بقلم: ذ. محمد زمران محمد جميع المغاربة يتذكرون أن ظاهرة "مكي الصخيرات" في أول ظهور لها، تزامنت مع حلول الانتخابات التشريعية لسنة 2007، والكل يعلم ما كان يلف ذلك من أكاذيب وحيل، وزرع الفتنة، وقطع السبل الناجعة الموصلة إلى طلب العلاج الفعال، وذلك تنفيذا لخطة تخدم مصالح بعضهم من جهة .. ومن جهة ثانية، لأكل أموال الناس بالباطل .. - ورحم الله إمامة العاشقين والمحزونين، شهيدة العشق الإلهي .. رابعة العدوية، التي قالت: " يا أبت لست أجعلك في حل من حرام تطعمنيه، فقال لها .. أرأيت إن لم أجد إلا حراما ؟ فقالت نصبر في الدنيا على الجوع، خير من أن نصبر في الآخرة على النار..!" - ولعل الجميع كذلك يعلم أن العديد من الجرائد قد صفقت، بل ( طبلت وزمرت ) طويلا لذلك .. ونشرت أخبارا يسيل أمامها لعاب المرضى الطامعين في الشفاء .. وساعدت على نشر الشعوذة والتجهيل، وحشو عقول المواطنين المغاربة بالكثير من الخرافات .. ليس الأميين منهم فقط، بل حتى الفئات الاجتماعية المثقفة نالت حظها، وشجعت الجميع على التهافت على (صاحب الخوارق) الذي وجد التربة الخصبة لزرع خرافاته، والذي صنعت منه بعض الجهات وليا صالحا يحمل بين أصابعه الشفاء السحري .. إنهم صفقوا بحرارة للذي نزل على المغاربة كالصاعقة وكاد يدمر العقول، بحيث بات يُستقبل استقبال الفاتحين، وأصبح كل من سيطر عليه يأس المرض، وأنهكته كل أنواع الأدوية الكيماوية الموصوفة من لدن الأطباء بغلاء أثمانها، يتوجه وهو يحمل معه -وهذا شرط مؤكد- قالب سكر وقنينة ماء صوب الصخيرات، طالبا بركة شريفها الذي جعلت الإشاعات من يده اليسرى البلسم الشافي لكل الأمراض الموجودة على سطح الأرض. ( كل شيء بات عجيبا في هذه الدنيا ..!) وقد أعطيت في حينه للمكي (المعجزة) -رغم أننا جميعا نعلم أن عصر المعجزات قد ولى- هالة كبيرة من طرف الصحافة على اختلاف أنواعها ومستوياتها، التي فتحت له صدرها، وأضحى يتصدر الصفحات الأولى للعديد من المنابر التي ُوضعت رهن إشارته لتمرير تصريحاته التي يزكي من خلالها قدراته العلاجية، ويبرهن على تحديه لكل من ينتقده، سواء أكان من العامة أو الأطباء والعلماء والمفكرين و كذا الباحثين، الذين استنكروا كثيرا تلك الخرافات، و رغم أن هذه الأفعال تعد جريمة ضد الدين والعقل، وضد العلم والمجتمع، فقد باركها وشجعها بعض رموز السياسة المغاربة، وكذا بعض النافذين في البلاد، الذين بسلوكاتهم يصرون على أن يتخلف مجتمعنا عن ركب الحضارة الإنسانية، وذلك باستمرار تهافتهم عليه أينما حل وارتحل، وتراهم يخرون سجدا ( للرجل) والتنافس في أخذ الصور التذكارية بمعية صاحب اليد المعجزة، رفقة زوجاتهم وذويهم، ولم تثن أنباء الشابة التي وافتها المنية مباشرة بعد عودتها من الصخيرات، حيث كانت في زيارة (استشفائية) عند صاحب (الخرافات)، قلت لم تثن الراغبين في الشفاء عن التوجه إلى الصخيرات فرادى وزرافات، أملا في إيجاد علاج ناجع لأمراضهم، ولم يعودوا إلى جادة الصواب، ولم يتأملوا في المثل الذي معناه "فاقد