كندا تختار المغرب أول بلد في العالم لتجربة التأشيرة الرقمية!    ريال مدريد يواصل هدر النقاط وبرشلونة يقتنص صدارة الليغا    إيغامان يهدي الانتصار إلى نادي ليل    مرتفعات الريف تكتسي حلة بيضاء بعد تساقطات ثلجية (صور)    استنفار أمني بعد العثور على جثث أسرة كاملة بأحد السوالم    شنوف يتباحث مع مسؤولين أردنيين    فضائح الأدوية تضع وزراء الصفقات الكبرى تحت المجهر    المنتخب المغربي النسوي U20 يهزم الأردن بثلاثية ويتأهل لنهائي اتحاد شمال إفريقيا    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش: فيرجيني إيفيرا وكيارا ماستروياني تدعوان إلى سينما حرة ومتحررة من هاجس الربح المادي    بنكيران: حكومة العثماني كانت "معاقة" ولفتيت أصبح وزيرا لأنه "تدابز" مع "البيجيدي" وأخذوا منا حوالي 30 مقعدا    591 خرقًا إسرائيليًا لوقف النار في غزة    البواري: إصلاحات أخنوش أنقذت الفلاحة والمغرب مقبل على طفرة مائية غير مسبوقة    نتنياهو يطلب العفو رسمياً من رئيس الدولة    تحويلات الجالية المقيمة بالخارج تسجل رقما قياسيا جديدا    شوكي يهاجم : فوبيا اسمها التجمع الوطني للأحرار... والحزب يسير ولا يزحزحه أحد    أخنوش: الحكومة لم تعد تكتفي بتدبير نقص المياه ولكنها تجد حلولا جذرية وطويلة المدى لتأمين الموارد    يوسف ميهري خارج حسابات المغرب في كأس العرب واسم لامع يشارك بدلًا منه!    صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد يترأس حفل عشاء أقامه جلالة الملك بمناسبة الافتتاح الرسمي للدورة 22 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش    توقعات بارتفاع حجم الاستثمارات الإسبانية في طنجة خلال منتدى مدريد المرتقب    أخنوش يكشف أرقامًا مبشرة حول الزيتون والدعم للفلاحين    انتخاب خالد العلمي الهوير كاتبا عاما جديدا للكونفدرالية الديمقراطية للشغل    عبد الرحمن الصناغي يُكرَّم بالدكتوراه الفخرية تقديراً لجهوده في تطوير التعاون الرياضي والثقافي بين الصين وإفريقيا    أخنوش من تيسة: مسار الإنجازات يقترب من المواطنين... و2026 سنة الحسم في بناء الدولة الاجتماعية    توقيف المعارضة التونسية شيماء عيسى تنفيذا لحكم ضدها بالسجن 20 عاما    بركة في أسبوع التضامن: المغرب ثابت في دعم فلسطين ورسالة الملك خارطة طريق لحل عادل ودائم    أكاديمية المملكة تنصب 7 أعضاء جدد    ثورة منتظرة في بث "الكان".. وكاميرات عنكبوتية بإشراف دولي غير مسبوق    أخنوش: نجوب كل مناطق المغرب لنقترب من واقع المواطنين ونستمع لمتطلباتهم حتى نضمن لهم حياة أفضل    االجامعة الوطنية للصحة تستنكر "الأزمة الخانقة" داخل الوكالة المغربية للأدوية وتحذّر من تهديد استقرار المنظومة الصحية    اختتام مهرجان الدوحة السينمائي 2025    في جلسة نقاشية حول بناء منظومة سينمائية إقليمية مستدامة تؤكد على أهمية تعزيز التعاون:    فيلم "الخرطوم" يثير شعوراً قوياً بالوحدة بين الجمهور السوداني في مهرجان الدوحة السينمائي    الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالمغرب تتجاوز 27 مليار درهم        النيابة العامة تُلزم بتحديد تاريخ ارتكاب الجريمة في أوامر الإيداع بالسجن    قافلة كان المغرب 2025 تنطلق في جولة من لندن في غياب تمثيلية مغربية        إدارية فاس تحدد تاريخ النطق بالحكم في طلب عزل رئيس جماعة تارجيست    ترامب يعلن إغلاق المجال الجوي الفنزويلي وكراكاس تندد: "هذا