالتالي هل الجهات المعنية مندوبية الثقافة المجلس الجماعي، مجلس الجهة.... قامت بدورها في تشجيع و احتضان الثقافة والمثقفين، هل ترون أنها أنصفت هذه الكفاءات، وقدمت لهم ما يتطلب من دعم ولو في شقه المعنوي محمد بوعابد : سيبدو ما سأقوله مزيحا للمسؤولية عن الجهات المفترض فيها أن تتحمل المسؤولية الثقافية والفنية، لعل ما نحن في حاجة ماسة إليه هو ما يمكن تسميته بالوعي الثقافي، وإدراك أن لا شيء في الحياة البشرية، وفي المجتمعات المتمدنة يمكن له أن يتحقق ويساهم في الرقي بالإنسان فردا ومجتمعا إن لم يتأسس على ما هو ثقافي وفني جمالي. المشكلة، يا سيدي، أننا لا نتوفر على مشروع ثقافي يندرج ضمن مشروع مجتمعي شامل، قد لا نكون فيه بحاجة إلى وزارة للثقافة، بل يكون فيه الإنسان المغربي هو الذي يصنع ويبدع ثقافته وفنونه مستجيبا لحاجياته الفكرية والفنية التي لا تنفصل عن أسئلته وإشكالياته التي يعمل على تقديم إجاباته الشخصية والذاتية عليها. لكن ما دام الوضع على ما هو عليه فالمؤسسات التي يفترض فيها احتضان وتشجيع الثقافة ما تزال بعيدة عن انصاف الكفاءات والفعاليات الثقافية محليا ووطنيا، وأوافقك الرأي عندما يتعلق الأمر بالجهات المعنية وبخاصة المجلس الجماعي، ومجلس الجهة، ومجالس الجامعات والكليات... إضافة إلى المؤسسات البنكية وأصحاب المال، فمن الوطنية الحقة أن تعمد بورجوازيتنا المحلية إلى احتضان المبادرات الثقافية التي تكون في خدمة مجتمعنا وإنساننا، هذا دونما انبطاح من قبل مثقفينا وفنانينا. المسائية العربية : " تطرقتم إلى تجربتكم في الميدان الثقافي والفني، ولم تشيروا إلى الكتب التي الفتموها وترجمتموها، فهل هذا سهو منكم، أم تقللون من اهمية هذا العمل الذي لقي تجاوبا كبيرا داخل الساحة الثقافية بمراكش وخارجها محمد بوعابد : لحد الساعة نشرت العديد من المساهمات في منابر محلية ووطنية، ورقية وإلكترونية. وشاركت في العديد من الملتقيات الثقافية والفنية. كما ساهمت في بعض المؤلفات المشتركة، من بينها: الكتاب التكريمي للأستاذ عبد الله الشليح، والكتابان اللذان نشرتهما النقابة المغربية لمحترفي المسرح جهة مراكش تانسيفت الحوز بعنوان (جامع الفنا فرجة الأجيال) و(المسرح المغربي تجارب نسائية)، وقد نشر الأول بمناسبة تكريم الفنانة مليكة الخالدي في الدورة الثامنة، وتم نشر الكتاب الثاني بمناسبة تكريم الفنان عزيز موهوب خلال الدورة التاسعة. علاوة على هذه المنشورات وسيرا وفق الرؤية التي أشرت إليها في ما سلف، إتفقنا نحن الأربعة: (محمد بوعابد، عبد اللطيف النيلة، الحسن باكور، عبد اللطيف عادل) على أن لا ننتظر من الجهات الرسمية أن تمدنا بما نحن في حاجة إليه، بل أن نعمد إلى استثمار ما تختزنه تجربة شعبنا من قدرات على الإبداع بحثا عن إمكانيات تقدره على الاستجابة لحاجياته، فقمنا بتحويل تقليد (دارت) الذي يتمكن من خلاله فقراء وطننا إلى توفير ما هم محتاجون إليه من ضروريات أو كماليات، واتخذناه سبيلا لنشر ما نؤلفه من أعمال، فأخرجنا للقراء أعمالا منها ترجمتي لرواية "اللؤلؤة" لجون شتاينبك، ومجموعتين قصصيتين هما"البيت الرمادي" لعبد اللطيف النيلة، و"رجل