الشيء لايعطيه" الذي ينطبق على صاحب المعجزات الخرافية هذا، مع العلم أن الأخير لايحفظ ولو جزء يسير من القرآن الكريم، الذي قال فيه رب العزة والجلال: "وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ" وفي نفس الوقت، لايتوفر على أي معلومات في العلوم أوالدين تساعده على أداء مهمته التي ابتكرها لحاجة في نفسه، وأفتح هنا قوسا لأتساءل: كيف له أن يقوى على علاج مجموعة من الأمراض، وبخاصة تلك التي عجز الطب الحديث عن علاجها، فقط باللمس..؟! وأتساءل أيضا وبحرقة، كيف للسلطات التي أصلا لاتنام عيونها بقيت طوال المدة التي قضاها في (التبوريض) على عباد الله وهي مكتوفة الأيدي وتتفرج تفرج العاجز، حتى نال مبتغاه أو بمعنى آخر حقق أماني من سخروه للعب بعقول المغاربة. ومعلوم أن الضجة الإعلامية الخاصة ب. (مول) اللمسات، استمرت طوال حملة الانتخابات التشريعية المشار إليها أعلاه .. والغريب في الأمر، أنه بعيدها بقليل (الانتخابات) أفل نجم صاحب البركات وانقطع صيته، وفجأة تناست أذهان الناس حكاياته، ولم تعد تسير بذكره الركبان كما سبق، وخلى المكان الذي ألف تجمهر آلاف المرضى .. ولم تعد الطريق التي كانت تؤدي من قبل إلى وكره تعرف وجود الطوابير الطويلة من السيارات الفارهة، التي كان أصحابها ينتظر ون دورهم بفارغ الصبر للتملي بطلعة صاحب الشفاء، والتبرك منه، والعودة إلى مدنهم وقراهم بأجسام سليمة، تاركين أمراضهم تسري في جسد "أبا المكي" - كما كان يحلو لبعضهم تسميته- وكما كان المعني بالأمر يوهمهم، حسب قوله: " في المرة الأولى لما أُسلم على المريض أسرب الطاقة من جسدي إليه، وفي المرة الثانية، آخذ منه مرضه وألمه لأسربهما في جسمي" هل هذا ياناس، شيء يستوعبه العقل البشري ..؟! وبعد هذا الذهاب الذي لم يكن متوقعا، والذي جاء على حين غفلة من الجميع .. همست لنفسي متسائلا، ترى لماذا غاب مسرب الطاقة وترك مرضاه بدون علاج، ولماذا ذهب بذهاب الانتخابات .. وهل سيعود مرة أخرى أم .. و.. و.. ؟ ولكن لم أجد لأسئلتي جوابا، وحتى أكون أكثر وضوحا، أعترف أن الموضوع كبير وشائك، وغامض أيضا .. ولكن لامانع من أن أدلي بدلوي، لأقف على حقيقة ظاهرة المكي الترابي، التي انتهت كما لاحت في الأفق في زمن قياسي، والقصة كالتالي: عندما بدأت تسري مرة أخرى أخبار الانتخابات الجماعية، وأعلن عن موعد إجرائها ( 12 يونيو 2009 ) بدأت أخبار مكي الصخيرات تعود إلى الواجهة، وكثر القيل والقال، وطفى النبأ على السطح بسرعة مذهلة .. وما هي إلا فترة قصيرة بعد ذلك، حتى طالعنا موقع "يوتوب" على شبكة الأنترنت بشريط، بطله مكي (الكرامات) وهو منهمك في علاج مرضى في دولة كرواتيا، وفي تصريح له للقناة صاحبة الشريط، ادعى صاحبنا أنه يعطي العلاج بالمجان، وبمقدوره القضاء على جميع العلل .. وقد ابتسمت وأنا أستمع للتصريح ابتسامة استهزاء دون شعور، لأن المسكين فاته أن يتذكر أن رواياته هاته واهية، بحيث نفى تقاضيه مبلغا مهما من المال في كل شهر على خدماته التي قال عنها أنها