تهديد استعماري"    الصين/آسيان: إطلاق قاعدة للابتكار لتعزيز التعاون في الصناعات الناشئة    أخنوش: تأمين الماء أولوية وطنية ومشروع الربط المائي أنقذ 12 مليون مغربي من العطش    اعتماد الزاهيدي: حزب الأحرار خلق دينامية غير لا يمكن المزايدة بشأنها    الجماعة الترابية للبئر الجديد تفنّد إشاعات عزل رئيسها وتؤكد استمرار عمله بشكل طبيعي    إحباط محاولة للهجرة السرية بجماعة أولاد غانم إقليم الجديدة بتنسيق أمني محكم    لقاء يناقش كتاب "إمارة المؤمنين"    إصابة سيدة بحروق في اندلاع حريق داخل شقة سكنية بطنجة بسبب تسرب غاز    مراكش تحتفي بأيقونة السينما الأمريكية جودي فوستر    جامعة غزة تخرج من تحت الأنقاض وتعيد طلابها إلى مقاعد الدراسة بعد عامين من حرب الإبادة (صور)    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    منظمة الصحة العالمية تدعو لتوفير علاج العقم بتكلفة معقولة ضمن أنظمة الصحة الوطنية    منظمة الصحة العالمية تنشر للمرة الأولى توجيهات لمكافحة العقم    المغرب .. 400 وفاة و990 إصابة جديدة بالسيدا سنويا    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    بعد ‬تفشيها ‬في ‬إثيوبيا.. ‬حمى ‬ماربورغ ‬تثير ‬مخاوف ‬المغاربة..‬    علماء يكتشفون طريقة وقائية لإبطاء فقدان البصر المرتبط بالعمر    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المغرب يجدد التزامه بانطلاقة صادقة وجادة للبناء المغاربي ولبناء مستقبل مشترك يرتكز على احترام السيادة والوحدة الترابية للدول وعلى حسن الجوار
الإصلاح المؤسسي بالمغرب يتبنى أعلى معايير الديمقراطية، والحكامة الجيدة، وإنعاش حقوق الإنسان
نشر في العلم يوم 06 - 05 - 2011

شارك الوزير الأول الأستاذ عباس الفاسي في الأيام الدراسية التي ينظمها فريق الحزب الشعبي الأوروبي بالبرلمان الأوروبي بمدينة باليرمو الايطالية من 4 إلى 6 ماي 2011. وحاضر في المحور المخصص لموضوع «إعادة بناء شراكة قوية بحوض المتوسط : رد على الأزمة بالعالم العربي وشمال إفريقيا»، وذلك إلى جانب السادة فيكتور أوربان الوزير الأول الهنغاري ورئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، وسيلفيو برلوسكوني رئيس الحكومة الإيطالية، وكذا لورونس غونزي الوزير الأول المالطي. فيمايلي نص المحاضرة :
بسم الله الرحمن الرحيم
أصحاب المعالي الوزراء الأولين ؛
صاحب المعالي رئيس البرلمان الأوروبي ؛
صاحب المعالي رئيس الحزب الشعبي الأوروبي ؛
حضرات السيدات والسادة ؛
أود أن أعبر عن تقديري الكبير لهذه المبادرة المحمودة والملائمة للحزب الشعبي الأوروبي بتنظيم هذه التظاهرة الهامة حول مستقبل العلاقات الأورومتوسطية، في ظرف تعرف فيه منطقتنا بالفعل، تحولات عميقة منذ بداية هذه السنة.
واسمحوا لي في هذا الصدد، أن أعرب لكم عن خالص الشكر لتفضلكم بدعوة بلدي، المملكة المغربية، للمشاركة في هذا التأمل، والمساهمة في النقاش انطلاقا من أفقه الخاص؛ هذا الأفق الذي مزج باستمرار، وبنفس الاهتمام والالتزام، تضامنا قويا بين البلدان العربية، وانفتاحا واثقا نحو الاتحاد الأوروبي، وقناعة أورو متوسطية راسخة.
وباختيار مدينة باليرمو الجميلة لالتئامنا في هذه المناسبة، فإنكم تعبرون عن تقديركم لهذه الهوية المتوسطية المتفردة، التي استطاعت على الدوام، المزج بين عدة روافد ثقافية وإنسانية، والتوفق بتألق، في تجميع هذا التنوع الرائع الذي يميز فضاءنا المشترك.
