الأحباب و الأقارب والأصهار، ولك متسع من الوقت يسمح لك بالضحك حد البكاء، والتعبير عن إعجابك بالعروض الفكاهية المستوحاة من روح الحلقة التي سحرها لا يقاوم. ولك القابلية لدغدغة المكبوت وتفجير الشحنات والكشف عن ضرسة : "العقل " التي لا تراها العين المجردة إلا عند الضحك العميق. وبم أن الضحك أضحى في زماننا عملة صعبة، لا يناله حتى الموسرون الغارقون في المشاريع والصفقات، واللاهثون وراء المداخيل المالية المهمة، فأغلبهم لا يأتيه النوم، ولا يجد راحة بال، ولا لحظة لاسترجاع الأنفاس، اما المعسرة جيوبهم، فهم غارقون في الأوحال حتى مخمص القدمين، منهم من يدفنها في قنينات الخمر، وماء الحياة، والكحول والمخدرات بكل أصنافها، ومنهم من يجد ضالته في تقوية الإيمان بالقضاء والقدر، وربط السعادة بدار البقاء، ومنهم من سرقته طريق الجنون، فصار يحدث نفسه ويضحك من نفسه ومن لاشيء، فالمهم بالنسبة له هو الضحك، ورغم الحنين إلى الضحك وتمني النفس بالترفيه عنها ، إلا أنه و بصفة عامة عند المغاربة محفوف بالمخاطر ، ولعل القوْلة التي ما زالت كثيرة التداول: "الله يخرَّج هاد الضحك على خير" ليست سوى بقية باقية من سلوك يتبرأ به الضاحك من ضحكه أو على الأقل يطلب لنفسه ومن معه السلامة من تبعاته. وليس مجديا ان نتساءل على ماذا نضحك، أو من ماذا نضحك، وحتى الفنانون الفكاهيون أدركوا أن تحقيق الضحك لم يعد سهلا، وخاصة عند اختيار مدينة مراكش المعروفة تاريخيا بالبهجة والفكاهة والنكتة وقوافي الكلام، لذا نجدهم يتكثلون ويعضد بعضهم بعضا، ففي المهرجان الدولي للضحك بمراكش وقع الاختيار على فنانين مرموقين من أمثال حسن الفد ، و رشيد البدوري الشاب الكندي من أصول مغربية، وخالد الزموري، والفنان الشاب هارون والكوميدي باتريس ثيبود. كما سيشارك في الحفل الختامي لهذه التظاهرة الفنية، الذي سيقام بقصر البديع بالمدينة القديمة لمراكش، أبرز الفنانين الكوميديين على الصعيد الدولي من ضمنهم جمال الدبوز، وفرانك دوبوسك، وأنطوني كافاناغ، وجوناتان، ولامبير أودري، ولامي كاميل الساحر. ومن لطف الله أن الدعوة إلى الضحك تأتي "ناشفة "، حيث يعتمد المنظمون الجملة غير المفيدة،ولا يجرؤون على إتمامها بالتفاصيل المنفرة، أو طرح السؤال الطبيعي والحقيقي الذي هو : الضحك على ماذا ؟ أو من ماذا ؟ وهل هناك ما يدعو للضحك وكل الأزمات تتزاحم وتخيم بضلالها على البلد لدرجة أصبح معها منظر المعطلين من حاملي شهادة الإجازة والماستر، والدكاتوراه وهم يتلقون الضربات الموجعة أمام قبة البرلمان عقابا على إصرارهم على المطالبة بالحق في الشغل من المضحكات والمسليات ومن عجائب الحكومات "السبع" ، و نضحك أيضا من منظر الأطر التعليمية والصحية المطالبة بالترقية و بتحسين الوضعية المادية فيجد المحتجون جحافل رجال الأمن مدرعين بالعصي والهراوات وخراطيم المياه تنتظرهم بالأحضان يا وطني..