الكراسي" للحسن باكور. ثم انتقلنا بالتجربة لأن تتحول إلى سلسلة أطلقنا عليها (سلسلة كنانيش مراكش) أخرجنا عبرها كتابين هما: ديواني"ماء ريم"، ومجموعة قصصية للنيلة بعنوان"قبض الريح"... ونتمنى، بل نرجو أن لا تتوقف هذه التجربة، لذلك ندعو المهتمين بنشر إبداعاتهم ضمن هذه السلسلة، إلى الاتصال بنا ومساندتنا للسير نحو تحقيق هذا المشروع من تربة هذا الوطن مائه مع هوائه. المسائية العربية : جاء في رواية " اللؤلؤة " لجون شتاينبك الحائز على جائزة نوبل للآداب والتي تفضلتم بترجمتها وتقديمها للقارئ ان تلك الحكاية ككل الحكايات التي يقع توارثها، والتي تبقى ساكنة في اعماق القلب البشري، لا نعثر فيها سوى على الطيب في مواجهة الشرير، ولا نجد فيها الا الاسود في صراع مع الابيض، دون ان تشتمل على اية إشارة أو تلميح لما يأتي وسطا بينهما.واضفتم أنه إذا كانت هذه الحكاية امثولة، فإن بإمكان كل واحد من متلقيها أن يستخلص منها العبرة الخاصة به، ألا ترون أن هذه المفارقة تغيب الوسطية في تحليلكم لمضمون الرواية؟ محمد بوعابد : لا يندرج ما ذكرتم ضمن أي تحليل قمت به للرواية، بل هو جزء لا يتجزء من الرواية، فالمتكلم في هذه الفقرة ليس المترجم للنص إلى العربية، وليس هو المؤلف، بل هو السارد الذي تكفل من قبل الكاتب بأن يحكي حكاية كينو وجوان مع ابنهما كويوتيتو، ولذلك ستلاحظ أن العنوان الذي توج هذا الكلام هو "قال الراوي". المسائية العربية : « يقال أن الترجمة هي خيانة للنص الأصلي، ألا ترى أن إقدامك على ترجمة نصوص إبداعية عالمية لكبار المبدعين، مغامرة جريئة ؟ محمد بوعابد : لا ينبغي أن نفهم كلمة "الخيانة" في هذه العبارة ذات الأصل اللاتيني بما تحمله من دلالة في المجال الأخلاقي، فقد كون الخيانة في مجال الترجمة الأدبية هي المعادل للوفاء للإبداع، لأننا حين نقرأ نصا أدبيا لكاتب كبير من عيار جون شتاينبك لا بد أن نقع في عشقه وغرامه، ولا بد أن نحس بالحاجة إلى امتلاك عالمه وتملك معانيه، فنعمد إلى الاشتغال عليه في لغتنا ونأمل أن ننقل إلى غيرنا ما استطعنا الاستلذاذ به والاستفادة منه. قد أوافقك الرأي في أنها مغامرة تستدعي منا التوفر على الجرأة، ولكنها تستوجب قبل الجرأة التوفر على الأسلحة التي تقدرنا على تقديم تأويلنا الخاص للنص الأصل، وإن كان هذا المفهوم"الأصل" ذا رنة مقدسة تقديسية، لا تتوافق في رأيي مع الاشتغال الأدبي، بما أن الإبداع الأدبي إنما هو عمل إنساني، وككل عمل إنساني يظل نسبيا. المسائية العربية : " أشرتم إلى مشروع " كنانيش مراكش " الذي يعتبر تجربة رائدة في تجميع شتات الادباء المراكشيين، وتكسير طوق أزمة تكاليف الطباعة في الأعمال الأدبية من خلال تكافل تعاوني لنفض الغبار عن مؤلفاتهم ، ولكن لم تشر إلى استمرارية المشروع، هل اجهض هذا العمل في مهده؟ محمد بوعابد : المشروع "كنانيش مراكش" ما يزال قائما، وما نزال متمسكين باستمراريته، رغم الظروف التي تحيط بنا، والتي تتمثل في تعرض بعضنا لأزمات مادية تفرض عليه التوقف، لكننا نعد المهتمين بأن نظل عاملين على أن يستمر هذا المشروع، لا سيما وقد أسعدنا صديقنا المفكر والناقد الدكتور عبد اللطيف عادل بأن أخبرنا باستعداده لنشر كتاب له في النقد ضمن هذه السلسلة، وهو من مؤسسيها والمشرفين عليها. وكما أشرت في ما سبق، فإننا ندعو من يهمهم الأمر، وكل من يرغب في نشر مؤلفاته ضمنها، أن يتصلوا بنا من أجل ضخ دماء داعمة ومساندة لهذا المشروع. إننا لا نحبذ الانتظارية، ونؤمن بضرورة المبادرة الفردية والجماعية، وأن نركب المغامرة بجرأة ومحبة لما نقوم به. المسائية العربية : " تحملتم مسؤولية رئاسة تحرير مجلة التراث المغربي "الأصيل"))، التي تعنى بالأشكال التراثية الثقافية والفنية المغربية الأصيلة،ما هي القيمة المضافة لمثل هذه الاصدارات؟ وهل يمكن ان تطلعنا على مقاربتكم للواقع الثقافي الراهن، وسبل النهوض به ؟
محمد بوعابد : أتشرف بتحمل مسؤولية رئاسة تحرير مجلة ((التراث المغربي "الأصيل"))، وهي مجلة حددت لنفسها هدفا ثقافيا ذا أبعاد حضارية، يتمثل في العناية بالأشكال التراثية الثقافية والفنية، المادية والرمزية، التي تتشكل منها الوجوه الحضارية لوجودنا المغربي. لقد كان طموحنا منذ زمان في جمعية الشيخ الجيلالي امثيرد للمحافظة على التراث الشعبي ممثلا في شعر الملحون وطربه وفي كل الفنون ذات الصلات بالملحون، كفنون الذكر العيساوي، والذكر الحمدوشي، وموسيقى الآلة الأندلسية المغربية، والمديح مع السماع... أقول: لقد كان كان طموحنا في هذه الجمعية أن لا تظل اهتماماتنا دون توثيق، ودون إخضاع ما نتوفر عليه من فنون وآداب للبحث والدراسة مع التحليل العلمي والعقلاني، استنادا إلى ضرورة الاستفادة مما هو في حوزتنا من أجل تقديم إجابات تساير الزمن الذي نعيشه، فليس اهتمامنا بالتراث اعتناء بالماضي الذي انتهى، بقدر ما هو اعتناء بالحاضر وأسئلته، وبحث في ما بين أيدينا من أجل ابتداع إجابات تتوافق مع ما ننتظره لمستقبلنا الخاص مع ما ننتظره لمستقبلنا الخاص الذي لا ينفصل عن وجودنا في حاضر ومستقبل الإنسانية الساعية إلى الخير والحق والجمال، الإنسانية العاملة من أجل العيش المشترك فوق هذه الأرض بحب وسلام وأعتقد جازما أن الواقع الثقافي والفني في المغرب المعاصر يستدعي إعادة الاعتبار إلى المدرسة العمومية الوطنية، وإلى مؤسسات التنشئة الاجتماعية كدور الشباب والعمل الجمعوي النبيل الذي لم يتغيا القائمون به أية مصلحة شخصية، وها هنا علينا استعادة القيم الوطنية والإنسانية النبيلة التي كانت في خلفية العاملين في المجتمع المدني يوم كان الشباب يفجر طاقاته الإبداعية بدلا من تفجير نفسه وتفجير المحيطين به بمبرر أنه ومن يعتقدون نفس معتقده يمتلكون الحقيقة التي لا حقيقة غيرها. إن أهم السبل للنهوض بالثقافة والفن في مغربنا تظل وتبقى هي نشر ثقافة الاختلاف، وثقافة الاعتراف لمن أسدوا خدمة للوطن لا للأشخاص مهما كانت مواقعهم، ونشر ثقافة المبادرة المفيدة للمجتمع.. المسائية العربية : " كلمة ختامية محمد بوعابد : سعدت باللقاء معك الصديق الصحافي والمناضل الحقوقي، كما سعدت بهذا الحوار الذي أتمنى أن يكون فيه ما يفيد ويمتع القراء الأعزاء، وما يحفزهم على الاطلاع على إصداراتنا الأدبية والفنية الثقافية. وأطلب من الله أن يعينكم في هذا المنبر على أداء مهمتكم النبيلة.