إن الحديث عن المحاضر التي ينجزها السيدات والسادة مفتشو الشغل تثير أكثر من علامات استفهام وتخلق جدلا كبيرا، نظرا لأنه في الغالب لا يتم إيلاء هذه المحاضر العناية التي تستحقها من طرف جهاز القضاء أو يتم استدعاؤهم من قبل الشرطة لأخذ أقوالهم والتحقق من هويتهم ،انه مس خطير بقدسية عمل جهاز تفتيش الشغل وكذا انتقاص من المحاضر الصادرة عن هذا الجهاز وتعالي في التعامل من طرف جهاز القضاء بالرغم من أن كليهما يؤديان اليمين القانونية. مناسبة هذا الحديث هو ما تعرض له جهاز تفتيش الشغل من محاكمات ومتابعات في هذا الصدد نذكر منها على سبيل المثال قضية المفتش زين العابدين قاشة وقضية عبد الله الناضير وما تعرض له أيضا المفتش عبد الكبير جحجوح حين استدعته الشرطة للتحقق من هويته وأخذ أقواله فيما يخص الإجراءات التي اتخذها في حق احد المخالفين لتشريع الشغل . لقد أوكل المشرع لأعوان تفتيش الشغل وظيفة مراقبة تشريع الشغل والضمان الاجتماعي، وذلك بناء على المادة 532 من مدونة الشغل والمادة 16 من الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 184-72-1 بتاريخ 15 جمادى الثانية 1392 (27 يوليوز 1972) المتعلق بالضمان الاجتماعي. ولضمان تنفيذ أحكام هذا التشريع الاجتماعي، أناط المشرع هؤلاء الأعوان عبر المادة 539 من مدونة الشغل بمهمة معاينة المخالفات المتعلقة بأحكام هذا القانون، والمقتضيات الصادرة بتطبيقه، وتثبيتها في محاضر يوثق بمضمونها إلى أن يثبت عكس ما فيها. وفي مجال ضبط مخالفات القواعد التشريعية أو التنظيمية المتعلقة بالسلامة وحفظ الصحة، فإن هؤلاء الأعوان يوجهون تنبيهات بدون أجل في حالة تعرض الأجراء أو سلامتهم لخطر حال، وتنبيهات بأجل في الحالات الأخرى. كما مكن المشرع الاجتماعي أيضا هؤلاء الأعوان من إمكانية اللجوء إلى رئيس المحكمة الابتدائية بصفته قاضيا للأمور المستعجلة بهدف استصدار أمر يقضي بإيقاف الخطر الحال، وذلك طبقا للمادة 543 من مدونة الشغل ومن توجيه محضر جديد للسيد وكيل الملك في حالة عدم استجابة المشغل لما أمر به في إطار أوامر القضاء الاستعجالي وذلك ارتكازا على المادة 545 من هذه المدونة. ورغم أهمية الوظيفة الرقابية وتحرير المحاضر بشان المخالفات والجنح التي تتم معاينتها من طرف هؤلاء الأعوان الملزمين، طبقا لمقتضيات الظهير الشريف رقم 008-58-1 الصادر في 4 شعبان 1377 (24 فبراير 1958) بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، كما وقع تغييره وتتميمه، بحفظ السر المهني من جهة وبأداء اليمينين القانونيتين طبقا للظهير الشريف رقم 179-57-1 حول أداء اليمين من طرف الأعوان الموكول لهم تحرير المحاضر، فإن عدة صعوبات مختلفة الطبيعة من شأنها أن تؤدي إلى العزوف عن القيام بالتفتيش على الوجه الأمثل والتخلي عن استعمال الأدوات القانونية السالفة الذكر ولاسيما منها تحرير المحاضر والتي بدونها تصبح وظيفة المراقبة شكلية ودون جدوى. وتتلخص الإشكاليات المرتبطة بموضوع المحاضر المحررة من طرف مفتشي الشغل والأطباء المكلفين بتفتيش الشغل والمهندسين المكلفين بالسلامة المهنية والتي تتضمن معاينة المخالفات والجنح المتعلقة بمدونة الشغل وبقانون الضمان الاجتماعي وحوادث الشغل فيما يلي: I - عدم معرفة مآل المحاضر المحالة على المحاكم المختصة. يحرر أعوان تفتيش الشغل عددا مهما من المحاضر ويحيلونها على السادة وكلاء الملك دون معرفة مآلها، خاصة وأنه في كثير من الحالات تنص مدونة الشغل على عقوبات مضاعفة في حالة العود. كما أن بلادنا بصفتها عضوا في منظمة العمل الدولية وموقعة على اتفاقيتي الشغل الدوليتين رقم 81 حول تفتيش الشغل في الصناعة والتجارة والخدمات و 129 حول تفتيش الشغل في الفلاحة ملزمة بإعداد تقرير سنوي حول جهاز تفتيش الشغل (المهام، التنظيم والمنجزات). ومن بين المعطيات التي يجب تضمينها في هذا التقرير تنص المادتان 21 من اتفاقية الشغل الدولية رقم 81 و 27 من اتفاقية الشغل الدولية رقم 129 على «إحصاءات عن المخالفات والعقوبات الموقعة». كما تقر كل من المادة 18 من الاتفاقية رقم 81 و 24 من الاتفاقية رقم 129 على «أن تنص القوانين أو اللوائح الوطنية على العقوبات المناسبة على مخالفة الأحكام القانونية المنوط تنفيذها بمفتشي العمل، وعلى عرقلة مفتشي العمل عن أداء واجباتهم. وتنفيذ هذه العقوبات تنفيذا فعالا». II - عدم أو بطء تحريك المتابعات في حق المشغلين المخالفين . لقد تم برسم سنة 2012 تحرير 487 محضرا يتضمن 8929 مخالفة و763 جنحة أحيلت على السادة وكلاء الملك، إلا أنه لم يتم إشعار مصالح مفتشيات الشغل بالإجراءات المتخذة في هذه المحاضر. هل تم حفظها أو تحريك المتابعة بشأنها؟ الشيء الذي جعل بعض المشغلين يستهزؤون بهذه المحاضر وبمفتشي الشغل الذين قاموا بتحريرها. وقد بدأ الشك يراود هؤلاء الأعوان حول فعالية وجدوى تحرير المحاضر كآلية قانونية لمتابعة المشغلين المخالفين للتشريع الاجتماعي. III - استدعاء بعض الأعوان من طرف الشرطة القضائية واستفسارهم عن المخالفات المتضمنة في المحاضر. إن الملاحظ انه ومنذ سنوات أن بعض السادة وكلاء الملك يحيلون محاضر مفتشي الشغل على الشرطة ويعطون أوامر باستفسار مفتشي الشغل محرري المحاضر المذكورة، رغم أنهم محلفون ومنتدبون بصفة قانونية، وأن هذه المحاضر «يوثق بمضمونها إلى أن يثبت عكس ما فيها» وذلك طبقا للمادة 539 من مدونة الشغل. وإضافة إلى ذلك فإن الفصل 27 من القانون رقم 01-22 حول المسطرة الجنائية ينص على أن «يمارس موظفو وأعوان الإدارات والمرافق العمومية الذين تسند لهم بعض مهام الشرطة القضائية، بموجب نصوص خاصة، هذه المهام حسب الشروط وضمن الحدود المبينة في هذه النصوص». وفي هذا الإطار تحدد المواد من 539 إلى 548 من مدونة الشغل الإطار القانوني الخاص بالمحاضر. لذا نتساءل عن مدى قانونية إحالة محاضر مفتشي الشغل على الشرطة للبحث بشأنها، خاصة وأنه سبق لوزارة التشغيل والتكوين المهني أن أثارت انتباه وزارة العدل بخصوص هذا الموضوع، والذي على إثره بادرت هذه الأخيرة بمراسلة المدير العام للأمن الوطني والسادة وكلاء الملك. وقد وضع آنذاك حد لهذا المشكل إلا أنه أصبح يبرز من جديد. IV - تنفيذ الأحكام الصادرة عن رئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات في حالة الخطر الحال تخول المادة 542 من مدونة الشغل لمفتشي الشغل إمكانية تنبيه المشغل باتخاذ جميع التدابير اللازمة فورا، وذلك في حالة إخلاله بالأحكام التشريعية أو التنظيمية الخاصة بحفظ الصحة والسلامة إخلالا يعرض صحة الأجراء أو سلامتهم لخطر وشيك الوقوع. وإذا رفض المشغل أو أهمل الامتثال لهذه الأوامر الموجهة في التنبيه، فإن العون المكلف بتفتيش الشغل، يحرر محضرا يثبت فيه امتناع المشغل عن تنفيذ الأوامر الموجهة إليه، ويوجهه إلى قاضي المستعجلات لإصدار أوامر يراها ملائمة لإيقاف الخطر الحال. وحينما يتقدم مفتش الشغل لرئيس المحكمة لتسجيل المحضر المحرر المتعلق بالخطر الحال يطلب منه أداء رسوم التسجيل، وكذلك في حالة تنفيذ الأحكام الصادرة عن قاضي المستعجلات. وهكذا، فإن إعمال هذه المحاضر يعرف صعوبات تستوجب إيجاد حل لها وذلك تفاديا لتعرض صحة وسلامة الأجراء