تقف تونس ومصر أمام تحديات مرحلة جديدة تتطلب مراجعة تاريخية للماضي. فكيف يمكن تخطي هذه المرحلة، وهل يمكن الاستفادة من التجربة الألمانية مع النظام الاستبدادي في ألمانياالشرقية سابقاً؟ برنامج "مع الحدث" تناول هذا الموضوع. بعد نجاح الثورتين التونسية والمصرية بالإطاحة بنظامي الرئيسين زين العابدين بن علي وحسني مبارك حانت ساعة مواجهة الماضي ومراجعته. وبالفعل بدأت محاكمة الرئيسين المخلوعين بن علي ومبارك. الأول غيابياً نظراً لهروبه إلى السعودية والثاني حضورياً، في قفص الاتهام - في سابقة تاريخية في العالم العربي. وفيما يرى كثيرون في محاكمات مصر وتونس وسيلة لمراجعة الماضي، يحذر آخرون من أنها قد تتخذ طابعا سياسيا وتقام في ظل ضغط إعلامي وشعبي كبير قد يؤثر على مجرى العدالة. برنامج "مع الحدث"، الذي تبثه قناة "دويتشه فيله عربية" ضمن سلسلة البرامج الحوارية التي تحمل شعار "زمن التغيير"، طرح موضوع كيفية التعامل مع إرث هذه الأنظمة الاستبدادية على مجموعة من الخبراء. ويرى رولاند يان، مدير هيئة وثائق جهاز الأمن السابق في ألمانياالشرقية شتازي، أنه لابد من الفصل بين الانتقام والعدالة، لأن المطلوب تحقيقه هو العدالة ولابد أن يتم ذلك بطرق ديمقراطية ووفقاً لدولة القانون وليس بطرق أخرى. ويشدد المسؤول الألماني على أنه لا يمكن محاسبة رمز النظام فقط، لأن هناك الكثير من الأشخاص الذين كانوا يدعمون النظام، وبالتالي يجب محاسبتهم ومحاكمتهم أيضا. ويضيف أنه من المهم التوجه للرأي العام وتوضيح معايير المجتمع الديمقراطي الجديد وكيفية تطبيق هذه المعايير بحيث يتم منع أي عودة إلى الماضي. مخاوف من تبرئة ساحة المتهمين في مصر ورغم مثول الرئيس المخلوع مبارك ونجليه وعدد من أقرب معاونيه أمام القضاء المصري بتهم من بينها إصدار الأوامر بقتل المتظاهرين والفساد المالي، وهي تهم يمكن أن تصل عقوبتها إلى الإعدام، إلا أن ناصر أمين رئيس الحركة المصرية للعدالة الانتقالية، يخشى من تبرئة ساحة المتهمين بقتل المتظاهرين في مصر، وعلى رأسهم مبارك. ويوضح أمين سبب مخاوفه قائلاً إن ما يحدث في مصر "لا يصل لمستوى الانتقام، كما أنه لا يرقى بأي حال من الأحوال إلى مستوى العدالة". ويضيف أن المحاكمات التي تتم الآن مجرد إجراءات شكلية من أجل تهدئة الشارع المصري. ويرجع السبب في ذلك لكون المحاكمة تتم طبقاً لقوانين المحاكمات المصرية، التي وضعها النظام السابق، والتي لا تنص على جرائم ضد الإنسانية، مثل تلك التي حدثت ضد المتظاهرين. ويضيف أمين قائلا: "لذلك عندما يحاول القضاة الحكم وفقاً لأحكام القانون المصري، ستكون هناك إمكانية كبيرة جداً للحصول على البراءة لأن القاضي لن يجد نصوصا عقابية ملائمة، وبالتالي سيجد نفسه مضطراً إلى إصدار الحكم بالبراءة". هل هدف المحاكمة التضحية ببن علي والإبقاء على النظام؟ ورغم اختلاف الوضع بالنسبة للتجربة التونسية، حيث تمت محاكمة بن علي وزوجته غيابياً لوجوده في المملكة العربية السعودية، وصدر حكم عليه وزوجته بالسجن خمسة وثلاثين عاماً بتهمة الاختلاس والاستيلاء على المال العام في إحدى هذه المحاكمات خلال يوم واحد فقط، إلا أن القاضي والناشط السياسي وعضو الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة التونسية مختار يحياوي، يرى أن الرئيس التونسي سقط لكن النظام لم يسقط بعد. ويضيف أن هذه المحاكامات جعلت من بن علي وأقاربه وأصدقائه المقربين مجرد كبش فداء لإخفاء الأعوان الحقيقيين والأطراف الحقيقية اللي كانت متورطة في الفساد والتجاوزات وارتكاب