إن الحركات الكبرى التي تشهدها البلدان العربية منذ بداية هذه السنة، تحمل آمالا عريضة في مُواطن متجدد، وتطلع ديمقراطي، وانفتاح اقتصادي وتنمية بشرية.
وأبعد من الخصوصيات التي تميز كل بلد، فإن هذه التطورات التي كانت وراءها قيم الديمقراطية، وإنعاش حقوق الإنسان، تؤكد أن المجتمعات العربية هي كذلك في حاجة إلى انفتاح اقتصادي بقدر ما هي في حاجة إلى ديمقراطية سياسية.
وهذه القفزة الرائعة التي تعيشها منطقتنا يتعين دعمها ومساعدتها وتشجيعها بمقاربة تشاركية أكثر تبصراً، وأكثر طموحاً، وأكثر تضامناً.
وفي هذا السياق، فإن المواضيع المقترح علينا مناقشتها بمناسبة هذه الأيام الدراسية تعكس امتداد الأجندة الأورومتوسطية وحجم الرهان الإقليمي. وهي تشهد كذلك على الطاقة الكبرى التي تختزنها هذه الشراكة.
وإعطاء أجوبة واضحة وواقعية من شأنه تحويل التحديات إلى فرص، ورسم الطريق من أجل حكامة أورومتوسطية متجددة، وإطلاق دينامية شراكة مثلى.
لكن هذا الطموح الذي نرغب فيه، لايمكن تحقيقه دون إحلال مناخ للسلم والأمن والاستقرار في المنطقة. وهذا المناخ يبقى رهينا بالتسوية النهائية للقضية الفلسطينية التي لايرى المغرب أي بديل لها إلا بإحداث دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة وتتمتع بالسيادة على مجموع أراضيها بالضفة الغربية وغزة ، بعاصمتها القدس .
والانطلاقة الحقيقية للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية تمر بالضرورة عبر احترام مبادئ الشرعية الدولية، ومقررات مجلس الأمن، والمبادرة العربية للسلام.
وفي هذا الصدد، أذكر بجهود المغرب من أجل الحفاظ على النظام القانوني للقدس وأماكنها المقدسة، لاسيما المسجد الأقصى.
كما أن حوض المتوسط مطالب بتنمية تعاون مدعم على الصعيد الإقليمي، لاسيما على مستوى اتحاد المغرب العربي.
وفي هذا الصدد، يجدد المغرب التزامه بانطلاقة صادقة وجادة للبناء المغاربي ولبناء مستقبل مشترك يرتكز على احترام السيادة والوحدة الترابية للدول، وعلى حسن الجوار. وهو يدعو الأطراف الأخرى للاستجابة لنداءات مجلس الأمن وللالتزام لصالح تسوية سياسية للنزاع المفتعل المتعلق بوحدته الترابية على أساس حكم ذاتي موسع لجهة الصحراء .
معالي الرئيس ؛
أصحاب المعالي؛
حضرات السيدات والسادة ؛
إن الفضاء الأورومتوسطي قد بلغ اليوم، نسبة من الاندماج التجاري والالتقائية القانونية لدرجة أنه حان الوقت لكي نحدد هدفا أكثر طموحاً يتجاوز إرساء منطقة للتبادل الحر .
والغاية الطموحة التي نستطيع تحديدها جميعا، تتمثل في خلق فضاء اقتصادي مشترك، مستوحى من القواعد والمساطر التي تضبط الفضاء الاقتصادي الأوروبي.
وفي هذا الصدد، فإن رد الفعل الرائع الذي أبان عنه قطاع النسيج الأورومتوسطي تبعا لتفكيك الاتفاق متعدد الألياف، وإعادة تموقعه في مجالات تنافسية ينبغي أخذه كنموذج لقطاعات الأنشطة الأخرى.
كما أن النمو المطرد للمهن الجديدة كالخدمات عن بعد، تعبر عن مؤهلات التكامل بين اقتصادياتنا؛ لدرجة أن مفهوم الترحيل قد أصبح متجاوزاً بالنسبة للواقع الاقتصادي الأورومتوسطي.
ويتعلق الأمر في الواقع بإعادة الانتشار داخل نفس الفضاء الاقتصادي، وبالتآزر بين اقتصاديات تخضع لنفس القواعد والمعايير وتتنامى في نفس المحيط القانوني.