للمخاطر المهنية. V - المحاضر المحررة تبعا لرفض المشغل تنفيذ أوامر قاضي المستعجلات غالبا ما يرفض المشغل المخالف الامتثال للأوامر التي تنفذ فورا أي بدون أجل أو التنبيهات بأجل، أو الأوامر الصادرة عن قاضي المستعجلات وبالتالي تصبح حياة الأجراء وسلامتهم معرضة للخطر. وفي هذه الحالة تنص المادة 545 من مدونة الشغل على أنه «إذا استنفدت الإجراءات المنصوص عليها في المواد من 540 إلى 544 دون أن يستجيب المشغل لما أمر به، فإن العون المكلف بتفتيش الشغل يحرر محضرا جديدا يوجهه إلى وكيل الملك» وتضيف الفقرة الثانية من هذه المادة على أنه «يجب على وكيل الملك أن يحيل المحضر خلال مدة لا تتجاوز ثمانية أيام من تاريخ التوصل به، إلى المحكمة الابتدائية، التي تطبق عندئذ المقتضيات الزجرية المنصوص عليها في الباب الأول من القسم الرابع من الكتاب الثاني من هذا القانون». VI - متابعة الأعوان المكلفين بتفتيش الشغل المحررين للمحاضر بالزور. لقد بدأ بعض المشغلين يتابع بعض إخواننا المفتشين محرري المحاضر بدعوى الزور، مع العلم أن هذه المحاضر لها قوة ثبوتية إلى أن يثبت عكس ما ورد فيها. وفي هذا المجال تجدر الإشارة إلى أنه قد يعاين مفتش الشغل، مثلا، عدم تسجيل الأجراء وعدم التصريح بأجورهم في تاريخ محدد. إلا أن المشغل قد يعمل على تسوية هذه الوضعية بأثر رجعي ويثبت العكس أو يلجأ إلى جهات إدارية قصد الحصول على وثائق يدحض بها مضامين المحاضر دون توفرها على الدقة المطلوبة. وعلى إثر ذلك يتابع محرر المحضر بالزور وكذلك بالنسبة للمخالفات المتعلقة بعدم تسليم بطاقات الشغل وتواصيل أداء الأجور والتي تمت معاينتها خلال تفتيش الشغل. في حين أن المشغل قد يسلمها لاحقا ويسجل فيها تاريخا قبل تاريخ تحرير المحضر أو تحرير تقرير زيارة التفتيش. وعلى صعيد آخر، فإن مفتش الشغل إذا تعذر عليه دراسة السجلات والوثائق التي تنص مدونة الشغل على إمساكها داخل مقرات العمل، واعتبارا لكون المادة 533 تخوله استفسار «أجراء المؤسسة على حدة أو بحضور شهود حول جميع الشؤون المتعلقة بتطبيق الأحكام القانونية والتنظيمية المتعلقة بالشغل» فإنه يحرر محاضر انطلاقا من تصريحات الأجراء. وقد تؤدي به هذه المبادرة إلى إنكار تصريحاتهم لاحقا خوفا من المشغل. وقد يستعملون كشهود لرفض ما تم تضمينه في محاضر المخالفات والجنح رغم أن ذلك جاء على لسانهم. VII - صعوبة الحصول على الهوية الكاملة للمشغل أو من ينوب عنه. تنص المادة 537 من مدونة الشغل على أنه «يجب على المشغل أو من ينوب عنه، أن يدلي للأعوان المكلفين بتفتيش الشغل، عند تحرير المحضر، بوثيقة تعرف بهويته الكاملة. وتقتضي المادة 24 من القانون رقم 05-43 بمثابة المسطرة الجنائية «يتضمن المحضر خاصة اسم محرره وصفته ومكان عمله وتوقيعه، ويشار فيه إلى تاريخ وساعة إنجاز الإجراء وساعة تحرير المحضر إذا كانت تخالف ساعة إنجاز الإجراء». وطبقا لروح المادة 27 من قانون المسطرة الجنائية، فإن أعوان تفتيش الشغل بصفتهم أعوان الإدارات والمرافق العمومية أسندت إليهم بعض مهام الشرطة القضائية بنصوص متضمنة في مدونة الشغل تهم ضبط المخالفات وهي المواد من 539 إلى 548 وفي الظهير المنظم للضمان الاجتماعي في المادة 16 التي تحدد الإطار العام لمراقبة أحكام الضمان الاجتماعي وتحرير المحاضر بشأن مخالفاتها، واعتبارا لعدم توفرهم على صفة ضباط الشرطة القضائية، فإن مفتشي الشغل يجدون صعوبات في الحصول على الهوية الكاملة للمشغلين المخالفين. وفي هذه الحالات فإن المحاكم لا تعتد بالمحاضر المحررة وذلك رغم أن بعض المؤسسات المخالفة يكون عنوانها معروفا عند الخاص والعام. VIII - عرقلة عمل مفتشي الشغل واستعمال العنف ضدهم على غرار التشريعات الاجتماعية الجاري بها العمل، تجرم مدونة الشغل بواسطة المادة 546 عرقلة ممارسة مهام مفتشي الشغل والتي تتجسد من خلال كل الأفعال والسلوكات التي قد تصدر عن المشغلين وتجعل هؤلاء الأعوان في وضع يستحيل عليهم معه القيام بمهامهم، وتتجلى أهم مظاهر العرقلة في منع المفتشين من ولوج العمل والقيام بالتفتيش. وفي حالة إهانتهم والاعتداء الجسدي والمعنوي عليهم، يتعذر تطبيق المادة 263 من القانون الجنائي والتي تخص «إهانة الموظف العمومي والاعتداء عليه» وذلك لامتناع الشهود عن الإدلاء بشهادتهم أو لعدم وجودهم. إن التطبيق الفعلي لتشريع الشغل وقانون الضمان الاجتماعي وقانون حوادث الشغل يتطلب التنسيق بين وزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية ووزارة العدل والحريات مركزيا وبين السادة وكلاء الملك والسادة رؤساء المحاكم ومندوبيات التشغيل على الصعيد الجهوي، وذلك للتغلب على كل العراقيل والصعوبات التي تحول دون تطبيق هذا الهدف، الشيء الذي سيساهم في تعزيز دولة الحق والقانون في المجال الاجتماعي خاصة وأن البرنامج الحكومي يتضمن من بين ركائزه تطبيق القانون وجزر المخالفات. IX - الإجراءات المقترح اتخاذها من أجل استعمال فعال لمحاضر المخالفات والجنح. انطلاقا من تشخيص واقع المحاضر المحررة في إطار القانون الجنائي الاجتماعي وفي أفق ضمان التطبيق السليم للأحكام المنظمة لعلاقات الشغل وللخروج من هذا المآزق ، فإننا نرى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار المقترحات التالية: - حث السادة وكلاء الملك لدى محاكم الاستئناف والسادة وكلاء الملك على مستوى المحاكم الابتدائية على تحريك الدعاوي العمومية ضد المشغلين الذين حررت محاضر ضدهم وإيلاء هذه المحاضر العناية القانونية الضرورية؛ - تمكين مفتشي الشغل من معرفة مآل المحاضر وتزويدهم بنسخ من الأحكام الصادرة في حقهم؛ - إيجاد حل ملائم لمشكل تنفيذ الأحكام الصادرة في حق المحاضر المحررة في حالات الخطر الحال من طرف قاضي المستعجلات؛ - تفادي إحالة محاضر مفتشي الشغل من طرف بعض وكلاء الملك على الشرطة واستفسارهم حول مضامينها؛ - في حالة تعذر الحصول على الهوية الكاملة للمشغل المخالف، يقترح تكليف الضابطة القضائية بالقيام بذلك بتعاون مع الأعوان المكلفين بتفتيش الشغل. - مؤازرة مفتشي الشغل الذين يتعرضون للعراقيل ورفض ولوجهم أماكن العمل للقيام بالتفتيش وذلك باستعمال القوة العمومية من طرف النيابة العامة لتمكينهم من دخول المؤسسات نهارا أو ليلا حسب مدة العمل المعتمدة وتحرير محاضر ضدهم من طرف ضباط الشرطة القضائية؛ - إقرار تنسيق بين السادة وكلاء الملك بمختلف درجات المحاكم والسادة مندوبي التشغيل بعمالات وأقاليم المملكة. خاتمة إن اتخاذ الإجراءات التي من شأنها الرفع من التنسيق بين الجهازين واحترام مفتشات ومفتشي الشغل ومعرفة مآل المحاضر المنجزة من طرف جهاز تفتيش الشغل والمتابعة الصارمة لكل مخالفي تشريع الشغل سيعطي للعمل الجبار الذي يقوم به السيدات والسادة مفتشو الشغل القيمة التي يستحقها ، كما أن إعمال مقتضيات الاتفاقيتين الدوليتين 81 و129 المتعلقتين بتفتيش الشغل في قطاعات الصناعة والتجارة وكذا في القطاع الفلاحي من شأنه أن يرسي دعائم دولة الحق والقانون ويعطي لمفهوم التطبيق السليم للقانون الاجتماعي والمواثيق الدولية ذات الصلة بالموضوع القوة اللازمة لزجر المخالفين. * ( نائب الكاتب العام للنقابة الديموقراطية للتشغيل (فدش)