في الوقت الذي لم تنته فيه الضجة والجدل، الذي أثاره تقديم وزير الاتصال، الناطق الرسمي باسم الحكومة لدفاتر التحملات، الخاصة بالإعلام المرئي والمسموع، والذي توقف بتدخل ملكي، لإعادة الدفاتر إلى النقاش العمومي والمهني، وتأخير العمل بها إلى حين الحصول على التوافق والتراضي مع الفاعلين، يخرج علينا السيد الوزير الذي يرفض الاستقالة والتخلي عن مشروعه، لفتح الحوار حول الصحافة المكتوبة مع النقابات المعنية، بمنهجية استئصالية منافية للواقع الديمقراطي، ولطبيعة نظامنا السياسي، الذي يكرس التعددية الحزبية والنقابية، مقلصا الحوار حول الصحافة مع النقابات التي تمثل أرباب المقاولات الصحفية، والأحزاب السياسية -اعتمادا على مبدأ النقابات الأكثر تمثيلية- في الوقت الذي توجد في المشهد النقابي الصحفي، نقابات أخرى فاعلة، وهذا مايطرح أكثر من علامة استفهام على مستقبل الحوار، وعلاقة الوزارة بالفاعلين في المجال، وإصلاح الواقع الإعلامي عموما، ولايسعنا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، إلا أن نكون في موقفنا من مبادراته مع المحتجين والمعارضين، وإن كنا نلتمس له ولباقي مكونات التحالف الحكومي العذر في المنهجية التي يسلكونها اتجاه انتظارات المواطنين، واتجاه متطلبات تدبير قطاعاتهم التي تحتاج إلى المزيد من الوقت والدعم من كافة الأطراف المعنية، داخل التحالف الحكومي وخارجه، ولعل وزيرنا في الاتصال يدرك خلاصات الاحتجاج الذي خلفته مبادراته، التي لازالت موضوعا للنقاش الساخن والمثير للجدل، وللتصعيد إذا ما راهن على التمسك بمواقفه الانفرادية، التي لايوافقه عليها أحد، فبالأحرى مكونات المشهد الإعلامي الوطني، التي تختلف مع توجهات حزبه على أكثر من صعيد. وفي هذا الملف الإعلامي، الذي يقتضي حصول التوافق والتراضي بين الفاعلين حول مشاكله التي توظفها لوبيات الفساد لعرقلة الحكومة الجديدة في ترجمة توجهات تصريحها أمام البرلمان، وهذا ما لم ينتبه إليه وزراء بن كيران في القطاعات التي يشرفون عليها، والتي يتطلب الموقف منها تغيير جذري لإستراتيجية العمل الحكومي، التي يمكن أن تُفعل الإصلاحات المطلوبة، دون أن تعصف بما تبقى للحكومة من قدرة على تفعيل اختيارات برنامجها في شروط المرحلة الراهنة التي لاتتلاءم مع ما كان حزب العدالة والتنمية يراهن عليه في الدخول إلى تجربة الحكومة الجديدة، وهو ما بدأ بن كيران يعبرعنه صراحة في جميع خرجاته، من أن ثقل المسؤولية الحكومية أكبر من الإمكانيات المتاحة أمامه فعليا، ولا ينسجم مع ما يطرح في الحراك الاجتماعي في الشارع، وإن كنا نتفهم ونقدر خطورة وجسامة المسؤولية الحكومية في ظل الدستور الجديد، الذي نص على مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، فإن ذلك لا ينبغ أن يدفع من يتحمل المسؤولية إلى الوقوع في الأخطاء التي تبرر هذه المحاسبة، من قبيل تبني القرارات الانفعالية الغير مدروسة، خصوصا وأن المعني بالمسؤولية يمتلك كل الوسائل البشرية والقانونية والتنظيمية التي تقلل مساحة الأخطاء، التي يمكن أن يقع فيها، لاسيما في القطاعات العمومية الخدماتية الحساسة، التي تستلزم بعد النظر والإنصات إلى الرأي الآخر، وعدم الشروع في اتخاذ القرارات، والتدرج في صياغتها والحرص على توسيع مساحة الحوار حولها، مع كافة المتدخلين فيها بصفة عامة، كما حدث في دفاتر التحملات الخاصة بالإعلام المرئي والمسموع، وربما ستكون أيضا في الحوار الوطني الذي قرر الوزير فتحه حول الصحافة المكتوية، من خلال دعوته الانتقائية لبعض النقابات، واستثناء أخرى، وهذا ما يبرر الغليان والاحتجاج والاحتقان القائم الآن، والذي يستدعي من الوزير تجاوز هذه الرؤيا الاختزالية الضيقة، وتوسيع المساحة إلى