استقالة رئيسة مجلس مدينة مراكش بسبب محاصرتها من طرف نوابها المنتخبين و رجال الداخلية الإداريين ، وعلى رأسهم ، عضو في المكتب الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة ، ورئيس جهة مراكش تانسيفت الحوز، وبضغوط من لوبي الفساد في المجلس الجماعي لمراكش، الذي استطاع أن يغير من لونه السياسي و بعض أشخاصه. هذه الاستقالة في الحقيقة هي مؤشر عن الفشل في محاربة الفساد السياسي والانتخابي، الذي استشرى في المجالس الجماعية بكل المدن المغربية، كما تعتبر كذلك إعلانا عن استحالة وعدم إمكانية محاربة الفساد بأدوات واليات سياسية فاسدة. استقالة عمدة مراكش : الرمز والدلالة الرسالة التي بعثت بها فاطمة الزهراء المنصوري رئيسة مجلس مدينة مراكش إلى والي جهة مراكش تانسيفت الحوز، وعامل عمالة مراكش، يوم الخميس7 يوليوز 2011 ، لإخباره باستقالتها من رئاسة مجلس المدينة، ليست حدثا عاديا، رغم الإعلان عن تراجعها عن ذلك فيما بعد ، اثر الاتصالات والتدخلات المكثفة، التي تم إجراءها على مستوى أعلى، يمكن أن يتجاوز رجل "البام" القوي فؤاد عالي الهمة، قصد إنقاذ ما يمكن أن يلحق بصورة المغرب بالدرجة الأولى، من خلال مضايقة والضغط على النساء الشابات أثناء تدبيرهن للشأن العام ، وما يلحق مدينة مراكش من تهم الفساد المالي، بعد الفساد الأخلاقي المرتبط باغتصاب الأطفال ، من طرف شخصيات سياسية أجنبية كبيرة، وفرنسية بالخصوص، إرغام عمدة مراكش للتراجع على استقالتها كان كذلك من أجل تفادي ما يمكن أن يصيب المشاركة السياسية النسائية في تدبير الشأن العام، من ضربة قاضية، و في الصميم ، حيث يمكن أن تبرهن بالملموس والممارسة، أن كل ما يتم الترويج له من خطابات لتمتيع النساء بالمناصفة في الحقوق، و تشجيعهن للوصول إلى المناصب، والدفع بهن إلى تحمل المسؤوليات التدبيرية ، كما جاء في مقتضيات الدستور الجديد، كل ذلك ليس سوى خطابات موجهة للاستهلاك الخارجي. وأخير تعتبر استقالة عمدة مراكشالشابة الدليل الملموس والبرهان الواضح على أن خطاب الدولة حول السعي إلى فتح المجال أمام الشباب، والدفع به للانخراط في تدبير الشأن العام، وإدماجه في الحياة السياسية ليس إلا خطابات ديماغوجية. فمند وصول الملك محمد السادس للعرش والمؤسسة الملكية تسعى إلى تجديد أسس شرعيتها ، من خلال التركيز على القضايا الأربع : الملف الحقوقي لمرحلة المرحوم الحسن الثاني، و محاربة الفساد ، و إشراك النساء في تدبير الشأن العام، و إدماج الشباب في الحياة السياسية وإشراكهم في صناع القرار. وبعد الشروع في مجموعة من الإصلاحات، وفي مقدمتها تنقية الأجواء السياسية من خلال تصفية تركة سنوات الرصاص الحقوقية. ولما فشلت الأحزاب السياسية التقليدية في الدفع والمساهمة في ترجمة هذه الأهداف في الحياة السياسية، بعدم فسح المجال أمام النساء لتحمل المسؤوليات التنظيمية و التدبيرية في هياكلها، وفي عدم ترشيحهن و الدفع بهن إلى المسؤوليات العامة ، كما لم تستطيع هذه الأحزاب تجديد نخبها الشائخة، بضخ الدماء