المسائية العربية يفيد الوضع الحالي في منطقة الشرق الأوسط أن المحاور التقليدية، فقدت أهم الأوراق التي كانت تضطلع بالوساطات وامتصاص التوثرات،فمصر وبعد أشهر على تنحي مبارك لاتزال منكبة على تأثيت بيت داخلي يعيش أزمة بنيوية، فمصر توجد بين مطرقة تداعيات الإحتجاجات المليونية التي أربكت إقتصادها ،وسندان ثورات مصادة تغذيها نعرات طائفية ودينية، أما النظام السوري فهو في وضع لايحسد عليه ،و لا أحد يمكنه التكهن بما يمكن أن يصيرإليه في قادم الأيام. وبالعودة الى السؤال المشروع المرتبط بقصدية الإختيارتجدر الاشارة الى أن النظام المغربي نظام ملكية دستورية هي محل اجماع كل المغاربة ، كما أن المملكة من الدول العربية القليلة التي تتمتع ببنى سياسية مستقرة الشيء الذي جعل الدولة تعرف استقرارا كبيرا في حمأة الحملات المنادية بإسقاط الأنظمة العربية . لكن منطق التكتلات يقتضي وجود تقاطعات أخرى تكون بمثابة نقاط جذب إضافة إلى معيار الاستقرار . و الذي يتعين قوله و استنادا الى سياسات المغرب اتجاه المنطقة أن هناك توافق سياسي في الرؤى بين المغرب ودول المجلس تأكد في مناسبات عديدة ،كان أقواها اعلان المغرب قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران من جهة واحدة يوم 6 مارس 2009 في بلاغ لوزارة الخارجية كاحتجاج على تصريحات المسؤول الايراني علي أكبر المشككة في سيادة البحرين ، وقبلها بعت العاهل المغربي رسالة خطية الى ملك البحرين يؤكد فيها تضامنه المطلق مع مملكة البحرين مستنكرا تصريحات المسؤول الايراني حيث اعتبرها الملك محمد السادس في رسالته بأنها تصريحات هجينة تثير استغراب وقلق المغرب .والتوافق لم يكن محدودا بحدود السياسي، بل لبس ثوبا عسكريا في مناسبات أخرى كماحدث في بداية تسعينيات القرن الماضي إبان حرب الخليج، التي كانت لحظة للتاريخ ساهمت في تمتين الروابط بين القوات المسلحة الملكية المغربية ونظيرتها السعودية ، وهذا ماتؤكده شهادة الأمير الفريق خالد بن سلطان بن عبد العزيز في مشاركة القوات المسلحة المغربية في الدفاع عن حدود المملكة العربية السعودية ابان حرب الخليج الاولى ، حيث اشاد ونوه بالدور الذي قامت به القوات المغربية الى جانب وحدات الحرس الوطني السعودي في خطة درع الصحراء يتابع الرأي العام المغربي و الخليجي هذه الأيام باهتمام وترقب كبيرين ما ستؤول إليه تموجات قضية انضمام المغرب الى مجلس التعاون الخليجي بطلب من هذا الأخير . وإن كان المغرب قد عبر عن ترحيبه بالفكرة واستعداده لمدارسة تفاصيلها مع الأشقاء الخليجين ، فإن الحدث في شكله ومضمونه لايزال غامضا وملتبسا ، على اعتبار أن شكل الانضمام غير واضح عضوية وأهدافا ، وليس من المعلوم اذا كان سيقتصر على بعض الأجهزة أم أنه عضوية كاملة ، إضافة الى أن الطلب فيه تجاوز لمنطق الجوار و القرب الجغرافي ، و قفز على النظام الأساسي الذي يعتبر نظاما مغلق العضوية منذ إقراره في قمة ابوظبي سنة 1981 ، وهو السلاح الذي استعملته دول الخليج في تعاطيها مع الطلب اليمني الذي لازال يراوح مكانه في أمانة المجلس. و المهم أن هذا التجاذب الاستثناء يأتي في سياق عربي استثنائي ، حيث الأحداث تتزاحم بشكل تجاوز مألوف العرب بكثير ، فلم تعد القراءات و التكهنات واجتهادات المحليلين قادرة على إيفاء الواقع ما يستحق ، وكأن التاريخ يلعب لعبة ماكرة بزغت معها تباشير فجرعربي جديد ، فتسونامي الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالكرامة ، أطاحت بقلاع ظنت لسنوات أنها كممت أفواه شعوبها الى الأبد . فمن كان يعتقد أن مبارك وبن علي سيغادران سدة الحكم ؟!! . فلو تكهن بها أحدهم قبل يناير 2011 لقالوا أضغاث أحلام . لكن شاءت الأقدار أن يحدث ما لم يكن في الحسبان ، الشىء الذي دفع بالعديد من الدول العربية الى مراجعة ستراتجياتها . هكذا يمكن القول أن عضوية المغرب في مجلس التعاون خيار استراتيجي لمواجهة تحدياث الثورات العربية ، ولحماية الأنظمة الملكية ، لكن هذا الاتصال السببي للأحداث و الذي يعكسه هذا الطرح ، يجب أن لا يحجب عنا ما يثوي من انفصالات تشكل بدايات جديدة لقراءات أخرى، تجد ما يبررها في ثنايا الجزئيات . والحال أن أولى هذه الانفصالات ستظهر بجلاء عند اعادة استنطاق حيثيات الدعوة الخليجية في ارتباطها باحتجاجات الشارع العربي . فغني عن البيان أن الأسباب التي حركت التونسيين و المصريين و دول أخرى تكاد تتشابه ، وهناك إجماع على أنها بدأت اجتماعية ، فالفقر و التهميش و البطالة وغلاء المعيشة تيمات لازمت السواد الأعظم من هذه الشعوب التي انتفضت مطالبة أنظمتها بالعيش الكريم و احقاق العدالة الاجتماعية قبل أن تتحول الى مطالب سياسية ، هذا التوصيف لايصدق على دول الخليج الغنية و التي استطاعت من خلال عائدات البترول أن تنافس كبريات الاقتصاديات العالمية في العديد من المجالات ، فمعدل الدخل الفردي في الخليج يفوق نظيره في العديد من الدول المتقدمة، و مؤشر التنمية في ارتفاع مستمر وفي عز أزمة عالمية قاتلة، دون أن ننسى تأثيرات ذالك على عقلية المواطن الخليجي ، الذي أصبح مواطنا مستهلكا بقدرة شرائية عالية ، مواطن يضع السياسة في الأدراج السفلى من ميولاته و هنا تكمن المفارقة المثيرة ، فإذا كانت أحوال المواطنين الخليجين ممتازة من الناحية الاجتماعية ، فما الذي يخيف دول مجلس التعاون مادامت دواعي الاحتجاجات لا تعنيها ؟. إن مايثير قلق الانظمة الخليجية يرجع في العمق، إلى علمهم بوجود من يريد ركوب الموجة، قصد توجيهها بالشكل الذي يخدم أجندات تروم خلط الأوراق في دولهم، فيبدو أن عبير الياسمين التونسي ايقظ المارد من غفوته وأخرج عفريته الشيعي من قمقمه ، فقد فطن أحفاد كسرى الى أن الظروف العربية مؤاتية لتوجيه ضربات تحت الحزام للجيران الأعداء وهذا مايخشاه الخليجيون!!!. وكما هو معلوم فالمد الايراني و الشيعة السياسية ، هو مد أثبتت تجربة العراق ولبنان أنه ليس مدا فكريا يمكن مواجهته بالفكر و النقاش القائم على إقامة الحجة ، بل هو مد يعتمد على الاختراقات من خلال خلق شبكات وقوى سرية تعمل في الميدان ، وهذا بالظبط ما حدث في البحرين مؤخرا حيث قامت السلطات بطرد ديبلومسين ايرانيين كانوا على صلة باحداث ساحة اللؤلؤة وماجاورها وكانوا يعدون لما سماه آل خليفة بخطة الانقلاب الايراني . وقبلها كشفت تحقيقات الأجهزة الأمنية الكويتية تفكيك شبكة تجسس ايرانية تابعة للحرس الثوري الإيراني كانت تعد لمخططات تخريبيةفي المنطقة ،ينضاف إلى هذا أن إيران لا تريد التفاوض مع الإمارات العربية، لإيجاد حل سياسي بخصوص الجزر الإماراتية التي تحتلها، مكتفية بنهج سياسة الأمر الواقع. أما العلاقات مع السعودية فهي في أحلك أيامها ،إذ رفضت المملكة استقبال وزير خارجية إيران، ردا على ما قالت أنها حملة ديبلوماسية تقودها إيران للظغط على السعوديين ،على خلفية وقوفهم إلى جانب الحكومة البحرينية ، وإيران ترد من خلال تصريحات نارية ، كان آخرها تصريح رئيس اركان الجيش الإيراني الذي هاجم فيه ما سماه بجبهة الديكتاتوريات العربية في الخليج مؤكدا أن هذه المنطقة كانت دائما ملك إيران. وهو استعراض للعضلات صريح تفوح منه رائحة سوء طوية إيران، و هو مايبررإصرار إيران على تسمية الخليج العربي بالخليج الفارسي . و النتيجة أن العلاقات الإرانية الخليجية تمر بمنعطف خطير ، فمعظم دول المجلس تعلن امتعاضها من التدخلات الإيرانية في المنطقة، وهو واقع وضع دول المجلس أمام امتحان عسير، يتعلق بضرورة تبني إستراتيجية عملية، لتشكيل محورقادر على مجابهة التهديد الإيراني في أفق إعادة التوازنات للمنطقة . وهذا هو المخاض الذي أسفر عن دعوة المغرب للإنضمام إلى الخليج . لماذا المغرب ؟؟؟ و بالتدقيق في هذه المعطيات يمكن القول أن المغرب يحضى بوضع جد متقدم في علاقاته بمجلس التعاون ، لكن وبالعودة الى المنطق السياسي البرغماتي فالمغرب مدعو في سياق التحولات الأخيرة الى اعادة موقعة نفسه وتحديد أولوياته ، خصوصا وأنه أقدم على فتح ورش إصلاحي كبير كي يعرف ما الذي سيتحقق من عضوية ترى فيه مصلا لمواجهة السموم التي تنفثها إيران ،وبأي ثمن.