جميع الأطراف التي يمكن أن تساعد على إغناء الحوار حول قانون الصحافة وتنظيم شروط ممارستها، وحري بالوزير، أن يسارع إلى تجاوز المنظور الإقصائي، ودعوة الجميع إلى مائدة الحوار، الذي لن يتقدم بدون مشاركة كافة الفاعلين العاملين في القطاع، الذين ليسوا موظفين تابعين للوزارة، والذين يتطلعون في مقاولاتهم الصحفية إلى المزيد من الحرية والكرامة والعدالة، التي تمكنهم من تحسين أدائهم المهني وتجنبهم الأخطاء والتجاوزات، التي كانت تعرضهم للمتابعة القضائية، كما هو سائد حتى الآن، وصولا إلى صياغة القوانين وانتخاب المجلس الوطني للصحافة، الذي سيوكل له وحده النظر والفصل والزجر، بعيدا عن صيغة التعامل الحكومي الحالي المرفوض من طرف الجميع، جملة وتفصيلا. فهل سيتعامل الوزير مع مهنيي القطاع بهذه الروح التشاركية الديمقراطية، ويستدعي للحوار، جميع الأطراف المعنية، على قدم المساواة في كل مستويات هذا الحوار، التي يجب أن تحرص الجهات التي ستنظمه على الإنصات لجميع المداخلات والاقتراحات والانتقادات في أفق صياغة التوصيات ومشاريع القوانين، التي تحظى بالموافقة الشمولية المنسجمة مع التنزيل الجيد والإيجابي للمبادئ التي جاءت في الدستور المصادق عليه من قبل الشعب المغربي في فاتح يوليوز 2011 ..؟ وترى هل سيتعامل الوزير مع الصحافيين على ضوء هذا التصور، الذي تقترحه النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، أم أنه سيظل أمينا على خطة من سبقوه في هذه الوزارة، والتي لم تحقق أي تقدم في معالجة أبسط المشاكل المطروحة في الصحافة والإعلام بمختلف قنواته بصفة عامة ..؟ وهل الوزير الذي لانشك في صدق نواياه ومؤهلاته سيتحرر من هذا المنظور السلطوي الاستئصالي، الذي طبع تعامل من سبقوه مع النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، حتى الآن ؟ علما أن هذا التنظيم النقابي لايقل وعيا وخبرة وتجربة عن المنظمات التي قرر الحوار معها حول واقع المشهد الصحفي الوطني، ويتحرك رغم الإكراهات التي تواجهه بحضور وفعالية ومصداقية من تلك التي أعلن الوزير عن دعوتها للحوار، وفي الوقت الذي لا أحد يتجاهل واقع نظامنا السياسي الذي يقوم على التعددية السياسية والنقابية، التي يجب احترامها وتفعيلها، بعيدا عن المنظور الاستئصالي، الذي كان حزب الوزير نفسه يعاني منه قبل الوصول إلى الحكومة. أمام هذا السلوك المرفوض، لايسع الأمانة العامة للنقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، إلا الإعلان عن موقفها الصريح الرافض لهذه المنهجية في التعامل، التي قرر الوزير إتباعها، وقد ترجمت رفضها هذا، في الرسالة التي بعثت بها إلى وزارة الاتصال، صباح انعقاد اليوم الدراسي الذي ترأسه الوزير مع جهات بعينها، مع دعوته إلى تجاوزها (المنهجية) بما يحقق مشاركة ومساهمة كل المنظمات العاملة في المجال، في أفق إنجاح الحوار وتحقيق التراضي والإجماع الوطني، حول ما يجب أن يكون عليه الإعلام في كافة حالاته المرئية والمسموعة والمكتوبة والإلكترونية مستقبلا. ختاما، لنا الثقة كنقابة مدنية فاعلة في أن يتفهم السيد الوزير مشروعية طلبنا، ويبادر إلى احترام الحد الأدنى الذي يتطلبه الحوار حول الهم الصحفي، وأن يتخلى عن هذه المنهجية التي لم تعد مستجدات الواقع تتحملها، وإذ تعبر الأمانة العامة للنقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، عن هذا الموقف الاجتماعي التعددي المسؤول، فهي لا تسعى في ذلك، إلى التشويش أو المعارضة السلبية، بقد رما تنبه إلى ما يجب أن يكون عليه موقف الوزارة الوصية اتجاه كافة الأطراف المعنية بحاضر ومستقبل المشهد الصحافي والإعلامي الوطني. النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة