في إطار سلسلة الندوات العلمية الشهرية التي ينظمها المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب للدائرة الإستينافية للرباط و محكمة النقض، والتي يجمع خلالها ثلة من الفاعلين والمهتمين بالشأن القانوني و القضائي من قضاة و مساعدي العدالة و باحثين و كل رجال القانون، بغية تبادل الآراء و تلاقح الأفكار حول مواضيع قانونية و قضائية بهدف تطوير الترسانة القانونية المغربية والرفع من جودة العمل القضائي ببلادنا، شهدت قاعة الجلسات الكبرى بالمحكمة الابتدائية بسلا يوم الجمعة 28 مارس 2014 الموافق ل 26 جمادى الأول 1435، ابتداء من الساعة الثالثة زوالا تنظيم فعاليات النسخة الثانية من ندوات المكتب و التي اختير لها موضوع : المنظومة التشريعية الجنائية المغربية وآفاق التطوير. في كلمته الافتتاحية للندوة، و بعد الترحيب بالمشاركين من متدخلين و حضور، أبرز الأستاذ نور الدين الواهلي رئيس المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بالرباط على أن اختيار هذا الموضوع يأتي في سياق النقاش الدائر في الساحة القانونية و الحقوقية بعد اعتماد بلادنا لدستور فاتح يوليو 2011، حول ضرورة ملائمة النصوص القانونية الحالية مع المقتضيات الحقوقية الهامة التي جاء بها الدستور الجديد و كذا مع الاتفاقيات الحقوقية الدولية والتي مافتئ المغرب يعلن انخراطه الفعال في تنزيلها و التزامه المسؤول بمقتضياتها. ولعل القانون الجنائي المغربي الذي وضع سنة 1962 أولى هذه النصوص بالمراجعة و التنقيح لارتباطه الوثيق بحقوق و حريات الأفراد و الجماعات. كما أن تنظيم هذه الندوة يأتي مساهمة من قضاة النادي إلى جانب شركائهم من ممتهني القانون والباحثين في المجهود التشريعي الوطني لتطوير المنظومة القانونية و القضائية لبلادنا وذلك بشد انتباه المشرع المغربي، من موقعهم كممارسين ،إلى مختلف أوجه القوة في هذا القانون قصد تدعيمها و تعزيزها و مواطن الضعف التي يجب تطويرها، كل ذلك حماية للأمن القانوني و القضائي للمواطن و صيانة لحرياته و حقوقه. و بعد ذلك تولى الأستاذ خالد بنيس نائب وكيل الملك لدى ابتدائية سلا والكاتب العام لمنتدى القضاة الباحثين تسيير أعمال الندوة وتوزيع المداخلات على المحاضرين الذين ألقوا عروضا حول الموضوع تلتها جلسة مناقشات من طرف الحاضرين. حيث استهلت المداخلات بعرض حول أثر الاتفاقيات الدولية على تطوير منظومة التشريع الجنائي المغربي ألقاه الأستاذ هشام ملاطي قاضي ملحق بمديرية الشؤون الجنائية والعفو بوزارة العدل والحريات تناول من خلاله علاقة الاتفاقيات الدولية الجنائية والقانون الجنائي الوطني ليتطرق بعد ذلك لأبرز مظاهر تأثر القانون الجنائي المغربي بالاتفاقيات الدولية ذات الطابع الجنائي و الحقوقي قبل أن يختم عرضه بالحديث عن أهم التحديات التي تطرحها هذه الاتفاقيات على المنظومة الجنائية الوطنية. وفي حين تناولت الأستاذة هدى بو الهند القاضية بالمحكمة الاجتماعية بالدار البيضاء موضوع المحاكمة العادلة في إطار المنظومة التشريعية الجنائية المغربية و أفاق تحقيقها، و ركزت في مداخلتها على إبراز أهم قواعد المحاكمة العادلة من خلال محورين أساسيين، الأول تطرق للجانب الإجرائي وذلك برصد مختلف المقتضيات المتضمنة بقانون المسطرة الجنائية المغربي و المكرسة لهذه القواعد مع التركيز على أهم الإخلالات الشكلية التي تشوب مسطرة التحري في الجرائم و الحكم فيها قبل أن تناقش في محور ثان قواعد المحاكمة العادلة على ضوء القانون الجنائي الموضوعي سواء المدون في ظهير 1962 المكون لمجموعة القانون الجنائي أو المتضمن في النصوص الجنائية الخاصة. و أما المداخلة الثالثة التي تقدم بها الدكتور عبد اللطيف الناصري الإطار بالمديرية العامة للجمارك والضرائب الغير المباشرة حول خصوصيات التشريع الجمركي في الميدان الجنائي فقد خصصها للحديث عن اختصاصات إدارة الجمارك ووظيفتيها الجبائية والحمائية وما لها من دور في تعزيز الموارد المالية للخزينة العامة، و مراقبة المواد والبضائع المستوردة من الخارج في ارتباط بمقتضيات قانونية زجرية. وتناول المحاضر مميزات التشريع الزجري الجمركي في جانبه الموضوعي عبر اعتماده على القوانين كمصدر لتحديد المخالفات والجنح الجمركية إلى جانب الأنظمة مجسدة في نصوص تنظيمية صادرة عن الإدارة وهو ما يشكل مخالفة للمبدأ الدستوري القاضي باختصاص التشريع في المادة الجنائية. وفي الشق المتعلق بالعقوبات المقررة للمخالفات الجمركية أبرز المتدخل على أنه إلى جانب العقوبات السالبة للحرية والغرامات والمصادرة هناك تدابير إدارية يمكن أن تصدر في حق المخالف وتبقى قابلة للطعن بالإلغاء. أما فيما يتعلق بالجانب الإجرائي فإن هذه الخصوصيات تتمظهر في أن وسيلة الإثبات الوحيدة للمخالفات الجمركية هي المحاضر المحررة من طرف أعوان إدارة الجمارك و في هذا تقييد لمبدأ حرية الإثبات في الميدان الجنائي، مشيرا إلى اختلاف التقادم الجمركي عن الجنائي . وانطلق الأستاذ سعد جريفي القاضي بابتدائية سيدي قاسم في عرض بعنوان المشرع الجنائي والقاضي الجنائي، أية مساهمة في تحقيق البعد المزدوج، من فرضية مفادها أن السجن ليس ضرورة للحديث عن أدوار العقوبة المتمثلة في الردع حماية لحق المجتمع في الأمن و الإصلاح ضمانا لإعادة تقويم الجاني و إدماجه من جديد في المجتمع، معرجا في محور ثان على دور السلطة القضائية كضامن أساسي لتحقيق هذا البعد. المداخلة الخامسة في الندوة جاءت قراءة دقيقة لنص مشروع قانون رقم 103-13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء بين تطلعات الحركات النسائية والحقوقية بالمغرب والقوانين و التشريعات الدولية قدمتها الأستاذة سعاد كوكاس نائبة الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالرباط، هذا المشروع الذي من المنتظر أن يدخل تعديلات هامة على نصوص القانون الجنائي و ذلك بإعادة تعريف مجموعة من الجرائم وتشديد العقوبات بشأنها كجريمة التحرش الجنسي, قبل أن تقوم بمقارنة بين نص المشروع المذكور والاتفاقيات الدولية ذات الصلة. أما المداخلة السادسة والأخيرة في الندوة فقد همت موضوع المحررات و شهادة اللفيف وإشكالاتها والطعن فيها جنائيا قدمها الأستاذ رشيد نبيه، قاض بالمحكمة الابتدائية بسلا، وناقش خلالها الأهمية القانونية والعملية للمحررات عموما وشهادة اللفيف على الخصوص، مبرزا أهم الإشكالات القانونية والقضائية التي تثيرها مسطرة الطعن بالزور في هذه الشهادة لما لها من آثار قانونية إجرائية و موضوعية. و تلت هذه العروض مناقشة مستفيضة لأهم ما جاء في تدخلات المحاضرين ،حيث أعطيت الكلمة للحضور اللذين أغنوا بتدخلاتهم و تساؤلاتهم أعمال الندوة.
مقرر الندوة : ذ عبد الحي المنصوري قاضي متمرن بالفوج التاسع و الثلاثين