عماد مسعد محمد السبع اذا كانت القاعدة أن درجة نجاح وشمول الثورة تقاس بمؤشرات فهمها وحلولها المقترحة حول " قضية أضطهاد المرأة " – فأن ما تنبىء عنه معطيات الثورتين التونسية و المصرية وفق هذا المعيارلا يحمل بشارات مشجعة . بالطبع قد يكون هذا التقريرسابقآ لأوانه - لاسيما أن الثورتين لم تبلورا بعد مفاهيمهما الخاصة بصدد المرأة ودورها الإجتماعى والسياسى , الإ أن المعطيات السلبية المتوافرة بشأن القضية - فى الحالتين التونسية والمصرية - تستحق عناء الإثبات . فى تونس كان الحضور النسوى مميزآ فى مشهد الثورة ضد أبن على , وكان أبرزه دورنساء الحوض المنجمي في بانتفاضة 2008 , ثم المشاركة فى التجمعات والتظاهرات والاعتصامات بمنطقتى " سيدي بوزيد والقصرين " اللتين شهدتا أكثرالمواجهات الدموية مع النظام في ديسمبر 2010 و يناير 2011 . وممالا شك فيه أن عودة " حركة النهضة الإسلامية والتيارات السلفية " لصدارة المشهد السياسى والحزبى ستشكل ضغطآ على الجماعة النسوية التونسية التى أستفادت من " المنجزالتاريخى البورقيبى " حول المرأة , والتى كانت تروم تعزيزها فى مرحلة مابعد الثورة . وتبدوالمنطقة الناظمة للقواعد القانونية المتصلة بمسائل الأسرة والأحوال الشخصية مفضلة لفعل وضغط تيارالإسلام السياسى . فرغم تراجع حركة النهضة عن هجومها السابق على " مجلة الأحوال الشخصية " بسبب ما أعتبرته مخالفة لتعاليم الشريعة الإسلامية في منعها لتعدد الزوجات وإقرارها للتبني – الإ أن متغيرات الواقع السياسى التونسى ستغرى الحركة بمعاودة هذا الهجوم من جديد , ولاسيما بعد أن ظفرت بحضور أجتماعى علنى سيدعمه تمثيل نيابى قادم ومؤثر. ولذلك ربما تفقد منظومة حقوق المرأة التونسية أستقرارها النسبى التى تمتعت به منذ بورقيبة , وستكون رهينة - بشكل أو بآخر- للتوازنات ومعادلات اللعبة السياسية الجديدة بين تيارات تعتمد الدين مرجعية لها , وآخرى علمانية ستقاوم لأجل التمكين لمكتسبات االمرأة السابقة , ولطموحها الخاص بالمساواة فى مجالات الولاية والمناصب العامة وفى الأجروقواعد الميراث . أما فى مصر – فقد كان للمرأة دورملحوظ فى الحركة السياسية المناوئة لمبارك ( لاسيما ضمن صفوف حركة كفاية و 6 أبريل ) وشاركن بفاعلية فى المظاهرات والإعتصامات بميدان التحريرو سقط منهن جرحى وضحايا . و كان البين أن هناك أرضآ جديدة يمكن أن تنطلق منها فتيات ثورة مصر الباحثات عن المشاركة , وعن قيم المساواة والمواطنة, واللاتى خلقن ( تمثيلآ حقيقيآ ومباشرآ ) لهن فى الميدان , وبدون تقرير لشرعيته من جماعة أوقيادة أو قانون . ولكن بمجرد سقوط نظام مبارك تقدمت شواهد على أن هناك أدوارآ " ثانوية وهامشية ودونية " ستظل مرصودة لالمرأة المصرية و يتعين أن تظل أسيرة لها حتى فى مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير . فعندما بدأ الثوار فى تكون ائتلاف لهم لم يضموا سوى الشباب دون الفتيات , كما خلت الحكومة الإنتقالية من أى وجه نسائى الإ وزيرة وحيدة سابقة , كما أن " لجان للحكماء " لم تكن بينهم سيدة واحدة . والحال نفسه عندما تم تشكيل " لجنة التعديلات الدستورية " وحيث سيطرعليها المشهد الذكورى . وعندما طرح على هذه اللجنة تعديل " المادة 75 من الدستور " أشترطت الأ يكون المترشح لمنصب رئيس الجمهورية " متزوجآ من غير مصرية " وكأنه من المسلمات أن يكون هذا المرشح رجلآ !! . ولم تفطن اللجنة لهذه السقطة الكبرى , ولولم يتم تصحيح هذا الخطأ - قبل ساعات من الإستفتاء عليه - لقضى هذا التعديل على أي فرصة جادة و قادمة لترشح المرأة لمنصب رئاسة الدولة المصرية !! . ومن الثابت أنه لا يوجد بالدستورالمصرى ما يمنع من أن تتقدم " أمرأة " للترشيح كرئيس للجمهورية أذ لم يتضمن أية أشارة خاصة باشتراط الذكورة ,كما أن المبادىء الدستورية العامة تكفل المساواة بين الرجل والمرأة وخلت من قواعد التمييز بينهما حال شغل هذا المنصب . ثم كانت الواقعة الأكثر أثارة عندما شرعت عدد من المنظمات الناشطة فى مجال حقوق المرأة فى الإحتفال باليوم العالمى للمرأة لتكريم أمهات شهداء الثورة والمطالبة بالحضور النسائى فى رسم مستقبل مصر . وتجمعت هذه الفعاليات أمام نقابة الصحفيين المصريين فى 8 مارس الماضى حيث أنطلقت الناشطات لميدان التحرير حاملات لافتات وشعارات , وهناك تعرضن لهجوم ضارى من جانب أنصار التيار السلفي المتواجدين بالميدان , والذين هتفوا بشعارات معادية للمرأة , ثم تطورالأمرلإحتكاك بين الطرفين وتحرش جماعى بنساء المسيرة . كما بدأت تلك التيارات - ومعها بعض الأقلام الإعلامية المسحوبة عليها - فى الهجوم على نظام ( الكوتة النسائية ) الذى تم بموجبه تخصيص حصة قدرها " 64 مقعدأ للمرأة " فى تركيبة المجلس التشريعى البالغة 440 , وبحجة أن هذا النظام كان أستجابة لضغوط خارجية مارستها لجنة المرأة بالأمم المتحدة وجهات مانحة مثل الإتحاد الأوروبى ولم ينبع من رغبة الداخل المصرى فى التمكين للمرأة ودعم مشاركتها السياسية ! . كما بدأوا حملة لإلغاء " المجلس القومى للمرأة " بمبرر أنه مجلس " لحريم السلطة " و كان محسوبآ على زوجة الرئيس المخلوع / سوزان مبارك , فى حين أنه نشأ بالقانون رقم 90 لسنة 2000 وفى أطار المادة 46 من الدستور المصرى بالمجالس القومية المتخصصة , وكمؤسسة مستقلة تهتم بدراسة أحوال المرأة وبحث وسائط تفعيل مشاركتها السياسية والمجتمعية . أما على المستوى الإجتماعى فقد طالبوا بالغاء قواعد قانون الأحوال الشخصية الخاصة " بالخلع وبرؤية وحضانة الأبناء والولاية التعليمية " و بحجة أنها من ميراث " النظام السابق وكانت سببآ فى هدم قيم الأسرة المصرية . كما نظموا قفة أحتجاجية ضد قرار وزير العدل بخصوص تعديل مادة استضافة الأب لأولاده من طليقته باعتباره مخالفآ للشريعة الإسلامية . واللافت أنه فى هذا السياق المعادى للمرأة سمح وزيرالتعليم المصرى الجديد " للمنتقبات " بأداء الإمتحانات وعلى نقيض الوقف السابق للوزارة , كما جرى حذف الوحدة الرابعة من المناهج الدراسية بالمرحلة الإعدادية التى تتضمن موضوعات حول " دور المرأة فى الحياة السياسية المصرية " وتتناول أسهام المراة فى الحياة السياسية المصرية منذ ثورة 1919 . ومن الواضح من مفردات المشهد المصرى أن التيارات الدينية الأصولية – و بما تختزنه من رؤية سلبية لمكانة ودورالمرأة الإجتماعى والسياسى - تشكل رأس حربة الهجمة المعادية للمراة فى مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير . كما أن هناك قوى أجتماعية يمينية - تدخل فى علاقة عضوية مع هذه التيارات السلفية - وتدعم من جانب آخر هذا الهجوم , ومن منطلقات رجعية ومحافظة . ومن هنا فأن ثمة حاجة ماسة تتقدم لتصفيف " الوعى النسوى الصاعد على خلفية مشهد ثورة 25 يناير " , وأن تضطلع رموز الحركة الوطنية التقدمية النسوية بمهمة الدعوة لتشكيل جبهة لها شكلها التنظيمى الخاص وبهدف تعبئة هذا الوعى خلف أجندة المطالب المشروعة للمرأة المصرية . قضية المرأة هى مشكلة " نوعية " بالأساس و ترتبط بوضعية المرأة داخل المجتمع الطبقى , فهى ليست مقهورة بل هى عبدة رجل مقهور, ومستعبدة للرجل المستعبد , - ولذلك لن يتغير الوضع كثيرآ أذا أصبحت المرأة فى تونس ومصر ( مستعبدة الرجل " الحر " فى مرحلة ما بعد الخلاص من نظامى أبن على ومبارك ) ! . بأمكننا أن نقرر أن مهمة الإرتقاء بوضعية المرأة ليست سهلة فى ظل المعطيات الإجتماعية والدينية والقيمية المسيطرة بالواقعين التونسى والمصرى ,ولكن علينا أن ننتبه إلى أن الموقف المستقبلى من قضية المرأة سيظل مقياسآ للحكم على مدى أصالة الفعل الثورى فى كلا البلدين . على قوى الثورة أن تعلم ذلك جيدآ , وأن تدرك أن الأصالة لا تعنى القضاء على أوجه الظلم الإقتصادى وتكريس الديموقراطية وأفكارتداول السلطة فحسب , وأنما العمل على استئصال جذورإضطهاد ومعاداة المرأة الكامنة فى العادات والتقاليد الرجعية والقديمة والبالية - أن هى أرادت وبحق " أصالة لتجربتها الثورية ".