فعبر اتباع إجراء كهذا سنعطي دينامية لتدفقات الاستثمار وتنمية التكاملات بين اقتصادياتنا، أخذاً في الاعتبار البعد التنموي، وإلا فإن الغاية من التحرير التجاري لمبادلاتنا، لاسيما الفلاحية منها، قد تعترضه عقبات في الأمد المتوسط.
وبصفة عامة، فإن هدف إقامة حوض المتوسط كقطب تنافسي وجذاب، يمر كذلك عبر إدخال ملائم لاقتصاديات الضفة الجنوبية في استراتيجية لشبونة، وتصور متوسطي بديل للسياسة الفلاحية المشتركة، والعمل، حالة بحالة، على توسيع بعض السياسات القطاعية المشتركة المعمول بها في إطار البحث التنموي واقتصاد المعرفة، وإعداد أنشطة متشاور بشأنها في مجال الطاقة، وإطلاق مشاريع جهوية في مجال النقل والتنمية المستديمة.
وفي نفس السياق، فإن المعطى البيئي، فضلا عن جوانبه الإنسانية، يجب أن يؤخذ في امتداداته الاقتصادية والديمغرافية، بل وحتى الأمنية. ذلك أن المخاطر المرتبطة بالتغيرات المناخية أمر واقع، وتداعياتها أصبحت مؤثرة في مردودية فلاحتنا، وفي الحركات البشرية، وفي الأداءات الاقتصادية بصفة شمولية.
وأكثر من ذلك، فإن التغيرات المناخية تبرز ظاهرة الهجرة البيئية الوافدة من جهات أخرى من العالم. ويعتقد أن عدد المهاجرين «البيئيين» قد يصل، عبر العالم، إلى 50 مليون سنة 2015، وقد يناهز 200 مليون سنة 2050.
وإن مشروع تطهير المتوسط سيمكننا من التنمية بكيفية بيئية قابلة للاستمرار، ومن تقليص الضغوطات المفروضة على الموارد الطبيعية.
ذلك أن التعمير السريع، لاسيما في المناطق الساحلية، والزيادة القوية المرتقبة للسياحة، تتطلبان أعمالا حازمة وآليات تدبير تشاوري وتضامني للمعطى البيئي في حضيرة الفضاء الأورومتوسطي.
معالي الرئيس ؛
أصحاب المعالي؛
حضرات السيدات والسادة ؛
فيما يتعلق بالبعد البشري، يتعين علينا أن نعالج معطى الهجرة وفق مقاربة تشرك، على قدم المساواة، بلدان الأصل، والعبور، والاتجاه، وترتكز على المسؤولية المتقاسمة والتضامن والتنمية المشتركة.
والغاية هي تصور سياسة للهجرة تستهدف في نفس الوقت، دعم النمو الاقتصادي وتصحيح الفوارق الديمغرافية. وينبغي أن تدخل هذه السياسة لزوماً مراقبة الحدود ومحاربة الهجرة غير الشرعية والاتجار في البشر.
فبهذه الوسيلة سيمكننا إفشال ردود انقباض الهوية أوالانغلاق الطائفي، وتمكين الهجرة في النهاية، من بناء جسور بين الثقافات وتجميع رأسمال بشري مفيد للجميع.
وفيما يخص البعد الثقافي بالذات، فإن عملنا الجماعي ينبغي في نفس الوقت، أن يستجيب لحاجة التربية وتحرر الفرد، وأن يعكس ضرورة مناهضة عدم التسامح وإنعاش احترام المعتقدات.
وفي هذا الصدد، فالرهان هو معرفة تدبير تعددية الانتماء الثقافي، بمساعدة سكاننا المهاجرين على إيجاد توازن للهوية، بإدماج أبعاد جديدة للجذور الأصلية للمهاجر، وهذا ما يعني بناء نظام ثقافي يجمع في نفس الوقت، الخصوصية والكونية.
وفي عالم يتسم ببروز قدرات علمية وتكنولوجية جديدة، فإن إقامة فضاء أورومتوسطي للبحث أمر أساسي لإنعاش اقتصاد الإبداع.
إن استثمار الرأسمال البشري الذي يعد أساس التنمية، لابد أن يمر عبر سياسات تربوية ناجعة وتعليم عال ذي جودة.
وفي هذا الصدد، فإن المغرب عازم على بلورة مشروع جامعة أورومتوسطية بفاس، كموجه لحركية الطلبة والباحثين والأفكار. وعلينا موازاة لذلك، إنعاش توأمات افتراضية بين مدارسنا وثانوياتنا، لتمكين شبابنا وفتياننا من تقاسم المعرفة والانفتاح على الثقافات الأخرى.