الشابةالجديدة في شرايين هياكلها وهيئات صناعة القرار فيها ، ولم يكن في مستطاع هذه الأحزاب أن تغير من الوجوه الفاسدة التي ترشحها، وتتقدم بها في الانتخابات من أجل تدبير الشأن المحلي. و بعدما لاحت بوادر الإفلاس السياسي للأحزاب التقليدية، وبعدما اكتشف مربع صناع القرار السياسي والاقتصادي بالمغرب ، عدم قدرة هذه الأحزاب السياسية على الوقوف في وجه حزب العدالة والتنمية الإسلامي، لما يتوفر عليه من نخب شابة ، وما يحمله من مصداقية، وما يتحلى به من نزاهة، الذي برز كحزب قوي ، خاصة بعد الانتخابات التشريعية لسنة 2007 ، رغم التدخل الفاضح لوزارة الداخلية في تزوير النتائج، هذه الانتخابات التي عرفت أدنى نسبة مشاركة في تاريخ المغرب. وفي إطار المناخ العالمي ، الذي تميز بالحصار المضروب على جميع الأحزاب و الحركات الإسلامية في العالم العربي، بدعم من القوى الامبريالية الغربية، مند أحداث 11 سبتمبر2001 ، حيث وقفت القوى الغربية دائما إلى جانب الأنظمة العربية الفاسدة والمستبدة ما دامت هذه الأنظمة تقدم نفسها للغرب كجدار واقي لها من الإرهاب والتطرف الإسلامي. في هذه الأجواء العالمية احتاج المخزن إلى حزب سلطوي لحفظ التوازنات السياسية، ولتسويق برنامج العهد الجديد، وفق المحاور الأربعة المشار إليها سالفا، خاصة و أن الأحزاب السلطوية قد أبانت عن جدارتها في كبح جماح الإسلاميين في كل من تونس بنعلي، ومصر حسني مبارك ، ولذلك سيقوم الرجل الثاني في النظام بالنسج على منوال الدولتين. من استقالة عمدة طنجة إلى استقالة عمدة مراكش في هذا السياق العالمي والمناخ السياسي والاجتماعي الوطني، شرع الرجل الثاني في هرم السلطة بالمغرب في الإعداد لإنشاء حزب سياسي إداري، وظيفته حشد و تجييش النخب السياسية و الاقتصادية والثقافية، لتشكيل جبهة عريضة في وجه المد الأصولي، الذي اكتسح مختلف الفئات الاجتماعية، و أصبحت له واجهة سياسية، حيث بإمكانه قلب موازن القوى في غير مصلحة النظام. وبذلك شرع فؤاد عالي الهمة في التركيز : أولا على النخب المثقفة والأطر العليا، من خلال تأسيس حركة لكل الديمقراطيين، وثانيا بالانتقال السريع إلى تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة، من أجل التصدي للإسلاميين في الانتخابات الجماعية لسنة 2009. ولما تبين له عدم القدرة على كسب هذه الانتخابات بواسطة تلك النخب المعزولة عن الشعب ، و التي تدور في فلكه بحركة كل الديمقراطيين، خاصة بعد تجربة اندحار ممثلي هذه النخبة في الانتخابات الجزئية ، حيث خسر عريس الحزب(صلاح الوديع) الانتخابات التشريعية في دائرة أسفي، و لقي رفيقه، الحقوقي الحبيب بلكوش نفس المصير، أمام ولد العروسية بمراكش . التجأ فؤاد عالي الهمة إلى الأعيان المحترفين والمافيات الانتخابية، والى توظيف العمال والولاة في حسم النتائج لصالحه. حيث اكتسح مقاعد المجالس الجماعية، في المجالس الإقليمية و الجهوية و الجماعات القروية على الخصوص ، و بنسبة كبيرة ، و البلدية بشكل ضعيف. وخلال تشكيل مكاتب المجالس كانت عين فؤاد عالي الهمة على المدن الرئيسة بالمغرب: العاصمة الإدارية الرباط ، والعاصمة الاقتصادية الدارالبيضاء، و المدينة الحدودية وجدة ، و المدن السياحية بالمغرب، طنجة و مراكش ، وأكادير ، حيث تشكل هذه المدن واجهة المغرب الاقتصادية والخارجية . وكانت هذه المدن مما لا يمكن أن يسمح بتسييره لحزب العدالة والتنمية، وفعلا تمكن الحزب المخزني من تحقيق هذا الهدف. ورغم عدم قدرته على الفوز بتسيير كل من مدينة الرباطوالبيضاء و أكادير، فانه تمكن من إزاحة الإسلاميين من تسييرها ، من خلال الدفع بأحزاب أخرى إلى عموديات هذه المدن. ومن خلال مدينتي مراكش و طنجة، أراد الحزب المخزني أن يجسد طموح النظام في تزيين واجهة مجلسي المدينتين برئاسة نسائية في مدينة مراكش ، ورئاسة شبابية بمدينة طنجة. حيث تم تنصيب فاطمة الزهراء المنصوري كعمدة لمدينة مراكش ، من أجل الظهور أمام الخارج ، على أن المغرب منفتح على الكفاءات النسائية في التدبير الجماعي، في الوقت الذي كان فيه دهاقنة المخزن ومافيا الفساد والحزب السلطوي يريدون التحكم في كل شيء ، و أن تبقى السيدة العمدة مجرد ديكور و واجهة أمامية، لا وظيفة لها سوى الترويج لصورة المغرب أمام الأجانب وفي الخارج ، بكونه بلدا تستطيع المرأة فيه أن تسير أعرق و أشهر مدنه. ونفس الأمر ينطبق على مدينة طنجة ، حيث يتم تسويق صورة عمدتها السابق الشاب سمير عبد المولى ، كأحد الشباب المغاربة القادرين على تدبير مدينة من حجم طنجة، كأكبر بوابة للمغرب على أوربا . وبعد تنصيب السيدة المنصوري عمدة لمراكش، والشاب عبد المولى عمدة لطنجة باسم الحزب السلطوي (الأصالة والمعاصرة) ، بقي العمدتين رهينتين للوبيات السياحية والمافيات العقارية، والبيروقراطية المخزنية ، حيث لا يقطعان في أمر من شؤون المدينتين دون تعليمات وإشارات من مراكز القرار الحقيقية . وبعد سنتين من وجودهما الشكلي على رأس المدينتين ، وفي إطار الانتفاضة الشبابية المطالبة بمحاربة الفساد و الاستبداد ، التي اكتسحت الدول العربية ، وكادت أن تطيح بجميع الأحزاب السلطوية في كل الدول العربية. في هذه الأجواء اكتشف الشابين ( المنصوري وعبد المولى ) أنهما ليس سوى واجهة لقضاء مصالح وكسب منافع لجهات متعددة، فانتفض سمير عبد المولى أولا، وقدم استقالته من عمودية طنجة، وبعد سنة التحقت به فاطمة الزهراء المنصوري بالاستقالة من عمودية مراكش . لتعلن عن نهاية لعبة ومكشوفة و ديمقراطية مزيفة. في هذا السياق يجب فهم استقالة عمدة مراكش ، التي تعتبر مؤشرا أخر على استحالة الإصلاح والدمقرطة بأدوات فاسدة واليات مخزنية ، كما تبين أن إشراك المرأة والشباب في تدبير الشأن العام ، لا يمكن أن يكون إلا في إطار ديمقراطية حقيقية، ديمقراطية لا يمكن أن تتعايش مع لوبيات الفساد، ومافيات الاستعباد ، وعقليات الاستبداد. فهل يمكن اعتبار هذه الاستقالة كذلك مؤشرا على نهاية مرحة وبداية أخرى ؟؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام والشهور المقبلة. بقلم : محمد أقديم