، و نضحك من فلذات أكبادنا وهم يطردون من المدارس، يختطفون و يغتصبون، تنتهك أعراضهم ويقتلون ويدفنون في المزابل أو يلقون في مجاري مياه الصرف الصحي، كما نضحك من غلاء المعيشة وارتفاع الاسعار و من انتشار الفقر والجهل والأمية واكتساح البطالة صفوف الشباب. وقد نموت من الضحك من تضييق الخناق على المقاولات الاقتصادية وتجميد ميزانية الاستثمار العمومي، والدفع برجال الأعمال المغاربة إلى مقاطعة نظرائهم كما هو الحال بالنسبة للزيارة الرسمية الأخيرة التي قام بها رجب طيب أردوغان للمغرب، و من اللازم ألا نفوت على أنفسنا الضحك من التماسيح والعفاريت.. ومن بنكيران وهو يتعمد الرقص مجسدا مقولة " اللي يشطح ما يخفي لحيته"، والشطيح أو الشطحات التي تحولت في زمن رئيس حكومتنا إلى رسائل مشفرة إلى من يهمهم الأمر، وقس على ذلك باقي التعابير والمصطلحات الجديدة التي يتفنن الكل في أن يثري بها القاموس المغربي السياسي. رحم الله " الصاروخ " احد أعمدة الفكاهة بساحة جامع الفنا الذي لم يكن في حاجة للأنوار الكاشفة، ولا لمصممي أزياء، أومخرجين وفنانين موهوبين، بل لم يكن أيضا في حاجة إلى مهرجان دولي أو دعاية لكي يستقطب جمهوره ، فكان يأتي في وقت متأخر من اليوم، ثم يضع دراجته من نوع موبيليت الحمراء وسط الحلقة وقنديل غاز، وينطلق بالفطرة في إضحاك الناس ، وبين الفينة والأخرى يطالب المتحلقين بنفحه ببعض الدريهمات، ومرة لم يحصل منهم على مبتغاه رغم كثرة عددهم، حيث لم يتعد محصوله 10 أو 20 درهم، فوضعها على طبق، وأضاف إليها ما كان بحوزته من نقود، ثم التفت إليهم طالبا منهم أن يعكسوا الآية، ويتطوع أحدهم لإضحاكه مقابل كل ما يملك من نقود زيادة على الدراجة النارية والقنديل، وحين لم يتقدم أي واحد لهذه المهمة، توجه إليهم قائلا: " بالله عليكم هل تعتقدون أن من وراءه أطفال ينتظرون لقمة عيش، ويتجرع مرارة الفقر والحاجة يمكن ان تصدر منه الضحكة..، وكيف أضحك وأنا أعلم أن ثمن تلك الضحكة سيكون وبالا علي وعلى أسرتي، حيث ستضيع مني الدراجة والمال والمشعل الذي يضيء حلقتي، فضحك الحضور ثانية ومنحوه نقودا. إن الأزمة العالمية الخانقة وما ترتب عنها من انكماش اقتصادي وسياحي واجتماعي ورياضي من جهة ، ومن جهة أخرى ضبابية المشهد السياسي أو تدبير الزمن السياسي الذي تعوزه الجرأة في اتخاذ القرار، والمتسم بالمزايدات السياسية والخطابات الفارغة، و الملفات المجمدة، والرقص على مزمار العيساوي، كلها مواضيع قابلة للتجسيد في قالب هزلي يضحك الناس ويرفع من إيقاع قهقهاتهم، هذا إذا وضعنا في الاعتبار أن ما تموج به الحياة اليوم هو شأن اجتماعي وثقافي بالغ الأهمية ، لارتباطه بأنماط العيش و بالتمثلات الثقافية والاجتماعية وبصورة المجتمع وأحكامه و قِيَمِه. والضحك الذي مارسه المغاربة في هذه الأشكال الفكاهية هو ضحك مغربي، " إنه اختراع محلي للضحك" في وقت غير مناسب حسب تعبير نستلهمه من قولة شهيرة لنيتشه.