كما أن التكوين المهني يشكل رهانا رئيسيا لتنافسية اقتصادياتنا. وهكذا فإن نظاماً لاحتضان أنظمة الدراسات بشعبه من لدن منظمات مهنية يجد كل جدواه. فهو سيمكن من تنمية الكفاءات على الصعيد المحلي، وتوقع الحاجات المستقبلية والانتظارات في مجال تركيز وإعادة انتشار وإنعاش الهجرات المؤهلة.
معالي الرئيس ؛
أصحاب المعالي؛
حضرات السيدات والسادة ؛
إن الأفق الإستراتيجي للمملكة المغربية على الصعيد الجهوي لينسجم كليا مع طموح نظام الوضع المتقدم الذي يرى فيه المغرب عاملا للإسراع بالدينامية الإصلاحية التي انخرط فيها بإصرار.
لقد شرعت بلادي منذ أكثر من عقد، في ورش واسع لتحولات كبرى، وانفتاح سياسي هام، وتنمية اقتصادية متواصلة، وتقدم اجتماعي ملموس. والانشغال الدائم بالتوفيق بين الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية من جهة، والتطورات السياسية والديمقراطية من جهة أخرى، هو ما مكن المغرب من الحصول من الاتحاد الأوروبي، على نظام الوضع المتقدم، وهو اعتراف واقعي بالتقدم المنجز في السابق، ورهان حقيقي لتعميقه في المستقبل.
وكل ما يقوم به المغرب تجاه الاتحاد الأوروبي، ومبادرات المجموعة الأوروبية التي ينخرط فيها، تجد جذورها في نفس الرؤية الإستراتيجية ونفس المسعى الإرادي؛ أي بلوغ القرب الأمثل من الاتحاد الأوروبي.
وهذا الموقف هو الذي أوحى بنظام الوضع المتقدم، والذي غايته الأساسية هي بناء فضاء للقيم المشتركة في مجال الديمقراطية والحكامة الجيدة وحقوق الإنسان، وتشييد فضاء اقتصادي مشترك سيمكن المغرب من استيحاء مكتسبات المجموعة لبناء اقتصاد منفتح ومتضامن.
وتجربة التوأمة بين المؤسسات التي يعتبر المغرب المستفيد الرئيسي منها، ب 44 عملية لحد الآن، تشهد بوثوق هذا المسعى الذي يتمثل في الاستفادة تدريجيا من مكتسبات المجموعة الأوروبية، في وضعية مماثلة لبلد مرشح.
وبفضل هذه التوأمات، تمكن المغرب من إرساء قواعد الحكامة الجيدة، وتدبير انتقاله الاقتصادي، وتحسين مؤشراته الاجتماعية. وهناك قطاعات أخرى ستكون موضوع تراصف مع مكتسبات المجموعة الأوروبية.
وستتبع قطاعات أخرى تدريجيا نفس المسار، بكيفية يصبح المغرب معها في النهاية، البلد غير المنخرط الذي استفاد من أكثر مكتسبات المجموعة الأوروبية.
ويستهدف هذا التقارب إنعاش توازن بين أبعاد الحكامة الجيدة ودولة القانون، والتنافسية الاقتصادية، والبعد الإنساني، وهي مجالات التعاون التي يعمل المغرب على تحديدها مع المجلس الأوروبي، والتي ستعبأ خبرتها لتطبيق الإصلاحات في مجال القضاء، ومقاربة النوع، والعدالة الانتخابية، والسمعي البصري، والديمقراطية المحلية والجهوية، وتمويل الأحزاب السياسية.
وبالنظر إلى كل هذه التطورات والإنجازات، يأمل المغرب في أن تغتني شراكته مع الاتحاد الأوروبي وتتعزز أكثر فأكثر، بما يسمح بمواكبته في مشروع مجتمع منفتح ديمقراطي ومتضامن، والذي هو بصدد بنائه، وبدعم الأوراش المتعددة المرتبطة بالحكامة العمومية التي فتحتها بلادنا.