كانت بالمجان، نعم .. كان يحصد الملايين الكثيرة من عملية إعادة بيع "قوالب السكر" التي كانت تقدم له كواجب لعلاج من كان يستغفلهم، هذا من جهة، أما من جهة أخرى، فإن ذهابه إلى كرواتيا لم يثر استغرابي، بقدر ماسغربت من التوقيت الذي تم فيه هذا الترويج، - مناسبة الانتخابات الجماعية- وإقدام بعض الصحف على إعادة نقل الخبر الذي عاد ليثير شهية أصحاب الأمراض المختلفة، وتشاء الأقدار مرة أخرى لما انتهت حمى الانتخابات، وفاز من فاز، وظفر بمقعد مريح من كان محظوظا، أن تندثرت أخبار (المعلوم) ويرحل صاحب (الموسوعات الطبية المزعومة) وينقطع صوته، كما تنقطع أصوات أصحاب القبور. وتعود بنا الذاكرة إلى الأمس القريب .. لما عملت (قناة ميدي1 تي في) مشكورة على استضافة علماء وباحثين وأساتذة وأطباء، من أجل مناقشة ظاهرة الشعوذة .. وتسليط الضوء على الظاهرة من جميع الجوانب، وذلك من خلال حلقة من حلقات برنامج "بدون حرج" ولكن ما يعاب على القناة أنها سمحت ل."مكي الصخيرات" بالجلوس جنبا إلى جنب مع الفئة المختارة المشار إليها أعلاه، الشيء الذي مكنه آنذاك من عرض عضلاته على ضيوف الحلقة أنفسهم، ولم يستثني الصحافة التي في حقيقة الأمر كانت له بمثابة النبراس الذي أنار له الطريق في درب الدجل، وتكون القناة بذلك قد منحته وصلة إشهارية، بمقدورها تزكية ادعاءاته وقدراته على تقديم العلاج لأصناف كثيرة من الأمراض، وقد كتب لهذه الحلقة أن تذاع قبل الاستحقاقات التشريعية المزمع إجراؤها يوم 25 نونبر القادم ... ! كما أن بعض السطور تم تسريبها في بحر هذا الشهر، عبر أحد المواقع الالكترونية تتحدث عن الظاهرة التي بطلها المكي .. لهذا فإن ظاهرة ظهور وأفول "أبا المكي" المتزامنة مع تواريخ الانتخابات تضعنا أمام تساؤلات مهمة : هل هي صدف أراد بها القدر ما أراد، أم هي خطط محبوكة ينتظر من ورائها منافع ذاتية من يعدونها من وراء ستار ..؟ الذين يحرصون على اختيار التوقيت الملائم .. وعلى سبيل المثال، وبما أننا ألفنا ظهور صاحب اليد اليسرى "السحرية" بالضبط في الوقت الذي يكون للمغاربة موعد مع خوض غمار الانتخابات، ونحن على أبواب الاستحقاقات التشريعية 2011، فقد أصابني إحساس مباغث .. تلقائي .. فرض نفسه علي، بحيث توقعت ظهور "موزع الشفاء" في ضواحي الصخيرات أو في غيرها من المدن المغربية مرة أخرى، وإعادة إطلاق البالونات قصد إلهاء المغاربة عن قضاياهم ومشاكلهم، وشغلهم بتداول الحديث عن العلاج الذي لاترجى منه أي فائدة، وإبعادهم عن التفكير في اختيار المرشح الصالح والمخلص الخدوم ..؟ الذي يتوفر على مقومات تؤهله لنيل ثقتهم .. وقد يظن ظانٌ بأن توقعاتي خاطئة، فأجيبه: بوادر ذلك بادية للعيان، وكل ما أتمناه أن تتحقق توقعاتي ويتم الظهور فعلا .. ربما فقط (لتتأكد أو تُنفى) نظرية راجعت خلال السنوات والمناسبات الماضية، كانت تفيد بأن هناك مبرمجون للعبة "مكي الصخيرات"، وهذا ما جعل ظهوره في كل مرة يتزامن مع الانتخابات .. وأحسبني، بهذا المقال أقرع جرسا ليس إلا... !