د. عبدالحق عزوزي / أكاديمي مغربي وأخيراً اجتمع يوم السبت الماضي الجمع العام المؤسس للجامعة الأورومتوسطية ومقرها مدينة فاس المغربية تحت الرئاسة الشرفية للعاهل المغربي الملك محمد السادس، والجامعة تدخل في إطار المنظومة المتوسطية المسماة الاتحاد من أجل المتوسط التي تجمع ثلاثاً وأربعين دولة، بما في ذلك الدول الأوروبية ودول الجنوب المطلة على بحر الأبيض المتوسط. والاتحاد من أجل المتوسط الذي أحدث في 13 يوليو 2008، مبادرة من الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي، مشروع طموح جداً من خلال تبنيه لعدة مشاريع بإمكانها أن تعود بالنفع الجليل على كل المنطقة بما في ذلك: مكافحة تلوث البحر المتوسط (تنظيف مياه البحر وشواطئه مع التركيز على المياه والصرف الصحي)، وتطوير الطرق البرية والبحرية السريعة، أي تحسين النقل بين الموانئ بإحداث طرق بحرية سريعة بالإضافة إلى دعم إنجاز ما لم ينجز بعد من الطريق السريعة المغاربية وربما تشمل هذه الطريق كل الدول على شاطئ المتوسط الجنوبي في وقت لاحق، والتعاون في مجال الحماية المدنية -بما في ذلك الاستعداد والاستجابة والوقاية من الكوارث الطبيعية وتلك التي هي من صنع الإنسان، وتطوير الطاقة البديلة -وبخاصة تطوير البحوث في خطة المتوسط للطاقة الشمسية لتوليد هذه الطاقة، وكذلك تطوير البحث العلمي والتقني، وأخيراً التنمية الاقتصادية -كإقامة هيئة لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة عبر المساعدة الفنية وتوفير الأدوات المالية لذلك). وكل هذه المشاريع لها بعد تنموي واقتصادي على كل المنطقة وبإمكانها أن تسهل التعاون شمال/ جنوب بناء على معايير تكافئية ومتوازية، لأنه لأول مرة في إطار التعاون الأورومتوسطي، يتبنى الاتحاد من أجل المتوسط مبدأ الرئاسة المشتركة الدورية عن الضفة الشمالية للمتوسط وأخرى عن الضفة الجنوبية، ويترأس الاتحاد حالياً الدبلوماسي المغربي فتح الله السجلماسي، ويوجد مقره ببرشلونة بإسبانيا. ومستقبل الأمم والشعوب يكون بالعلم والتعلم ويكون بالتكنولوجيا والخبرات وتبادل المعلومات، ونحن في الدول العربية ستظلم الأجيال اللاحقة إذا لم نستثمر في الوقت الراهن خاصة في العنصر البشري تكويناً وتحفيزاً.. والدول العربية التي عرفت تغييرات سياسية عليها أن تعي هذا المعطى وعياً جيداً... فالبقاء في دائرة مغلقة تتحدث عن الدين والسياسة وعن مواضيع تافهة وخطيرة مضيعة للوقت الثمين ولمستقبل الشعوب. صحيح أن الاتحاد من أجل المتوسط تعثر في الكثير من مراحله بسبب العوامل السياسية، ولكننا بقينا منافحين ومشجعين لمجال البحث العلمي في إطار هذه المنظومة الإقليمية الموسعة وغير المتكافئة بين شمالها وجنوبها، لأنها قاطرة لتعاون بناء ودائم دون تأشيرات ودون حدود جغرافية أو عوائق سياسية... ولا زلت أتذكر لما عقدت مؤتمراً تمهيدياً في إطار المركز المغربي متعدد التخصصات للدراسات الاستراتيجية والدولية الذي أترأسه أيام 04-05-06 ديسمبر 2008 وقبل قمة باريس التي عقدت في 13 يوليو 2008 المؤسسة للاتحاد، أننا دعونا في الإعلان