كل الجرائم في حق الشعب التونسي، ولذلك فهو يعتقد أن المحاكمة الحقيقية للنظام ورموزه لم تبدأ بعد. ويرجع السبب في هذا التأخير إلى غياب الإرادة السياسية، لأن "بقايا النظام هي التي مازالت تحكم وتحاول أن تتستر وتربح الوقت لتطمس الحقائق وتخفي مسئوليتها عن الجرائم والتجاوزات التي حدثت في البلاد، والتي لا يمكن السكوت عليها". لكنه يرى أن المحاسبة على التجاوزات والفساد الذي كان سائداً في المرحلة السابقة هو الأساس الذي يمكن أن تبنى عليه الديمقراطية في المستقبل. ضرورة تطهير المؤسسات من بقايا النظام ويتفق ناصر أمين مع زميله التونسي، مشيرا إلى أن الارتباكات في الشارعين التونسي والمصري ناتجة عن عدم تطهير المؤسسات من بقايا النظام. أمين كان واحدا ممن دعوا إلى إنشاء هيئة الحقيقة والمصالحة التي تهدف إلى تطهير المؤسسات من بقايا النظام، وهو يرى أن هذا هو المطلب الأول لضمان الوصول إلى مرحلة جديدة و"حتى لا تتكرر تلك التجاوزات في المستقبل ولا تحدث ردة على الثورة من قبل أعضاء النظام السابق". وبدأت المبادرة بالمطالبة بتطهير ثلاثة أجهزة أساسية هي جهاز الشرطة وجهاز القضاء والجهاز الإعلامي. لكنه يشير إلى أن الاستجابة البطيئة لتلك المطالب ترجع إلى أن هناك عناصر من النظام السابق مازالت موجودة في مناصبها. ويتساءل فيما إذا ما كانت القيادة السياسية المصرية تخشى من انهيار هذه المؤسسات لو تم تطهيرها. وتتشابه الظروف الحالية مع أوضاع ألمانياالشرقية بعد انهيار النظام الشيوعي، لكن يان يرى أن المقارنة صعبة نظراً للظروف الخاصة بكل بلد. وحسب يان فإن الأوضاع في ألمانيا كانت أسهل نظراً للمساعدات التي تلقتها من ألمانياالغربية. لكنه يرى أن على الشعبين المصري والتونسي الاستمرار في ثورتهما، وعدم الاكتفاء بالمطالب وانتظار تغير الأوضاع. ويشير من ناحية أخرى إلى أن تجربة ألمانياالشرقية أثبتت أنه من الضروري فتح ملفات الشرطة السرية لمعرفة من قام بالتعاون معها، "فمن قام بذلك لا يجب أن يعمل في خدمة الدولة". يحياوي يوافق تماماً على هذه النقطة مشيراً إلى أنهم يطالبون منذ اليوم الأول بفتح ملفات البوليس السري وكشفها للجميع "حتى يعرف الشعب التونسي حقيقة النظام وما كان يمارس في الخفاء". ويوضح أنه يجب الكشف عن كل من عمل مع البوليس السري تحت غطاء وظيفة أخرى كالإعلام أو المحاماة أو القضاء، موضحاً أنهم كانوا "منغرسين في كل المجالات، فمثل هؤلاء لا يمكن أن يكونوا طرفاً في الإصلاح أو في تحقيق أهداف الثورة". ويشدد يان في هذا السياق على ضرورة العمل على الحفاظ على تلك الملفات لأنها معرضة بالتأكيد لمحاولات لتدميرها من قبل المتورطين في هذا الجهاز. وقد انتشرت بالفعل أنباء في مصر عن قيام موظفي جهاز أمن الدولة بحرق وإتلاف وثائق ومعلومات عن تجاوزات وأعمال تعذيب وتنصت واسعة النطاق، ما دفع ببعض المواطنين الغاضبين إلى اقتحام مقار أمن الدولة في الخامس من مارس/ آذار الماضي. وأمام ضغط الشارع اضطرت السلطات لاحقا لحل هذا الجهاز المخيف. لكن أمين لا يرى في حل جهاز أمن الدولة حلاً، لأنه حتى هذه اللحظة لا توجد أي تأكيدات لعدم عودة جهاز مباحث أمن الدولة، أو عدم قيام الأمن الوطني بنفس دور مباحث امن الدولة في الماضي؟. لا توجد أي إرادة سياسية حقيقية لفتح الملفات السرية للنشطاء المصريين داخل أجهزة أمن الدولة، ولم يتم الكشف عن المخبرين السريين المتعاونين مع جهاز أمن الدولة في كل المؤسسات. سمر كرم مراجعة: أحمد حسو دوتشيه المصدر: التجمع القومي الديموقراطي الموحد إقليم واد النيل