وعلى الصعيد المؤسسي، فإن بناء دولة القانون يتواصل بتحكم وحزم. وهكذا فقد تم تنصيب المجلس الاقتصادي والاجتماعي. كما تم توسيع صلاحيات الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة ومجلس المنافسة. وتم على الخصوص، تقوية مؤسسة الوسيط، وكذا المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان. ودخل إصلاح قطاع العدل في مرحلة عملية. والغاية من كل ذلك هو أن يتبنى المغرب أعلى معايير الديمقراطية، والحكامة الجيدة، وإنعاش حقوق الإنسان.
معالي الرئيس ؛
أصحاب المعالي؛
حضرات السيدات والسادة ؛
ولتكريس هذه الرؤية بصورة أكبر، فقد قرر صاحب الجلالة الملك محمد السادس، يوم 9 مارس الأخير، مراجعة عميقة للدستور سيواكبها تنظيم ترابي جديد للدولة، بجهات ذات اختصاصات وصلاحيات جد واسعة.
وتتجلى هذه المراجعة الدستورية الجريئة فيما يلي:
تكريس الطابع التعددي للهوية المغربية وفي صلبها الأمازيغية؛
ترسيخ دولة القانون والحريات واحترام حقوق الإنسان في كل أبعادها؛
ضمان سيادة القانون واستقلالية القضاء؛
توطيد فصل السلط وتوازنها، لاسيما من خلال تقوية مكانة الوزير الأول كرئيس فعلي لسلطة تنفيذية؛
تعزيز دور الأحزاب السياسية في إطار تعددية فعلية؛
وأخيراً، تقوية آليات تخليق الحياة العامة والهيئات المكلفة بالحكامة الجيدة.
وفي الميدان الاقتصادي، فقد عمل المغرب على تسريع تحسين حكامة السياسات العمومية، وتقوية تنافسيته، وأطلق العديد من الإستراتيجيات القطاعية. وفي هذا الاتجاه، يواصل تنفيذ مخطط الإقلاع الصناعي الذي انطلق سنة 2009، والمخطط الرقمي 2013، بغية تموقع المغرب كقطب للتكنولوجيا والخدمات عن بعد.
وفي المجال الفلاحي، تم وضع مخطط المغرب الأخضر الذي يستهدف تحسين التنافسية الفلاحية، ورفع قيمة الصادرات، وإنعاش الفلاحة التضامنية. كما حدد مخطط تنمية قطاع الصيد «هاليوتيس» من جهته كهدف، تحديث النشاط البحري لجعله في مستوى المعايير الدولية في هذا المجال.
وعلى صعيد التجهيزات الأساسية، عمل المغرب على تسريع تقوية البنيات التحتية لمختلف أشكال النقل الطرقي والبحري والسككي والجوي. وترمي استراتيجية الطاقة، خاصة منها الشمسية، التي تبناها المغرب في إطار استراتيجيته للتنمية المستديمة، إلى التوصل سنة 2020، إلى قدرة إنتاجية ل 2.000 ميكاواط. وهو مشروع يستهدف تقليص التبعية الطاقية للبلاد.
وبصورة عامة، جعل المغرب من تحسين حكامته الاقتصادية خياراً استراتيجياً يروم بناء اقتصاد متين، قادر على مواجهة اقتصاد تنافسي أكثر فأكثر. وكل هذه الإصلاحات تباشر بدعم من الهيئات الدولية، خاصة الاتحاد الأوروبي، ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، وصندوق النقد الدولي والبنك العالمي.
وبالنسبة للمرحلة المقبلة، سيكون من الضروري الحفاظ على مكتسبات السياسة الأوروبية للجوار، لاسيما ازدواجيتها المتمثلة في الوحدة والتباين، في نفس الوقت الذي ننمي فيه تفاعلا وتآزراً أكثر بين مكونيه، السياسي والاقتصادي، بكيفية تعطي فعالية وتأثيراً أكبر.
وفي الختام، فإن المغرب مقتنع، بتصور حكامة إقليمية متجددة، بأن حوض المتوسط سيقترح رؤية جديدة للعولمة ؛ رؤية تعطي الامتياز لقيم التقنين الإقليمي، وفضائل القرب الجغرافي، وتعرف على الخصوص، كيف تجعل الإنسان في صلب مخططات الشراكة والتعاون.
والتزامنا ببلورة هذه المبادرة الجديدة لا يعادله إلا قناعتنا بأن مستقبل المتوسط وقدر شعوبنا وتفتحها تمر عبر انتشار طفرة جديدة للتضامن والشراكة بين ضفتي المتوسط.
شكراً لحسن إصغائكم، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.