الختامي إلى خلق جامعة أورومتوسطية يكون مقرها بمدينة فاس، والمدينة كانت تحتفل بمرور اثني عشر قرناً على إنشائها وتضم أعرق وأقدم جامعة في العالم وهي جامعة القرويين، وكان البعض يظن أن هذا المقترح مجرد حلم يصعب تحقيقه وها هو الآن يصبح حقيقة بفضل النوايا الحسنة وتضافر الجهود والإيمان اليقيني أن مستقبل الإنسان والأوطان يكون بالعلم والتعلم الحديث ونكران الذات والثبات على المبادئ والقيم الإنسانية والحضارية المثلى. وسيدرس عند افتتاح الجامعة أزيد من ثلاثمائة ألف طالب من ضفتي المتوسط إضافة إلى طلبة أفريقيا والدول العربية لتصبح الجامعة مركزاً دولياً للبحث والتعليم العالي ولتعمل على غرار أكبر الجامعات في العالم وفق المعايير الدولية في مجال الجودة والابتكار كما أنها ستولي اهتماماً خاصاً للقضايا ذات الأولوية على مستوى الفضاء الأورومتوسطي سواء في العلوم الإنسانية والاجتماعية أو في مجال الهندسة، وبالتالي فإنها ستكون قطباً لاستقبال الباحثين والطلبة من ضفتي المتوسط. وستستند الجامعة على مقومات عشرة: 1- مسار جامعي ذو جودة عالية يستجيب للمعايير الدولية ويغطي الأسلاك الثلاثة للتكوين في العلوم الإنسانية 37 في المئة وفي علوم الهندسة 63 في المئة. 2- توجه قوي في مجال البحث من أجل التنمية نحو موضوعات تتعلق بالمحيط الأورومتوسطي، واعتماد فريق من الأساتذة من مستوى عالٍ يتكون أساساً من أساتذة باحثين ذوي خبرة في مجال البحث العلمي. 3- مجال حيوي للتلاقح والتبادل البناء بين فريق تربوي وفريق إداري وكذا مجموع الطلبة الوافدين من مختلف دول المجال المتوسطي وأفريقيا والوطن العربي. 4- اعتماد نظام الدبلومات المشتركة مع أرقى المؤسسات الشريكة من المجال الأورومتوسطي. 5- بذل منح للطلبة المتفوقين من ذوي الدخل المحدود. 6- إقامات جامعية تستجيب للمعايير الدولية. 7- تدريبات وسفرات طويلة المدى للتكوين وتبادل الخبرة وذلك في أرقى الجامعات والمركبات الصناعية في دول جوار المتوسط. 8- تدبير وطرق تسيير مبنية على التقييم على جميع المستويات وباتجاهين تصاعدي وتنازلي، مع اعتماد معايير الاستحقاق. 9- بنية تنظيمية على شكل برامج ومدرسة للمهندسين وليس على شاكلة الشُّعَب. 10- بنيات ومصالح لإدماج خريجي الجامعة الأورومتوسطية في المحيطين الاقتصادي والاجتماعي، وكذا بنيات لوجستيكية قادرة على تيسير عملية نقل التكنولوجيا وخلق فرص انطلاق حقيقية لمشاريع وبنيات أعمال ذات مصداقية. المطلوب من العالم العربي الآن هو البحث عن قاعدة تعليمية صلبة ومتمكنة، تمكن من انبثاق ونمو وإدخال كل الطاقات البشرية العربية والإسلامية في مجال التنمية التشاركية ونكون بذلك قد حققنا وسائل للتغيير نحو الأنماط المجتمعية التي تسمح لدولنا، ليس فقط بتحقيق القيم الإنسانية المثلى، بل أيضاً بزيادة قدرتها على التحكم والسيطرة على نمو المجتمع وتطوره. اقرأ المزيد : وجهات نظر | عن الجامعة «الأورومتوسطية» بفاس | Al Ittihad Newspaper - جريدة الاتحاد http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=69403#ixzz2DVQRPFtD